صفحة الكاتب : حيدر كوجي

مدننا... تقتل بسلاح أبنائها !!!
حيدر كوجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أقرَّ قائد شرطة البصرة أنَّ السلاح الخارج عن سيطرة الدولة بالمحافظة يكفي لتسليح فرقتينِ عسكريَّتينِ بما يعني أنَّ السلاح المُنفلت في محافظة البصرة فقط يكفي لتسليح أكثر من ثلاثين ألف مقاتلٍ، السؤال الذي يراودني وقد يراود جميع من سمع هذا التصريح: ماهية كميَّة السلاح التي هي خارج سيطرة القوات الأمنيَّة؟ وكم فرقة عسكريَّة يمكن تسليحها بذلك السلاح؟ ومن أين أتى وما الحاجة إليه حتماً إذا ما سألنا أيَّ شيخٍ من شيوخ العشائر أو أية جـهةٍ أو مـجمـوعةٍ عن سبـب احـتـفـاظهم بهذا الـكمِّ من الـسلاح؟! فلن يكون الجواب هو(الدفاع عن النفس) وإلا فما دور القوات الأمنية إذن .
فإذا كانت العشائر والجهات والجماعات لا تجمع السلاح بقصد الدفاع عن نفسها، فما الغرض الحقيقيُّ من وراء اقتنائها سلاحاً ثقيلاً يكفي لتهديم مدنٍ واحتلالها في غضون ساعاتٍ، فالبصرة مثلاً التي طالما عانى أهلها من مخلفات الحروب يحتفظ أبناؤها اليوم بترسانة سلاحٍ تكفي لإضرام حروبٍ تستمرُّ لأشهرٍ، ولا نعرف سبباً حقيقياً أو مقنعاً يُسوِّغُ اقتناء هذا السلاح كذلك في محافظات أخرى في غرب ووسط وشرق وجنوب وشمال العراق.
هـذا السـلاح لم يـكن سـبباً لزعـزعـة الأمن في المـحافـظـات فـحــسـب، بل كان أحد أسباب تقويض فرص الاستثمار، ولم تنجح خطط وبرامج الحكومات المُتتابعة وملايين الدولارات التي صرفتها بوضع حلولٍ ناجعةٍ لهذه الظاهرة التي بدأت تتفاقم وتتَّسع حتَّى مع اتِّخاذ السلطة القضائيَّـة لقوانين يُعتقَدُ أنها تسهم في وضع حدٍّ لهذه الظاهرة.
رئيس شرطة البصرة الذي أقرَّ بعمق حجم المُشكلة اقترح على الحكومة شراء السلاح الثقيل من مقتنيه، وهو حلٌّ قديمٌ حديثٌ سبق أن طُبِّقَ ولم يُؤتِ ثماره، ونعتقد أنه سيق من باب إسقاط الفرض ليس إلا، فالسيِّد قائد الشرطة يعلم جيداً نتيجة خبرته الطويلة أنَّ اقتراحه هذا لن يحلَّ المُشكلة التي تمتدُّ جذورها عميقاً لتصل إلى قناعة المُحتفظين بالسلاح؛ بأنه بات يُمثِّلُ الهيبة والمكانة، بل وحتى المكيال الذي تُكالُ به الحصص وتُوزَّع على أساسه المغانم وتمارس عبره الضغوط، وهنا فإنَّ المشكلة أكبر من حصرها بنطاقٍ ضيِّقٍ يمكن أن يُحَلَّ من خلال تخصـيص مبالغ لشراء السلاح المُنفلت، فذلك السلاح تعدَّى مسألة كونه بضع قطعٍ احتفظت بها عشائر أوجماعات؛ من أجل الدفاع عن نفسها أو إظهار هيبتها ومكانتها، وغدا تسليح دولة داخل الدولة يمكن له أن يُؤثِّر على مصدر القرار، ويمكن له أن يُطيِح برؤوسٍ كبارٍ، ولا أعتقد أن هناك من يستطيع الوقوف أمام هول هذا التيار ليكون (دون كيشوت) يُصارع طواحين الدولة العميقة التي بات السلاح المُنفلت أحد أسباب قوتها وأحد مصادر تمويلها الكثيرة.
وفضلاً عن كون العراق بات ممراً لتجارة السلاح مثل ما غدا ممراً وسوقاً رائجاً لتجارة المُخدَّرات فإننا لا نستطيع تجاهل دور الدول الإقليميَّة والعالميَّة بتشجيع وتسهيل انتقال السلاح إلى المدنيِّين في محاولةٍ لإبقاء العراق على شفير الاقتتال الداخليِّ وإبقاء إمكانيَّة التدخُّـل في شؤونه الداخليَّة والتأثير في قرارته. 
قد لا يدرك بعض مقتني السلاح المُنفلت حجم الخطر الذي يخلفه ذلك السلاح الذي بين أيديهم على بنية الدولة وكيانها في وقتٍ يُدرك جيداً بعضهم الآخر ما يُقدم عليه ويمارسه بمهارةٍ وحرفيَّةٍ عاليةٍ وبإملاءاتٍ ودوافع خارجيَّةٍ تبتعد كلَّ البعد عن لباس الوطنيَّة الذي قد يختفي خلفه البعض. 
من هنا بات على الجميع وضع هذه الظاهرة في مُقدِّمة أولويَّاتهم وأن تتمَّ عمليَّة المعالجة على مراحل وبأسلوب التوعية والإرشاد والموعظة من جانبٍ، وبأسلوب الزجر وفرض القانون من جانبٍ آخر،على أن يكون لشيوخ العشائر والرموز الدينيَّة وقادة الرأي والاعلام دور في تلك المعالجات، وإلا فإن البصرة ومدناً أخرى تعاني ظاهرة السلاح المنفلت سوف تقتل بسلاح أبنائها الذين سيكونون بقصدٍ أو بدون قصدٍ أحد أدوات المُخطَّط الرامي لتهيئة أجواء التشتُّت والتمزُّق والتناحر وتقطيع أوصال البلد الواحد.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر كوجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/21



كتابة تعليق لموضوع : مدننا... تقتل بسلاح أبنائها !!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net