صفحة الكاتب : محمد الحمّار

تونس: حكومة "البارسا" في الدوري العالمي
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حكومة تونسية نسبة الأعضاء الإسلاميين المَهجَريين فيها هامة. طارق ذياب أيقونة الكرة التونسية والعربية يتنازل عن منصبه كمحلل رياضي في قناة الجزيرة، حاملة مشعل قَطر، ليصبح أساسيا في تشكيل "بارسا" الحكومات العربية. وزير الخارجية في الفريق كان باحثا في مركز تابع لنفس القناة. زعيم حزب النهضة، راعي الفريق، صديق حميم لمفتي القناة ومتعاون لصيق معه. كما أنّه ما فتئ يُذَكر أجهزة الإعلام أنّ كتاباته مترجمة للغة التركية ومعتمدة في سياسات أردوغان، صديق قَطر. نظام الحكم الفريد من نوعه في تركيا والمعروف بعلمانيته رغم إسلام المجتمع أضحى يُراد له أن يكون نموذجا مستنسخا في كل بلد عربي. ثنائي التنجيم الميطا-عربي برنارد لويس وبرنار هنري ليفي ما انفكا يتوعدان أكثر من نظام عربي ساقطٍ بالاستبدال بأفضل منه، مشمّرَين على السواعد لتوجيه سفينة الربيع العربي إلى حيث تشتهي رياحهما؛ ربما إلى خريف عاصف أو شتاء قارص . أخبارٌ تصلنا عن تمتع حركة الإخوان المسلمين في مصر بتمويلات قَطرية فلكية (جريدة الشروق ليوم 22-12-2011 ص 25).
هذه العلامات، ومثلها كثير ممّا لم نذكر، تجتمع حول مواصفات العولمة الثقافية، آخر مراحل العولمة وأخطرها بعد الاقتصاد والسلوك الاستهلاكي والنمطية بمختلف أبعادها. وإن تؤشر على شيء فتؤشر على تنميط التفكير وعلى الأخص السلوك السياسي لدى الإنسانية قاطبة.
كما أن هذه العلامات ومثيلاتها تعتمد النمذجة السلوكية، في المجتمع وفي السياسة، باسم الإسلام. ونتيجة ذلك أن تمّ حبس الإسلام، معاذ الله، في بوتقة ليس متعودا بها: في وضعٍ تابعٍ للاقتصاد الكوني وللتفكير الكوني المعلمَنَين. من هذا المنطلق نشاهد اليوم أنّ الثقافات المنتمية إلى الإسلام، على غرار تونس، صارت تشكك في هويتها الفاعلة، المعتمِدة تاريخيا الإسلامَ كمحرك لها، حتى باتت على شفا حفرة من التنازل عن هذه الهوية الأصلية لكي ترى نفسها مرغمة على تبني هوية هاوية وواهية باسم العولمة.
بينما الثورة العربية جاءت في وقت يقدم فيه العالم بأسره نفسه على أنه في أمسّ الحاجة  إلى تغيير جذري في الكثير من أنساقه لكي يتخلص من عولمةٍ أثبتت إفلاسها على أكثر من صعيد واحد. والتحرر من العولمة يعني استبدال روافدها الجبارة مثل اقتصاد السوق والخوصصة بآليات تخدم الإنسان بطريقة أكثر إنسانية. كما أنّ التحرر من العولمة يعني الوقاية من مخلفاتٍ مثل ذوبان الهوية الفردية في الهوية العامة وتفتت الهوية الخصوصية والنسبية على حساب تغَول الهوية الكلية.
إنّ ما حدث في تونس وفي المجتمع العربي عموما منذ بدء الربيع العربي ليس نتيجة تباين بين الإسلام والثورة كما يحلو للكثير تأصيله في الوعي العربي. وليس هو أيضا صراعا بين الإسلام والعروبة. وإنما هو تباين بين ظروف أريدَ للإسلام العربي أن يُزجّ فيها (شروط العولمة بريادة رأس المال وهيمنة أصحابه) وبين شروط تتمتع بأكثر مشروعية وبأكثر اقتراب من الواقع: شروط استدامة الثورة العربية.
يمكن التخلص للقول إن أزمة التشكل الحكومي في تونس، وما سبقها من تجاذبات وإرهاصات، وما سيتبعها من هزات مرتقبة، إنما هي الوجه الظاهر لأزمة كامنة: تعثر الثورة التونسية، والعربية عموما، أمام مضادات من الحجم الثقيل أهمها غياب الوعي بأن الإسلام لن يرضَى بأقل من دور الريادة في إنتاج الحداثة. وهو دوره الطبيعي في مساندة المد الثوري للإنسان أينما كان شريطة أن يتم ذلك عبر قنوات يعترف بها  الإسلام دون سواها: الفكر والثقافة.
في ضوء هذا، الأجدى ألاّ ترتبط التخوفات حول تركيبة هذه الحكومة التعددية الأولى في تاريخ البلاد، وحول سياستها المرتقبة، وحول النظام المجتمعي الذي ستدافع عنه، بكونها موغلة في الإسلام. بالعكس، إن تُرعبُ هذه الحكومة فتُرعب لأنها قد تعيد، من حيث لا تشعر، إنتاج العولمة بكل جوانبها، وبالتالي قد تعرقل بذلك مسار التحرر لدى الإسلام الشعبي وتعوق إمكانياته الضخمة في التعبير عن الحداثة.
 إلاّ أنّ اجتناب الخطيئة ممكن، شريطة أن تتظافر جهود الجميع، وبكل جرأة وبلا توجس من منهاج الإسلام الصحيح، المنهاج التلقائي الشعبي، لتوجيه الحكومة نحو تحقيق أهداف الثورة كاملة، ونحو تصحيح مسار الربيع العربي. وفي نفس الوقت يستردّ هكذا الإسلام عالميته وتُقطعُ السبل أمام "العولميّة" التي يحشره فيها الحاشرون.
محمد الحمّار
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/28



كتابة تعليق لموضوع : تونس: حكومة "البارسا" في الدوري العالمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net