صفحة الكاتب : د . حميد حسون بجية

التقية
د . حميد حسون بجية

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


          التقية لغة (من اتقى يتقي تقية وتعني اجتناب الشيء)، وقولنا اتق الله أي احذره واجتنب معصيته. واصطلاحا، كما يقول إبراهيم سرور في كتاب المصطلحات الحوزوية الميسرة ص 53(هي تجنب العدو بإظهار ما يوافقه مع إضمار ما يخالفه من عقيدة وغيرها وهو واجب في موارد محددة). وهنالك مثلا وضوء التقية وهو أن يتوضأ المتوقي طبق مذهب المخالفين منعا للأذى وكذلك صلاة التقية.
  وعموما هي إخفاء العقيدة أو الدين خوف الضرر أو لمصلحة من المصالح ومنها حفظ الوحدة واجتناب الاختلاف أمام الأعداء(الشيرازي: نفحات الولاية ج/2، 1430: 414-415). بمعنى آخر أن يكون متبع أهل البيت سيئا في الظاهر ولكنه صالح في الباطن.
        ولنا أن نتبع التقية في القرآن الكريم. ففي قصة تعذيب الصحابي الجليل عمار بن ياسر على أيدي الكفار حتى اضطروه لان ينطق بكلمات ضد الإسلام والنبي(ص) أمام المشركين. وعندما أتى إلى الرسول(ص) باكيا خوفا من فساد دينه وإيمانه، قال الرسول(ص) قولته المشهورة (ملئ عمار إيمانا من شعر رأسه إلى أخمص قدميه). ثم أخبره أن الله سبحانه أنزل بحقه قرآنا : (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)(الآية 106 من سورة النحل). ومن الآيات الأخرى حول التقية الآية 28 من سورة آل عمران (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير). وكذلك الآية 28 من سورة غافر:  (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم   بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) و كذلك الآية 195 من سورة البقرة: (ولا تلقوا بأيديكم  إلى التهلكة). (أنظر أيضا الموسوعة الإسلامية الميسرة للشيخ عبد الرضا فاضل، 2009: 446-448).
      وقد ورد في أحاديث الأئمة المعصومين(ع) ما يدل على أن التقية مبدأ راسخ في مذهب أهل البيت. فعن أمير المؤمنين (ع) قال: (التقية من أفضل أعمال المؤمن يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين. عليك بالتقية فإنها شيمة الأفاضل. التقية معاملة الناس بما يعرفون وترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم). وقال الإمام الباقر(ع) (التقية ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له). وقال الإمام الصادق (ع) (تسعة أعشار الدين التقية ولا دين لمن لا تقية له).
  وكانت التقية شعارا لأهل البيت(ع) على مر تاريخهم، اتخذوها كما أمر الله سبحانه دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم كما أنها استصلاح لحال المسلمين وجمع لكلمتهم. وقد أصبحت سمة مميزة للأمامية دون غيرها من الطوائف والأديان الأخرى. ويزول العجب إذا عرفنا أن الأمامية وكذلك أئمتهم لقوا ما لم يلقه أحد غيرهم من المحن والضيق. وقد احتوت كتب علماء الامامية أحكام التقية من حيث وجوبها وعدمه. فتجب التقية عندما تكون سببا في إظهار الحق ونصرة الدين. وقد تحرم في الأحوال التي تستوجب فيها نصرة الدين قتل النفوس المحترمة أو ترويجا للباطل. فهي ليست وسيلة لخلق جمعية سرية غايتها الهدم والتخريب-كما يصورها الأعداء. والدليل على ذلك أن التقية بتفاصيلها موجودة في الكثير من كتب الشيعة التي تملأ الآفاق. ولقد استغل فكرة التقية أعداء أهل البيت للتشنيع على المذهب واعتبروها أحدى المطاعن.
على أن واقع المسلمين يستوجب تطبيق التقية. وهي مما يطبقه أتباع المذاهب الأخرى دون وعي منهم. ففي قصة شيخين مسافرين في طائرة، أحدهما من أتباع أهل البيت والآخر من إخواننا أبناء العامة، وهما يتحدثان عن التقية بين معترف بها ومنكر لها. وعند نزولهما من الطائرة كان على المنكر أن يبرر سفره إلى البلد الهدف بقوله انه يريد الاستشفاء وهو لم يكن كذلك. وهنا نبهه الشيخ الشيعي إلى أنها هذه هي التقية!
      ويدعي البعض أن التقية نوع من النفاق. بيد أن الفرق واضح بين النفاق والتقية. ففي النفاق يُظهر الإنسان الإيمان ويُبطن الكفر، بينما في التقية يجري العكس تماما: إظهار الكفر واستبطان الإيمان.
أ‌.       د.حميد حسون بجية  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد حسون بجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/15



كتابة تعليق لموضوع : التقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2012/01/16 .

أستاذنا الفاضل أ.د. حميد حسون بجيه دامت توفيقاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال مهم جدا بأسلوب رائع وجميل.
جزاكم الله خيرا وجعل لكم بكل كلمة حسنة وسجلها في سجل أعمالكم الصالحة.

دمتم مسددين

تحياتنا ودعواتنا


محمد جعفر


نشكر موقع كتابات في الميزان على النشر ونتمنى لهذا الموقع المميز دوام التوفيق والسداد




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net