مشكلة الطائفة السنية في العراق
احمد سالم الساعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد سالم الساعدي

يخطئ من يظن ان تسمية الاشياء بمسمياتها هي دعوة اليها وان حديث التخصيص يراد منه التفريق بل العكس تماما فان التعميم الغير عادل هو دعوة مبطنة لتهميش ظالم ..فلاضير من التصنيفات احيانا بل ولا بد منها في احيان اخرى شرط ان تدور في فلك واقعية البحث المجرد الذي يصب في خدمة الحق الانساني . فالتعدد المجتمعي العراقي وان تلّحف بدثار الهوية الوطنية الاساسية فلن يستطيع انكار تصنيفاته الاسمية المتعددة تبعا لهويته الثانوية\" المذهبية.القومية. الدينية\" و ماحدث اثناء سيطرة نظام صدام على مفاصل المجتمع العراقي اثبت ان محاولة انكارها او تعمد تجاهلها اونصرة بعضها على الاخر لاسباب سياسية بضغط القوة ادى بالنهاية الى نتيجة عكسية التهب فيها حس الهوية الثانوية واستفحلت اورامه فطغت على الهوية الوطنية الام ليصبح اليوم من الصعب معالجتها دون تدخلات جراحية معقدة تستأصل ما خبث من هذه الاورام..ويبدو من غير الانصاف ان نضع اللوم على طرف محدد ساعد اوتسبب في تهييج نزعة الفصيل بهذا الشكل الخاطئ وايصالها الى حيث القمة كما نراها اليوم لتعدد هذه الاسباب واختلافها ..الا انه من غير المنصف ايضا ان نتجاهل دور الطائفة السنية الكبير وعلى مدى سنين طويلة في استفزاز بقية مكونات المجتمع العراقي واستعدائها عبر اتخاذ مجموعة من المواقف التأريخية الخاطئة تسببت في عزلتها داخل الوطن عن بقية الاطياف العراقية التي طالما نظرت اليها نظرة مليئة بالشك وفقدان الثقة كنتيجة تراكمية لتجارب ماضي مرير عمدت فيه هذه الطائفة على التغريد خارج سرب البقية دائما والاستقواء بالغير وقدمت نفسها كحارس شخصي للنظم المستبدة في العراق و بنت لنفسها ماديا وثقافيا عراقا صغيرا خاصا بها داخل العراق اعانها على بناءه ظروف سياسية ملائمة وحكومات ديكتاتورية حليفة او استعمار خارجي خبيث منذ بداية تكوين العراق الحديث وحتى سقوط نظام البعث لتجد نفسها وهي تخطو خارج ابوب ذلك العراق المصغرّ فجأة وبعد اختفاء هذه العوامل الثلاث كالعضو الغريب وسط جسم لاتعرفه ولا تستطيع ان تتلائم معه ليزيد ذلك من شعورها بالعزلة والخوف من دفع اثمان ماضي يقضّ المضاجع وبدل ان تبدا التعرف على هذا العالم الجديد وطمأنة البقية ومحاولة التأقلم مع الوضع الناشئ خارج اسوار العزل بادرت الى البحث العبثي عن طريق لعودة الزمن الى الوراء .قد يقول قائل ان حشر الطائفة السنية جميعها في قفص الاتهام بهذا الشكل هو امر غير منطقي لتعدد اتجاهاتهم وميلوهم ومشاربهم ممكن ان يكون ذلك صحيح نسبيا لكن المؤكد هو ان تعاطف الطائفة السنية مع العهد البعثي ورموزه اليوم هو السمة الغالبة على توجهات هذه الطائفة بشكل او باخر مهما اختلفت هذه الاتجاهات والميول الا ماندر وما افرزته نتائج الانتخابات في محافظات هذه الطائفة من اكتساح تام لقوائم لاينكر اغلبها بل ويجاهر بتعاطفه مع النظام البعثي والاحتفالات الكبيرة التي اجتاحت مناطقهم بعد فوز القائمة العراقية والتي وضعوا علاوي على رأسها ك\"فزاعة\" لرد متهميها بالطائفية واضفاء صفة العلمانية على القائمة رغم ان 95% من رموزها هم من السنة وطغت على هذه الاحتفالات اناشيد واغاني تمجد البعث وصدام ورفع صور الاخير في استفزاز معتاد لبقية طوائف الشعب يؤكد ان الطائفة السنية في العراق مجتمعة على رفض نظامه الجديد والحنين الى قديمه ومن يخرج عن هذا الاجماع ينتهي به الامر الى ما انتهى عليه مثال الالوسي و \" اولاده\" مثلا او طلال الزوبعي مؤخرا او على اقل تقدير حاجم الحسني وعلي بابان \"لم يصوت للاثنان احد\" وهو مايجزم ان هذا المكون العراقي لايريد ان يخرج من عزلته بل انه طورها ليستغلها كموضع حصين يقذف من داخله حمم نارية لحرق البقية في الخارج ولا يجد باسا من الاستعانه بقوى خارجية متفقة المصالح كعون في حروب عودته هذه وهو اسلوب قديم مارسته المحافظات\"البيضاء\" لهذه الطائفة من قبل في انتفاضة 1991 اعادت فيه نظام صدام المحتضر الى الحياة في حينها بأعانته على شيعة الجنوب واكراد الشمال وكما قلنا سابقا فان مرأة التأريخ العاكسة فظة ولا تجامل في اظهار العيوب وهذا تأريخ لامجال لانكاره يقطع عزف اللحن النشاز الذي يعزفه الاعلام العربي الطائفي التوجه عن مساواة صدام للعراقيين في ظلمه وهو امر غير حقيقي يبّين بشكل واضح المعنى الذي اوردناه في البداية حول التعميم الغير عادل والذي يدعو بشكل غير مباشر الى تهميش ظالم فالمساواة بين اكثر من مليون عراقي \"شيعي\" قضوا خلال حكم البعث ومئات الالاف من العراقيين \"الاكراد\" الذين سحقوا بالغازات الكيمياوية وحملات الانفال وغيرها مع بضعة مئات من الشهداء العراقيين \"السنة\" على الرغم من قيمة هذه الدماء لو فرضنا جدلا ان نزيفها باجمله كان في سبيل الوطن وسّاوينا فيه دم الشيخ الشهيد عبد العزيز البدري مع دم محمد مظلوم الدليمي هو تعميم غير عادل لايستقيم عقلا يحاول تهميش تضحيات الاكثرية التي ملأ شهدائها مئات المقابر الجماعية ومقاصل الاعدام لتصطف على قدم مساواة مع اخرى لاتعادلها حجما ولا نوعا وتطالب باستحقاقات هذه المساواة متناسية لاستحقاقات اخرى اهم عليها دفعها اولا للاخرين ولايبدو انها تكترث اساسا بتسديدها او حتى الاعتراف بها .. والملاحظ ان ابناء الطائفة السنية يجتمعون على الابتعاد عن اللغة الطائفية المعلنة في خطابهم فهم لايقبلون باطلاق التسميات المذهبية على المواطن العراقي ويبتعدون عنها قولا في داخل العراق لانها وفقا لاجواء الثقافة الديمقراطية لاتكون في صالحهم كأقلية لكنهم في الحقيقة الاقرب الى التعامل الطائفي فعلا وتطبيقا فما ان يجدون البيئة والمناخ المناسب وخصوصا في دول الجوار العربي حتى يبدأون بالتنكر لعراقيتهم \"الجديدة\" والجهر بانتمائهم الطائفي دون تردد بعد ان وجدوا في العمق العربي الطائفي ملاذا يلتجاون اليه في تنكرهم للعراق الجديد الذي لايحكموه بل ويحاربوه ويحاولوا باستماتة التقليل من اي منجز يحققه حتى اصبحوا اليوم ابعد مايكون عن الاحساس بالانتماء للعراق بعد ان وجدوا البديل العربي المؤقت الذي سيعينهم على \" العودة الظافرة\" وباتو لايخفون شماتتهم بكل مصيبة او معاناة يتعرض لها العراقيين كنوع من العقاب \"الالهي\" لابعادهم عن قيادة العراق بل وشارك بعض قادتهم في تصعيد حجم هذه المعاناة عبر اشتراكهم في عمليات ارهابية \"محمد الدايني - اسعد الهاشمي - عبد الناصر الجنابي\" او التحريض عليها مثل عدنان الدليمي وغيره او حتى استغلالها سياسيا كما يفعل قادة كتلهم اليوم ..ولا اظن ان هناك عاقلا يعتقد بامكانية حدوث اي تطور في مسيرة بناء وطن ان كانت دولايب هذه المسيرة الاربعة تحتوي على اطار يصرّ على اتخاذ شكل خشبي مربع كي يعيق تقدمها!!! ومن يعتقد بامكانية حدوث مثل هذا التطور بضغطة زر فهو واهم تماما ومتفائل في غير مكانه فالقناعات المتوارثة لعقود طويلة لاتتغير في يوم وليلة بل هي ايضا بحاجة الى عقود طويلة لهذا التغيير و لهذا فان مسؤولية القرار تحتم على قادة بقية الاطراف ان تتصرف بواقعية تضع مصلحة العراق بجميع طوائفه اولا وليس من العقل شيئا ان تشلّ حركة بلد باكمله وترهنها بمزاج طائفة يحاول قادتها بشتى السبل الابقاء على هذا البلد مشلولا فقط لاحراز انتصارت سياسية طائفية تدعمها قوى اقليمية عربية معادية او لاثبات انهم الوحيدين القادرين على ادارته حتى وان كان الماضي اثبت عكس ذلك ومن يصرّ على عقد سلام الشاة مع الذئب فلن يلوم الاخير اذا ما تصرف غريزيا وانقض على الجميع في لحظة غفلة واحدة وعليه فان الوقائع على الارض تشير الى ان الحلول يجب ان تكون حاسمة لاتقبل المناصفة والخيارات المتاحة الان تتمثل في ضرورة تنقية التمثيل السني من شوائبه البعثية برفض التعامل مع من يحاول ان يضع السكين على رقبة الوطن ويرتهنه لمصلحة طائفية او شخصية ضيقة واختيار من يستطيع ان يثقف هذه الطائفة على حب الوطن المجرد من الفكرة التجارية النفعية التي لاتعترف به الا بمقدار ما يدره عليها هذا الاعتراف من فوائد والا فانها لن تبالي بتسليمه لبعض الارهابيين القادمين من السعودية واليمن ويتحتم على القادة العراقيين اليوم ان يتصرفوا بشكل اكثر عملية في تشخيص هذا الخلل الذي طال امده لسبع سنين متواصله فقدنا بها اي امل لعودة طوعية لنداء العقل لدى القادة السنة وماجرى بالامس في قاعة البرلمان يؤكد ان التشبث باحلام وحدة وطنية زائفة مع امثال طارق الهاشمي وعلاوي والمجتث المطلك هو تشبث بسراب خادع لايروي عطش المخلصين بوحدة هذا الوطن والكف عنه اليوم اصبح ضرورة تحتمها مصلحة جميع العراقيين وعليهم البدء بالتعامل مع من يتفق معهم على اسس الشراكة الحقيقية التي تؤمن بالعراق كبلد لا كشركة وغربلة قادة هذه الطائفة بالشكل الذي يضمن مصلحة العراق الجديد اولا واخيرا لان مشكلة الطائفة السنية هي في تجمدّ التأريخ لديها ووقوفه على زمن غابر ترفض مغادرته في الوقت الذي غادره الجميع فلم ترى بدا من استغلال حبل المواطنة الذي يربطنا كعراقيين لتحاول جر الجميع نحو ذلك الزمن بالقوة وبكل الوسائل وهو مالايجب ان يحدث ابدا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat