صفحة الكاتب : فوزية جمعة المرعي

الشــركــــــــــــــــــــــس ?
فوزية جمعة المرعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إنّ تاريخ الإنسانية ،هو تاريخ الإنسان كما عبّر عنه "آينشتاين" بقوله:ـ صانع العالم ـ هو الإنسان الفرد العظيم ـ .
وهذا القول  يدعونا للتساؤل:
ـ لماذا أيها الإنسان ..أيها القيصر..أيها السلطان..أيها الحاكم بأمــــــر الله تـــــــــارة  وأخرى برؤى الشيطان ؟
لماذا تُحيلُ هذا الكون الرائع إلى جحيم , لماذا أيها الإنسان..؟
لقد أتعب هذا السؤال كل من أدرك حقيقة الخير والشر على هذه الأرض وراح يبحث عن السبل الناجعة لوضع حد ٍ فاصل ٍلهذه الازدواجية ..والتناقض المذهل
بينهما..
فقد طرح زرداشت هذا التساؤل على نفسه في زمن يسبق تاريخ الميلاد  بما يقارب(660)عاما , حين شهد الظلم يخيّم على أبناء شعبه وقتذاك ، فاتخذ له مكاناً قصياً كناسك في جبل (سابلان ), وأقسم ألا يعود قبل أن يكتسب الحكمة ويصل إلى هدفه المنشود وحين أدرك سر الحكمة في تكوين النور والظلام , أدرك أيضاً أنّ العالم يتألف من الخير والشر , ولكنه عاد ليلقي بسؤاله المحيّر على نفسه , لماذا خلق الخــــــــير ولماذا خلق الشر؟   فنذر نفسه للأعمال النبيلة وانطلق بعد ذلك ليقود شعبـــــــــه ليخلصه من الظلام إلى النور ومن الشقاء إلى السعادة ومن الشر إلى الخير.
ـ وهذا سؤال من شاعر شركسي يقودنا إلى عنوان هذه الندوة لنسهب في الحديث عن الشركس بعد طرحه السؤال إذ يقول :
ـ ياأبناء شعبــــــــــــــــــي ..
 من الذي غدر بكم ..وطعنكم من الخلف , دون شفقة عند مفارق طرق الحياة؟
 إن ظلالكم مازالت تتأرجح فوق هاوية الجبال الشاهقة..
  و من الوديان  السحيقة تنطلق  أصوات الصراخ ...
- إن أمجاد أولئك  الذين قتلوا من اجل  ضوء الحياة
ستزّين بيارق مستقبلي إلى الأبد
&ـ وبعد هذا التساؤل عن سّر الشتات يتابع قائلاً:
- لو عرفت  أنني استطيع  أن أعيد  إليكم  شبابكم   
لحلقت بعيدا ...بعيدا بهذا  الأمل وحده ,
بحثا عن بدايات  حياة الإنسان
فليس بين القرون من لا يعرفني ..
و ليس بينها  من لا يستطيع  أن يقدم  لي المشورة
 لكن الضباب  المنتشر في كل مكان
هذا الضباب  ينوخ بثقله  بدلال فوق صفحات  التاريخ
و تشرق  الشمس فيئاً شاحباً
و في صفحاتها  يرتسم قلق كبير
و يخيل  إليّ  أنها تقول  لنا :  حان  الوقت  أيها  الناس
لان تعقلوا  و تلقوا بأسلحتكم 
فأيّ مصائب  هي  التي تبحثون عنها 
دون  أن تجدوا وقتا  لزراعة الحبوب ؟ ..           (( 1))
 
ـ من هم الشركس:؟
ــ سؤال  اطرحه  على نفسي  بهمس ٍ أحادي النبرة تارة  و بأخرى يرتفع  ليشمل  أنت..الآخر.,.الكل , من هم الشراكسة ؟ فتجيب صفحات  التاريخ :
الشراكسة :  هم جزء من الشعوب  الأديغية  و يسمون أنفسهم  (أديغة )
 
 ـ أماكن  تواجد الشركس  :
 يكثر  تواجد الشركس شمال القفقاس, أما  خارج القفقاس, فيتواجدون  في تركيا  بالدرجة الأولى  إضافة إلى عدة بلدان  أخرى مثل  سوريا الأردن  و فلسطين  و مصر  و يوغوسلافيا  إلى جانب  بعض  الدول  الأوربية  و أمريكا,.وفي( فارنا ) لا يزال  يوجد أربعـــــة قرى شركسية  يحافظ سكانها  حتى  الآن  على لباسهم  القومي و لغتهم  الخاصة . و حسب ما هو  مثبت  في أرشيف  الوثائق فقد  أرسل ألف منهم  إلى طرابلس الغرب ومن الممكن  أن نجد الشركس حتى في بلدان  لا  نتوقع فيها  وجودهم كالعراق  و اندونيسيا على سبيل المثال لا الحصر.    
و يعيش الشركس كذلك  في بلدان  جنوب  غربي آسيا  و شمال  أفريقيا  حيث  انتقلت  هذه ا لقبائل  إلى هناك بداية  القرن التاسع عشر  عندما  ُضم القفقاس إلى روسية القيصرية ،  ولقد  هاجر في هذه الفترة  عدد كبير من ممثلي الشعوب  و الأقوام  القفقاسية  التي عرفت كلها في  المهجر بلقب واحد هو (الشركس ) .
و يعتقد  إن لقب شركس  مشتق  من كلمة  ( كير كيت) و هو الاسم الذي  أطلقة المؤرخون اليونانيون  القدماء على جزء من الشعوب الأديغية التي استوطنت  في شمالي القفقاس .
كان لموقع القوقاز أهمية كبرى فهي صلة الوصل  بين وسط أسيا  و أوربا و منها  عبرت الهجرات  البشرية باتجاه الغرب  كما انتقلت  عبرها  الحضارات  بين  الشمال  و الجنوب و الشرق و الغرب و قد  كانت  الطريق التجاري الآمن  بين الهند والصين  إلى أوربا  وذلك قبل أن يبحر الأوربيون  بطريق رأس الرجاء الصالح  و قبل  شق  قناة السويس . والقوقاز  تكثر  فيه  الغابات والسهول و نظرا  لكثرة أمطاره  تنتشر فيه  زراعة المحاصيل .بشتى أنواعها  و لعل  البترول أهم  ثرواته الباطنية .
تلك  هي طبيعة الأرض التي عاش بها شعب القوقاز  و هو الاسم  الجامع  لكل سكانها   أما اسم شركس فهو اسم أطلقه  الأجانب على شعوب و قبائل  شمال  القوقاز .
و لقب شركس  أطلق على سكان  القوقاز  جميعا  الذين تجمعهم حضارة واحدة  و إن اختلفت  لغاتهم ......
و تضم شعوب  شمال القوقاز (الأديغة ) – البجدوغ – الابازاخ – الشاب سوغ -  القرشاي -  التشمقواي – النختواي – الوي ناح – الداغستان .
و القوقاز كلمة  استعملها الإغريق ( قاو قازوس ) و حّرفها الروس إلى قفقاس  و في  الكتب و المصادر العربية  تسمى (القبق ) و بلاد  اللان  و لقبها  باب  الأبواب , و يشار إليها  ببلاد  ما بعد جبال أرمينيا و قد أكد العالم الألماني  ( باخ )   أن أرض القوقاز  هي المصدر الأساسي  للجنس الأبيض ، و قد سماها السلالة القوقازية  و إليها  ينسب سكان أسيا  الصغرى  و أوروبا و شعوب المنطقة العربية  و إيران  .
أما أجداد الشركس القدماء فهم (الكاباردين – البيسلين ) الذين كانوا جزءا من سلالة الشعوب الأديغية , وتشير المصادر إلى إن هذه الشعوب قد استوطنت الأراضي  المسماة حاليا جمهورية ( كاراتشايف ـ تشيركس) منذ القرن الخامس الميلادي,إذ عثر الباحثون التاريخيون على مقابر وبقايا قرى في منطقتي (آوروب ـ ولابي) جنوب أراضي الشركس , تم التأكد من أنها تعود إلى الشعوب الأديغية التي استوطنت في هذه المنطقة في القرن الخامس الميلادي, كما عثر الباحثون على بعض الآثار التاريخية الأديغية (الكاباردينية) في المناطق المحيطة بنهر (كوبان) ،تعود إلى فترة مابين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين.
ويعتبر المؤرخون هذه الآثار مهمة لأنها تتحدث عن ظاهرة هجرة الشعوب التي استوطنت في المناطق الواقعة شمالي نهر كوبان إلى المناطق الواقعة جنوبه ، حيث تقطن شعوب وقبائل تربطها صلة دم وعلاقة قومية مع الشماليين , أي أن أقوام الشركس كانوا يعيشون جنوبي كوبان , ثم هاجر إليهم الكابارديني من شماله وكانت هجراتهم بأعداد كبيرة قد مكنتهم من السيطرة على هذه المنطقة, وبقيت تحت سيطرتهم إلى أن بدأت هجرات الكابارديني بالتلاشي في بداية القرن التاسع عشر, ولقد بلغ عدد القرى الكاباردينية في عام 1925 اثنين وستين قرية .
وإضافة للكابارديين , ساهمت أقوام (البيسلين) في تكوين السلالة الشركسية , وتشير مصادر القرن السادس عشر الميلادي التاريخية إلى أنّ( البيسلين) قد استوطنوا في مناطق نهري ( لاب وكوبان) وسميت أراضيهم باسم بيسلين .
وكانت( بيسلين) محاطة من كل الجهات بالأقوام والشعوب القفقاسية الأزازينية والكاباردينية وأقوام (الماخوشيفي ـ والمامخو كوفسي) وقد بلغ عدد قرى البيسلين في القرن التاسع عشر ثلاثاً وثلاثين قرية .
وفي القرن التاسع عشر أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة في شمالي القفقاس وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعوب هذه المنطقة , الذين هبوا بدورهم للدفاع عن حريتهم واستقلالهم , وخلال هذه الأحداث دُمرت وأُ ُحرقت معظم القرى الشركسية ( الكاباردينية ـ والبيسلينية).
 
وبعد الهزيمة التي ألحقتها روسيا بالجيوش التركية إبان حرب (1828ـ1829) وقـّع الطرفان اتفاقية (أدريانا بولسكي) التي تم بموجبها ضم أراضي الشعوب الأديغية (شركس ,كاباردين,أديغيون) إلى روسيا القيصرية , إلا ّ أنّ هذا الضم لم يوقف النزاع العسكري الناشب في هذه المنطقة , إذ استمرت شعوب شمالي القفقاس بمقاومة الجيوش الروسية النظامية المتواجدة في مناطقهم , ونتيجة لتقدم الجيوش الروسية باتجاه الغرب بمحاذاة جبال القفقاس والأنهر المجاورة لها, تم تدمير الكثير من القرى القفقاسية ومنها الشركسية وتهجير شعوبها إلى مختلف أرجاء العالم , وشيدت روسيا خطوطاً عسكرية جديدة في هذه المنطقة(القفقاس) أما من بقي من الشركس , فقد أعاد بناء عدد من القرى في القرن التاسع عشر وكان قد بقي من الدمار عشر قرى من أصل خمس وتسعين قرية كانت قائمة وعامرة قبل الحرب في القفقاس.((2))
 
 
ـ  وقفة للتساؤل بين : من   ..ولماذا ..    حصل ماحصل للشراكسة ؟
 
   يجيبنا الشاعر الشركسي ـ ورزاي أفليك ـ بحفنة سوناتات وهو يعزف على قيثارة المأساة بريشة روحه نائحاً:
·       الريح الغاضبة تطرق نافذتي وتفتح بابي بغضب..
·       هاقد أصبحت غرفتي مركزاً للعبـــــــــــــور ..
·       وبدأ رذاذ الأزمنة الغابرة يتساقط...
·       لا أستطيع أن أوقد مصباحي
·       مع أنّ النوم قد جفانـــــــــــــــي
·       وأسمع صوتاً يناديني تهتز له الغرفــة ..
·       أعدوّ ُ ُ هو من ينادي  أم صديــــق؟ !
·       الزمان لا يحمل ديناً لأحد..إنه يمضي يمضي وينقضي دون أن يداري أحـد..
·       سقطت حبات الكرز قبل نضجها عن الشجرة ..
·       وهاهو جذعها يذرف الدموع سراً..
·       ومن بعيد ..يصل صدى غناءٍ شجي ٍ متواصل ٍ
·       يعيد  إلى الذاكرة ما غرق في بحور النسيان ...
 ــ مسببات تهجيـــر الشركس :
    ثمة فوارق جمة بين الهجرة والتهجير, فالهجرة أمر يقوم به المــــــــــــــــرء
 لأي بقعة من العالم بملء إرادته لأسباب متعددة يدركها ويقدر نتائجها الإيجابية والسلبية قبل أن يُقدم عليها , أما التهجير القسري, فهو أمر يخضع له المرء رغم أنفه مكرهاً لاخيار له فيه,وإن كنا قد قرأنا في صفحات التاريخ عن تهجير الشركس والأرمن والشيشان وغيرهم , ورسمنا صوراً لمعاناتهم في مخيلتنا , فإننا نمازج بين المشهد الخيالي والواقعي الذي نشهده اليوم لما يكابده إخواننا في فلسطين والعراق من قتل وتنكيل وتدمير وتهجير على مرأى من العالم بأسره ونحن في القرن الواحد والعشرين ..
وقد تم تهجير الشراكسة من بلادهم بين عامي 1859 ـ 1864 عبر الطريق البحري مثل: تامان , تو آبسة , تسميز, سوتشي, آدلر, سوخوم بوتي باتوم وغيرها إلى الموانئ العثمانية سامسون, سينوب , اسطنبول, فارنا, بوركاز وكوستنجة, أما التهجير الذي حصل بين عامي 1865 ـ 1866 ,وذاك الذي وقع عام 1878 بعد الحرب العثمانية ـ الروسية فقد تم عبر الطريق البري, وقد تم تهجير شعوب الشيشان والداغستان والأسيتين والقبردي عبر الطريق الشرقي , وقد استمرت الهجرات بعد ذلك عبر الطريق البري أيضا.
وأثناء تهجير الشراكسة الذي يعتبر أكبر تهجير في التاريخ الحديث إذ تدفقت الدماء فيه أنهاراً, وكان الناس يصعدون السفن في أسوأ الظروف حيث كان الموت يحيط بهم كيفما اتجهوا , فقد كانت تحمل على متنها أكثر من استيعابها من أجل الحصول على المزيد من المال مما تسبب في غرق الكثير منها قبل ابتعادها عن الشاطئ بقليل , وذلك حسب ماسجلته القنصلية الروسية في( ترابزون ـ التركية) في شهر أيار من عام 1864 , فقد قضى ثلاثون ألفاً نحبهم جوعاً ومرضاً, فالذي كانت تبدو عليه علامات المرض كان يُلقى به على الفور في عرض البحر .
 ـ الجراح العميقة التي خلّفها التهجير:
يعتبر تهجير الشراكسة أهم حدثٍ في التاريخ الشركسي عبر آلاف السنين التي خلت فهذه الحادثة قد أثـّرت بشكل سلبي على التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للقفقاس , ويؤيد العالم المرتوقي نوح , الذي يتبنّى وجهة النظر ذاتها أنّ نفي الشراكسة عام 1864 قد أدى إلى إحداث ضرر كبير في تكوين المجتمع الشركسي كما انتقد في كتابه المعنون"تواريخ الجراكس" التهجير الذي تم عام 1864 والذي تم بعد ذلك في الأعوام 1878, 1890, 1888, وتلك التي حدثت مؤخراً عام 1900 إلى الدولة العثمانية كما ناصر الرأي القائل بعدم وجود أية ضرورة شرعية تبيح ترك الوطن بشكل جماعي .((3))
 - ويأتي دور الأدب لتجسيد المأساة شعراً ونثراً وملاحم تبدأ ولا تنتهي :
يقول الشاعر ورزاي افليك:
  * كم من الناس يرقدون تحت الأرض متجاورين
     بالرغم من أنّ قروناً طويلة تفصل بينهم ...
     وأقف مطرقاً مجفلاً من هذه الفكرة
     وتجمد الدمعة التي تجمّــعت على صفحة العين ...
·         صامتة ُ ُ هي السماء..الأرض..
      وتقف شاهدة القبر حارساً فوق قبوركم دون أن تذرف دمعة..
      وتنبت الكروم حولكم في الفيافـــــي
      والعين تفجّـرت هناك ..ماؤها سلسبيل..
      ولأنّ ماء العين السلسبيل هدية منكم , فإنّ بطولاتكم ستكون شواهد لي
      وعلامات للطريــــــــــــق..
      ومن سخاء نفوسكم تغتدي روحــــي
      وكلما قصفت الرعود وأضاءت البروق
      أحسُ أنّ الكون لا يذرف دموعه إلا من أجلكم ..
      أنا لم أخض حرباً ..وطوال عمري لم أصوّب بندقية صوب إنســـان..
      ولكنني أفكر في الخفاء أنني ..ضحية حرب لم تعرف معنى الرحمة
      كم كنت أبياً ياشعبــي ولكن ..
      رصاص العدو أصابك غدراً فهويت
      ومع أنك لم تكن تريد الأذى لأحــد ..
      فما أكثر الذين كانوا يبحثون عن أذاك..
      مصرّين على إراقة دمائك على أديم الأرض....
  ــ   اللغــة الشركســـــية:
 ـ لغة الشركس الأدبية , هي اللغة الأديغية وهي مشتركة بينهم وبين الكاباردين وتعتبر اللغات الأبخازية والأبازينية متشابهة وقريبة إلى ا للغة الأديغية ومجمل هذه اللغات يطلق عليها اسم ـ اللغات الأبخازـ  ديغة.
ـ هذا ويؤكد الكاتب(منذر بُج )في كتابه ـ الأصول الشركسية في اللغة السومرية ـ أنّ اللغة الشركسية تنطبق كمبنىً (أصوات الحروف)وكمعنىً تمام الانطباق على اللغة السومرية , وهذه حقائق تؤكد وحدة الأصول والجذور في عصور ما قبل التاريخ بين السومريين وسكان شمال القفقاس الذين تمت المقارنة بإحدى لغاتهم ذات الأصول المشتركة مع اللغة السومرية وهذه اللغة هي لغة( الأديغة ).
ويشرح المؤلف في بيان المقارنة والتشبيه بين اللغتين السومرية ـالشركسية وقد استنتج من المقارنة التي قام بها وجود أكثر من مئة كلمة يتحد فيها اللفظ والمعنى في كلتا اللغتين بما لا يترك مجالاً للشك , من أنّ السومريين كانوا يتكلمون اللغة الشركسية .
ـ استوقفتني عبارة المؤلف ( بما لايترك مجالا للشك) وكأنه قادني بهذه العبارة للتوقف على ضفاف الشك والتأمل بعمق بها ,رغم أنني لست من المتخصصين في علم الأركيلوجيا ,أو سواها من اللغات القديمة, لكنني لجأت إلى الشك بتشجيع من الفيلسوف ديكارت الذي يؤكد في إحدى عباراته ," أنّ الشك خطوة ضرورية لابد من اتخاذها ", سيما وأنّ الشك عنده شك مؤقت يقوم على هدم الماضي في سبيل إصلاح مافسد منه وهو يشمل جميع المعارف والعلوم الإنسانية .
ـ ويأتي من يدعم عبارة الكاتب منذر بُج  , فيما يخص اللغتين الشركسية والسومرية , وهو ـ الدكتور الأركيلوجي نائل حنون في كتابه (حقيقة السومريين ـ ص ـ31 ) أنّ الدراسة المعجمية للغة السومرية تبين وجود مجموعتين من المفردات , الأولى تشتمل على مفردات سومرية , والثانية تشمل عدداً كبيراً من الكلمات المستعارة من لغة غير سومرية .(4)
ويتابع قائلاً: وجد عدد كبير من العلامات المسمارية بقيم صوتية معروفة ومستعملة في اللغة السومرية ولكن ليس لها قيمة رمزية تدل على معاني مقترنة بها وقد أطلق الباحثون على هذه القيّم الصوتية تسمية (كاكاسيكاـ kakasiga ووجود هذه القيم أو المفاتيح اللغوية يدل على أنها اشتقت من كلمات تعود إلى لغة غير سومرية .
أتراه يشير بالتأكيد على عبارة (منذر بُج) من جهة  وبأخرى, ليقودنا إلى الشك من جديد حين يؤكد في كتابه أيضاً بأنه لم يُكشف النقاب عن مكنونات لاتعد ولا تحصى لرُقُمُ ٍ مسمارية مطمورة في بقاع الأرض المنتشرة من تركيا إلى سورية إلى آخر بقعة وطأتها أقدام السومريين في بلاد الرافدين وما حولها ؟ .
 ـ الحياة الاجتماعية للشراكسة :
   عاش الشراكسة على شكل تجمعات قروية متجاورة ذات سيادة مستقلة , تربط بينهما قوانين التكافل والتضامن الاجتماعي , فالجميع أحرار ومتساوون في الواجبات والحقوق قبل استخدام الأراضي الزراعية والمراعي وحق التصويت في المجالس القروية والاجتماعات .
والأسرة الشركسية نوعان : كبيرة وصغيرة , وبقيت العائلات الكبيرة  , تشكل الغالبية عند الشركس حتى بداية القرن التاسع عشر , إذ أصبحت معظم العائلات الشركسية صغيرة , وكان هذا نتيجة ماعانته هذه الشعوب من ويلات الحرب والتشرد في فترة الحرب الروسية ـ القفقاسية .
ـ تقع إدارة شؤون الأسرة الشركسية على عاتق الرجل الأكبر فيها(الأب أو الجد)ويكون هو رمزاً للسلطة الاجتماعية في الأسرة , وفي حال موته تقع المهمة على عاتق الابن الأكبر , أما سيدة البيت فهي الوالدة أو الجدة, وتتحمل ربة المنزل الكثير من المسؤوليات المنزلية التي توزعها على نساء الأسرة من إعداد الطعام ,
    والمئونة لفصل الشتاء وتربية الأطفال وأعمال الحياكة ونسج الأقمشة .
 - أما طقوس الزواج عند الشركس فإنها تتم وفقاً لقوانين صارمة إذ تمنع أن يتزوج الرجل والمرأة إذا كان بينهما  أية صلة قرابة من طرف الأب أو الأم , حتى إذا كانا يحملان نفس اسم النسب دون أن يكون بينهما أي صلة قربى , فإن زواجهما يعتبر غير محبب , وكذلك يمنع زواج يرتبط به أحد والديهما أو والدتهما بصلة الرضاعة(إخوة في الرضاعة) وكل من يخالف هذه القوانين يحاربه المجتمع وقد يصل الأمر إلى طرده..
ويدفع أهل الزوج للزوجة مهراً , أما أقرباء الزوجة فيجب عليهم أن يجهزوها بما يليق حيث تأخذ معها إلى أسرتها الجديدة(بيت الزوج)أشياء كثيرة مثل الأواني والأثاث والفرش وأشياء أخرى بمثابة هدية لأقرباء الزوج..
  @ ـ الشركس في مدينة الرقة:
ـ يعيش في مدينة الرقة عدد كبير من الشركس كما أن أحد الأحياء يعرف باسمهم
ويطلق عليه (حي الشراكسة ) ومن الأسماء البارزة التي تألق ذكرها وذاع صيتها في مدينة الرقة وما حولها عائلة( عمر بك أنزور) التي ينتمي إليها الشهيد البطل جواد طالوستان آنزور , الذي استشهد عام 1948 في معركة تل العزيزيات   التي اشترك بها الجيش السوري ,وفرقة الخيالة الشركسية ـإحدى قطع الجيش السوري وشيّع جثمانه إلى الرقة التي دفن فيها , وقد  ألهب مشاعر الأدباء والشعراء والباحثين ليجسدوه في شعرهم ونثرهم ,وأقتطف هذه الباقة مما جاد به الباحث الرقي السيد علي السويحة:
   بمهجتـــه جاد يوما جــــواد        وما جاد بالروح إلا الجــــواد
   من الرقة انساب مثل الفرات       قنيطــــــــرة وثراها المــــراد
   وكـرّ ثلاثــــاً بقلبٍ شجـــاع ٍ       وفي آخــر الأمــر خرّ الجــواد
 هذا وقد خلده الأديب الراحل عبد السلام العجيلي بمقالة وجدانية بعنوان( السيف والتابوت), وأتبعها بمقالات أخرى عديدة حملت العنوان ذاته ,وأختزل من هذه المقالة اللحظات الحاسمة التي سبقت استشهاد البطل جواد آنزور وقد أوردها الأديب المرحوم العجيلي عن لسان من حدثه عنها, وهو الملازم الأول اسماعيل آنزور والد المخرج المعروف نجدت آنزور :يقول:"صدر الأمر إلينا ,فسرنا إلى الأمام , كان جواد على اليمين ,يسير ماشياً على قدميه وبيده عصا يضرب بها الأحجار في طريقه والحشائش الجافة, وكنت أنا وراءه, ووراءنا العسكر واحداً إثر واحد من سريتنا, على اليسار كانت سرية ثانية وثالثة ,ووراءنا سرية احتياط,تقدمنا نحو كعب التل , فوصلنا بعد العصر دون أن تطلق علينا طلقة واحدة  كما أنّ مدفعيتنا كانت تضرب القمة دون جواب , وبقينا فترة في موقفنا عند كعب التل دون أن نتلقى أمراً, وفجأة قام جواد وأعطانا الأمر بارتقاء التل.
 يتابع اسماعيل آنزور, ارتقينا التل بعشرين جندياً, فلم يطلق أحد علينا ونحن نرتقي السفح , وتقدمنا إلى أن صرنا على بعد خمسين متراً من الاستحكامات التي كانت مقامة على القمة , حول شجرة وحيدة كانت هناك , وحين صرنا من الاستحكامات على هذه المسافة , انطلقت علينا نار العدو غزيرة , فأصدر جواد الأمر بأن تنقسم فئتنا إلى زمرتين :عشرة جنود يتقدمون وعشرة يضربون , ولكنا وجدنا أن النار المنصبة علينا كانت غزيرة , وأنّ ذخيرتنا أمست قليلة , كانت لدينا قنابل من صنع محلّي نضربها بالبنادق فلا تنفجر, ولو كانت أسلحتنا صالحة لاحتللنا وحدنا الاستحكامات دون معونة أحد, مما اضطرنا لطلب ذخيرة جديدة , فلزما الأرض وأرسلنا واحداً من الجنود ليأتينا بها ,ثم أتبعناه بآخر,ولكن الليل هبط ولم يعد الجنديان,في هذه الأثناء جاءنا ملازم كان شجاعاً ومندفعاً فقال لجواد لحظة وصوله:أنا تحت قيادتك: أ ُأمر لنهاجم ..هدأ جوا د من اندفاع الملازم وقال له :طلبت ذخيرة وعسكراً , حال وصولهم سنهاجم..ولكن الأمر طال والليل يتقدم والذخيرة لم تأت فجأة سمعت جواد يصرخ بالفرنسي: آفـان..إلى الأمام !وتقدم هو إلى الأمام..هجمنا نحن على الاستحكامات بينما كنت أستمع إلى جواد وهو يسب ويشتم بثلاث لغات, بالعربية والفرنسية والروسية , كان الليل شديد الظلام وأنا مشغول بإطلاق النار , فلم أنتبه إلى ما أصابه إلا حين انقطع صوته عني, ذهب أحد الجنود ليبحث عنه في الظلمة ثم عاد ليخبرني :جواد قتل..!
 تركنا تل العزيزيات بعد أن رفعنا راية النصر عليه , وعدت لأحمل البطل الشهيد جواد في سيارة جيب جثماناً ممدداً إلى دمشق , ثم وضع في تابوت خشبي مغلف بالمعدن ليرقد في مثواه الأخير بمدينة الرقة .
هذا وقد أفادني السيد اسماعيل حبش بمعلومة أقسم أنه سمعها عن المرحوم اسماعيل آنزور قائلاً: حين احتضنت جواد نطق بكلمات أخيرة :خذني من هنا.....
 وأطلق اسم جواد آنزور على أحد شوارع دمشق, أما مدينة الرقة فخلدته بثانوية الشهيد جواد بك آنزور وتصَدَرَ اسمه أيضاً أحد الشوارع , وقد تحدثت عنه محطة البث التلفزيوني بالرقة بتاريخ 20.ـ11ـ2006 , وخلال عام 2006 أقيمت ندوة بجمعية العاديات تحدث فيها الباحث الرقي علي السويحة مطولاً عن حياة البطل جواد بك آنزور منذ نشأته , حتى لحظة استشهاده ..
 كما ألقى الباحث الرقي محمد الجد وع محاضرة  بمدينة البعث في القنيطرة عام 2009 , بعنوان ( جواد آنزور ـ بطل تل العزيزات) .
ومن الباحثين الذين صبوا جُـلّ اهتمامهم بقضية الشركس الباحث الرقي الأستاذ محمد عبد الحميد الحمد , في كتاب بعنوان ( تاريخ الشركس وآل آنزور)                                 وقد ترجم إلى اللغة الانكليزية .
هذا ويتمتع المجتمع الشركسي بسلوك ملفت للنظر بالرغم من بعدهم عن الوطن الأم , فقد حافظوا على لغتهم بالإضافة إلى لغة البلاد التي استوطنوا فيها  إضافة لالتزامهم بعادات وتقاليد أجدادهم وأكثر مايميزهم هو الصدق والنظام والإباء والشجاعة والصبر واحترام الكبير والعطف على الصغير وأينما حلّوا تحـــــــــــل
مواصفاتهم معهم حتى أصبحوا مضرباً للأمثال , ففي مدينة الرقة عندما يتحلى أحدهم بصفات حسنة يقال عنه" فلان ..رائع كأنه شركسي" .
ومن الذين لمعوا في هذا المضمار المحامي المرحوم محمد عمر بك آنزور , فهو بالإضافة إلى سلوكه الراقي كان شاعراً ومثقفاً , لكنه لم يدفع بقصائده إلى النشر,
إلا أنّ المرحوم الأديب عبد السلام العجيلي حاول أن يشده إلى حلبات الشعر والمبارزة في معارضة لقصيدة طويلة أقتطف منها بعض الأبيات:
ـــ معارضة العجيلي:
في الصدر همُ ُ وفي الأجفان تسهيد        ماذا الذي ترتجي في حبك الغيــــــد
تعرضت لك بعد الشيب فاتنـــــــــة        كأنّ قامتها الهيفاء أملــــــــــــــــود
ترنو لتغويك لا تدري بما فعلـــــت         بك السنون ولا أيامها الســــــــــود
وكيف لروحك صرف الدهر أحنى لها      ولا بعد طول الشـدو تغريــــــــــــد
ياحلوة الثغر أيام الهوى عبــرت            وأضحت ذكرا تلك المواعيـــــــــــد
ــ معارضة محمد آنزور:
أشكو إليك فهل لي منك تأييــــــد           يامن قضيت بأن تفنى العناقيــــــد
هوّن عليّ فجرحي نازفُ ٌ أبــداً              وللهموم تسهيــــد وتجديـــــــــــد
إن قال أرضاكم ماقال شيخكـــم              على قنوط وقلب الشيخ مجهــــود
إني أعارضكم وابن الحسين معا             فيما ارتأى وبعض الرأي تجديـــد
 ــ معارضة الشاعر بسام بليبل:
ياحلوة الثـغر فلتفنى العناقيــــــد              لا الهم همُ ُ ولا التسهيد تسهيــــد
من قال عهد الهوى قد مرّ مرتحلاً            فليس للحب عمــرُ ُ أو مواعيـــــد
فلا تراعي لما قد قيل عن عــــرب            وفي الأحاديث إضمــــار وتجريــد
 هذا , وقد بثت محطة ((bbc هذه المعارضات وقد شارك وتابع المعارضة شعراء آخرون ..وصل عددهم إلى أكثر من عشرين شاعراً.
ومن الأسماء التي برزت من عائلةـ آنزورـ الأستاذ( نجــدة إسماعيل آنــزور)المخرج السينمائي والتلفزيوني المعروف , الذي تألق نجماً في سماء الفن العربية وستدفع به رياح النجاح إلى العالمية بخطىً واثقة تقوده ثقافته الواسعة  وإصراره بالعزف على أوتار الفن بمقامات تنبض بها روحه تارة , وأخرى يتكئُ فيها على سلالم العلم والمعرفة , مشكلاً مفصلاً بين من سبقه في هذا المضمار وبين أجيال ستأتي بعده , وقد حصد العديد من الجوائز لأعمال وعناوين حازت على إعجاب جميع العواصم العربية وغيرها ,والجدير بالذكر أنّ والده الأستاذ اسما عيل آنزور كان أول مخرج سينمائي في سوريا, وبهذا ينطبق عليه المثل الدارج هذا (الشبل من ذاك الأسد) .
 @ ـ الســؤال الأخير :
    ــ سؤال أخير يطرحه الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف :
    ـ (عندما يسألونك من أنت ؟ تستطيع أن تبرز وثيقة , أو جواز سفر يحتوي على المعلومات الأساس...)
   أما إذا سألوا شعباً من أنت, فإنه سيقدم علماءه..كتابه..فنانيه..موسيقييه..رجاله
كوثائق, فماذا صنعنا كشراكسة في الداخل والخارج لسؤال كهذا ؟
 - فاسمحوا لي أيها الأخوة الشراكسة في الرقة وفي كل مكان أن أجيب على سؤال الشاعر الكبير رسول حمزاتوف نيابة عنكم  , لأقول:
 - لقد صنعنا على خارطة التهجير الكثـيـــــــــــــر ..
ـ بكت الشركسيات بصمــت آناء الليـــــــــــــــــل ..
  حتى تفجرت من عيونهن جداول المأســــــــاة   ..
  وفي الصباح زمزمن الجداول , فتحولت أمواهُها إلى نهر
  ليشرب ويتوضأ منه النارتيـــــــــون..
  فصهلت حناجرهم مدويّـة بصوت واحد ..
  ارتجت لصداه جبال القوقاز :
   ـ  نحن أحفاد سوسروقة يارســـــــــــــول ..
      حين عبثت بنا العاصفة , ثناثرنا كالشـرر خارج الأسوار..
      كنشأتنا فوق هامات الجبــــــــال..
      نحــــــن .. النارتيـــــــــون
      حين ولدنا شظايا من رحم الجمـــــر
      وأطفأنا الإله "لبش" في الماء , تحولنا إلى فولاذ..
      هكذا كانت نشأتنــــــــا ..
      فهل من خشية على الفولاذ أينما حلّ أن يتصدع؟!
      زوادة التهجير ..وصايا الأجداد  .. نقش مسماري على صدورنا..
      سنعود يوماً..على صهوات الجياد الشاغدية
      ونلتف حول موقد جدتنا (ستناي)
      لتروي لنا ماغاب عنا من ملاحم ( نارت ) من جديد.
 @ ـ الملاحم الشركسيـــــة:
      لكل أمة من الأمم , ولكل شعب من الشعوب آدابه وملاحمه التي تجسّـد بمجملها الموروث الموغـل في القدم , وتعكس بذلك العادات والتقاليد والمعتقدات ونظرتهم إلى الآلهة والطبيعة والكون والإنسان .
ولعل ما يميز الشعب الشركسي عن غيره من الشعوب(ملاحم نارت) التي تحمل موروث الشعب الشركسي في القوقاز , وقد تناقلتها الأجيال عبر قرون طويلة بشكل أناشيد وأغاني ولازمات (بشنالة )وابتهالات دينية , وقصائد ونصوص نثرية وملاحم شعرية , وهي معروفة عند العديد من شعوب شمال القفقاس الأخرى .
 @ ـ من أساطير الشراكسة :
كان النارتيون يعيشون حياة ملؤها البطولة و الجرأة و الحركة وبينما هم يعيشون هذه الحياة ،أرسل الإله إليهم طائر سنونو صغير رسولاً :
-   أتريدون أن تبقوا قلة طيبة و تعيشون حياة قصيرة و لكن بطوليّة و تخلد مقامكم عبر القرون ؟ أم تفضلون أن تتكاثروا و يزداد عددكم و تعيشوا حياة طويلة للطعام والشراب دون كرامة و عزة نفس ؟
-        أجاب أحدهم :
-        نختار الحياة القصيرة
وليبق صيتنا ذائــــعاً
ودون أن نجانب الحقيقة
لتكن العدالة طريقنا
ولنعش بقلوب حرة
دون أن نعبأ بالصعاب
وهكذا اختار النارتيون أن يبقوا قلة ، و ليعيشوا حياة قصيرة ملؤها الشجاعة و البطولة  و أعادوا طائر السنونو الصغير بهذه الإجابة إلى الإله ..
 @ ـ موت ستناي :
 كان الوقت ربيعاً ، وكانت تدور رحى حرب طاحنة يشارك فيها سوسروقة  ,
و ذات ليلة رأت ستناي في الحلم حمامتين بيضاويتين حطتا على الشجرة التي في دارهم و أخذتا تنتفان ريشهما .
استيقظت ستناي و قالت : "إذا لم يرحمه الإله فإن مصيبة قد حلت بولدي ,   
 و رأت ستناي في الحلم مرة أخرى جروين أغبرين يحفران عتبة الباب .
 أفاقت ستناي وقالت لنفسها " ربما حلّ غضب الله ، علينا لابد أن شراً ما حدث   لولدي الوحيد "
استغرقت ستناي في النوم للمرة الثالثة و رأت حلماً آخر : "كانت أعواد قصب المستنقعات تشاركها الغسيل " .
استيقظت ستناي ونهضت من فراشها : " لقد قضي الأمر ، و حلت بنا مصيبة الإله  .. .
لبست ستناي ملابسها وانطلقت  تبحث في كل الجهات وحين توجهت نحو مشرق الشمس صادفت فخذ سوسروقة الأيسر..
وصاحت :أية شيخوخة تعيسة ستكون شيخوختي ؟, فهذا الفخذ هو فخذ ولدي,وتابعت البحث عن الأعضاء الأخرى , فصادفت الفخذ الأيمن , فحملته بلوعة ووضعته بجانب الفخذ الأيسر, وبعدها تابعت العثور على بقية أعضاء جسده,ورتبتها في أمكنتها الصحيحة ..
وتساءلت كيف سأدفن ولدي دون أن أغسله, وهاأنا قد أضحيت في منأى عن موارد الماء ؟
لكنها راحت تجمع قطرات الندى من الأزهار البرية ومن فوق الأوراق الخضراء في كفها , وهكذا غسلت جسد سوسروقه بالندى ولم يبق سوى وجهه, ولم يعد هناك أية قطرة لأن الشمس قد التهبت ولعقت كل الندى..
احتضنت رأس ولدها وراحت تنوح عليه غاسلة بدموعها وجهه , ففتح سوسروقه عينيه , وفرحت ستناي وقبلت شفتيه , ثم فتح فمه وتنهد , وفي هذه الأثناء انتقلت روح ستناي إلى ولدها وسقطت من فوقه جثة هامدة..
نهض سوسروقه , وعندما وجد أمه جثة هامدة , بكاها من أعماق  قلبه ثم حملها بين ذراعيه وأعادها , وطلب من( لبش) أن يصنع لها مقبرة من الفولاذ الخالص .
 
- هذه قبسات من تاريخ شعب عظيم , مسالم , مقاوم, شجاع , أبيّ, ابتلي على مدى العصور بنبال وبنادق غزاة التاريخ الأشرار الذين يبنون أمجادهــــم   على جماجم الأبرياء ..
 
               *******************
 
 
المصادر  والمراجع:(1)الشاعر ورزاي افليك
(2)موسوعة الشعوب الإسلامية في القفقاس وروسيا وآسيا الوسطىـ ترجمة
طه الولي .
(3) نهاد برزج , تهجير الشراكسة , ترجمة عصام عبد الحق ـنوح المرتوقي
كتاب ـ نور المقابس في تواريخ الجراكس ـ مطبعة قازان 1912
(4) ـ  حقيقة السومريين ـ دراسة ـ د. نائل حنون ـدار الزمان ـ دمشق ـ2007
 
 
  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فوزية جمعة المرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/11/12



كتابة تعليق لموضوع : الشــركــــــــــــــــــــــس ?
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : مروة معد من : سورية ، بعنوان : الجبال البيضاء في 2010/11/15 .

سنعود اليك محملين بعبق الدماء التي انتشت طرباسنعود اليك رافعين كوؤس نخب صباياك رافعين حمامات ورد ترفرف في هبوب الرياح سنعود اليك ايها الوطن المولود في رحم الشقاء والسؤال فالحنين انهش صدورنا والارواح تنوح بكل صمت ايها الوطن الكفن الابيض ننزف حروفا نطرزها بقلوبنا وسفينة تتهادى على نبض احلامنا برسالة تتقاطر بها الدموع واغنية تضج بها افراح العالم وجبال زنابق ورقصة الجسد وسر الخالق الذي انطق بحروفه الانسان0
شكرا لك ايتها الاخت الفاضلة لتطرقك لهذه القومية ولكن احب ان انوه على بعض ما كتبتي وهي فقط ربما اصحاح بعض المعلومات وهو انه الامتناع عن زواج الاقارب من طرف الام او الاب كان هذا الامر قبل الاف السنين الامر انه ليس امتناعا كليا او رفض كلي لا ولكن بحجة ان الرجل القريب من ناحية الا والاب يكون بمثابة اخ او فرد من العائلة والسبب الثاني لكي تتماذج السلالات والتنوع بينها ولكن الامر اختلف كليا في الوقت الحاضر حيث اصبحت هذه القومية تتزواج من الاقارب وغير الاقارب حتى من غير قومية ومن غير بلادهم واصبحوا مندمجين مع كافة الشعوب والامم 0
تحياتي للكاتبة
روعه سطاس



• (2) - كتب : علي الغزي من : العراق الناصريه ، بعنوان : االرد في 2010/11/13 .

جميل جدا ورائع ما تكتبين سيدتي الكريمه




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net