صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

التنافس المشروع!...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لو قدر للحياة ان تقوم على مرتكز سليم فلابد من ان تستقيم على اساس التنافس من اجل البقاء، وهذا التنافس يستلزم امرين هما: حرية الافراد، والاخر النظم الاجتماعي الذي يحول دون وقوع الفوضى والاضطراب، والمثال الملموس لهذا التنافس السباقات الرياضية والدراسية، اذ من المُسلم به ان الجائزة الافضل والدرجة العليا انما تكون من نصيب الذي انهى السباق والامتحان بسلامه، فالفائز لا يحدد في البداية بل النجاح يتحقق في ظل الكفاءة والمران والاجتهاد فحسب. المصدر: الفكر الاجتماعي عند الشهيد مطهري، ص158.
يؤمن العلامة الشهيد بالتنافس من اجل البقاء ويعتبر ضرورة في طبيعة الحياة، على العكس من بعض النظريات التي تؤمن بالصراع من اجل البقاء لأحراز الاعمال وتقاسم الانشطة.
وعليه فان التنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء النفيس الجيد في نوعه، ونافست في الشيء منافسة ونفاساً إذا رغبت فيه، ونفس بالضم نفاسة أي صار مرغوباً فيه، ونفست به بالكسر أي بخلت، ونفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلا، والمشهور من الدواب التي اشتهرت بالنفاسة والحسن.
للتنافس والاستباق إلى الخيرات، والمسارعة إلى الجنة، دور حاسمٌ وأساسي في دفع المجتمع إلى الامام وفي المحافظة على خطه العام. ويضع الإسلام، باعتباره الرسالة التي اُنزلت بعلم الله عزوجل المحيط بكل شيء، يضع مناهجه الحياتية على أساسين: الشعور الذاتي الفطري. والأنظمة الإجتماعية.
وتتوافق الأنظمة الاجتماعية في الإسلام مع ذلك الشعور النابع من أعماق الفطرة البشرية. فالإسلام، من جهة، يبعث فيك الاحساس بالتنافس والشعور بالاستباق، وبالتالي يريدك أن تنظر إلى الآخرين وتتخذ من عملهم مقياساً لحجم عملك، ومن جهة ثانية يدفعك إلى ذات القيم التي تدفعك إليها فطرتك وقلبك وعقلك.
وهكذا فإن النصوص التي تؤكّد على ضرورة العمل، ليست بعيدة عن تلك التي تؤكد على التنافس والمسارعة إلى الخيرات، فالنصوص التي تدعونا إلى التنافس، من أجل أن يكون أحدنا أقرب إلى الله من الآخرين، إنّما تبلور فينا تلك الفطرة القائمة فعلاً.
والشعور بالتنافس جزء من النزعة الإجتماعية في المجتمع، وهي تشبه الروح في الإنسان، والإسلام حين ينمّي هذه النزعة ويطهّرها، فإنّما يضرب على الوتر الحساس.
ففي المجتمع الإسلامي يدعوك إحساسك الداخلي إلى الايمان، والى الإجتهاد من أجل الله، والى النقاء، والى التقوى. بينما تجد المجتمع الجاهلي يدفع الشخص إلى التنافس على المال، وعلى الجاه، وعلى السلطة، وعلى القيم الفاسدة فيعيش آنئذ الانفصام، وكلما تناول عقاقير مهدئة، ولجأ إلى معاقرة الخمرة، والى القمار، والعياذ بالله، فإنه لا يجد الراحة، لأنّ الإنسان الذي تتجاذبه قوتان في اتجاهين متضادين، لا يقدر أن يحصل على الراحة والسكينة.
ان المجتمع الجاهلي مجتمع يعيش التنافس على القيم الزائفة في الخارج، وبينما يعيش الاندفاع نحو الدين في الداخل كبشر مفطور على حب الله، لذلك لا يكون مجتمعاً هادئاً فاضلاً، أما المجتمع الإسلامي فان ذلك التنافس الخارجي سيتمحور هو الآخر حول ذلك الاحساس الداخلي، وبالتالي يعمق الحياة في هذا المجتمع، لأنّ ذلك الاحساس الروحي الداخلي هو الذي يجمعنا مع بعضنا ويفجر فينا ينبوع الحياة ويجعلنا أمة واحدة. المصدر: كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟، ص9.
فالحياة ميدان سباق يتفوق فيه رواد التطوير والتجديد، فالمجتمع الأكثر تجديداً، والأسرع تطوراً، يحرز التقدم ويفرض نفوذه وهيمنته، بينما المجتمع الراكد البطيء الحركة تتأسن أوضاعه، ويصيبه الهرم، ويصبح متخلفاً، يخضع لهيمنة المتقدمين.
وخاصة في هذا العصر، حيث انعدمت المسافات، وسقطت الحدود والحواجز، ولم يعد هناك مجال للتوقف والجمود، فإما أن تكون منتجاً لحركة التطوير والتجديد، أو متهيئاً لاستقبالها واستيعابها بدرجة ثانية، حتى لا تصطدم مع ثوابتك ومبادئك، وإلا فستعصف بك حركتها الجارفة، دون خيار منك، لتصبح تابعاً مستهلكاً لما ينتجه الآخرون، من سلع وأفكار وبرامج وسلوكيات. المصدر: أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع، ص145.
إنّ اختلاف الناس في القدرات العقليّة واختلافهم في الخلق والممتلكات سنّة من سنن الوجود ومظهر من مظاهر الكون وآية من آيات الله تعالى، وقد قال عزّوجل: ﴿وَمِن آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ واختِلافُ ألْسِنَتِكُم وَألوَانِكُم إنّ في ذلك لآيَاتٌ للعَالِمين﴾.
ويكون هذا الاختلاف في الأمور التي أجاز الباري فيها الاختلاف عاملاً من عوامل النموّ والتطوّر في حياة الإنسان، لأنّ تعدّد الآراء وتعدّد الاختصاص يذكّي الحركة العلميّة ويدفعها إلى الأمام ويعبّد لها طريق التكامل ويرفع مستوى المعرفة ويؤدّي إلى النضج الفكري وتكوين العقليّة الواعية نتيجة التقاء خيرة العقول وانتفاع كلٌ من أطراف الاختلاف من خبرات الآخر، فيؤدّي ذلك إلى بناء حضارة توفّر للإنسان الأرضية المناسبة لازدهار طاقاته الكامنة وارتقائه في جميع الأصعدة.
وبذلك يندفع أبناء المجتمع إلى الخروج من السبات والخمول والعزلة إلى ميادين التنافس من أجل رفع مستوى تماسك المجتمع وتحصين وجوده. المصدر: التحوّل المذهبي، ص305.
كما قال:﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾، والمعنى أولئك الذين وصفناهم هم يسارعون في الخيرات من الأعمال وهم سابقون إليها أي يتسابقون فيها لأن ذلك لازم كون كل منهم مريداً للسبق إليها.
فقد بين أن الخيرات هي الأعمال الصالحة المبتنية على الاعتقاد الحق الذي عند هؤلاء المؤمنين وهم يسارعون فيها وليست الخيرات ما عند أولئك الكفار وهم يعدونها بحسبانهم مسارعة من الله سبحانه لهم في الخيرات.
قال في التفسير الكبير:﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾، وجهان: أحدهما: أن المراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها لئلا تفوت عن وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام. والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الإكرام كما قال: ﴿فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ﴾، ﴿وَآَتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، لأنهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها وهذا الوجه أحسن طباقا للآية المتقدمة لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين.
في هذا الوجه أن مسارعتهم في الخيرات مسارعة من الله سبحانه بوجه فيبقى عليه أن يبين الوجه في وضع مسارعتهم في الآية موضع مسارعته تعالى وتبديلها منها، ووجهه بعضهم بأن تغيير الأسلوب للإيماء إلى كمال استحقاقهم لنيل الخيرات بمحاسن أعمالهم، وهو كما ترى.
والظاهر أن هذا التبديل إنما هو في قوله: ﴿نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ والمراد بيان أنهم يحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين خيرات يتسارعون إليها لكرامتهم وهم كافرون لكن لما كان ذلك بإعطاء من الله تعالى لا بقدرتهم عليها من أنفسهم نسبت المسارعة إليه تعالى ثم نفيت بالاستفهام الإنكاري، وأثبت ما يقابله على الأصل للمؤمنين. المصدر: تفسير الميزان.
وذلك لان الحياة ميدان صراع وجهاد في سبيل تحقيق الاهداف والتطلعات المرغوبة ودفع او اتقاء الاضرار المرهوبة، كما قال ذلك الشاعر: قف دون رأيك في الحياة مجاهداً .. إن الحياة عقيدة وجهاد
وأساساً فان الحياة الدنيا ميدان لتفجير طاقات الإنسان، وتفعيل كفاءاته، والتقدم والفوز هو للأكثر كفاءة، والأحسن عملا وإنتاجاً ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
ويقول حسن الصفار: الإنسان هو أساس التنمية، ومحور النهوض والتغيير، فلا تحدث تنمية حقيقية إلا من خلال إنسان فاعل، ولا يتحقق تقدم إلا عبر مجتمع ناهض، وأوطاننا ومجتمعاتنا لن تتجاوز تخلفها إلا إذا قرر أبناؤها استخدام قدراتهم وطاقاتهم في العمل والبناء، وهل ينقص إنساننا شيء؟. فان إرادة العمل إذا ما تفجرت وأشرقت في نفس الإنسان، انعكست أشعتها وآثارها على مختلف جوانب حياته، فبها يتفتق ذهنه عن الخطط والمشاريع، وينتج عقله الآراء والأفكار، وتنشط حواسه وأعضاؤه للحركة والأداء.
والعمل هو مضمار التنافس بين بني البشر، لتحديد مكانتهم في الدنيا والآخرة، فالقرب من الله تعالى، والفوز بجنته، ونيل رضاه، لا يتحقق إلا بالعمل الصالح، والتقدم في الدنيا، وإحراز المكاسب أيضاً لا يتأتى إلاّ عن طريق العمل.
حينما يعمل الإنسان ويتحرك، يبدو له وكأنه صرف من جهده وطاقته، واستهلك من قوته وراحته، وفي الحقيقة فإنه في ذات الوقت الذي أعطى فيه يكون قد أخذ أكثر مما أعطى. ذلك أن العمل والحركة مصدر قوة للنفس والجسم. المصدر: حسن الصفار، العمل والفاعلية طريق التقدم، ص19.
قوله تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾: التنافس التغالب على هدفٍ معيّنٍ، كلّ واحدٍ منهم يحبّ أن يكون أسرع من صاحبه في الوصول إليه. وفي الآية أمرٌ بالتنافس على هذا الهدف بلام الأمر الداخلة على المضارع. والمتنافسون فاعلوا التنافس، والمراد: فليتنافس الخلق أو الناس أو المؤمنون على ذلك. وإنَّما عبّر بالمتنافسين لأحد وجوهٍ:
الأوّل: الإشارة إلى ذات المتنافسين لا من حيث هم متنافسون‏.
الثاني: أنَّ الأفراد غالباً ما يكونون متنافسين، إمّا على الدنيا أو على الآخرة أو على أيّ هدفٍ. فيُقال لهم هنا: إنَّ هذا الهدف هو الذي يستحقّ التنافس عليه دون الأهداف الأخرى.
الثالث: أنَّ المراد النظر إلى الناس بعد إطاعة هذا الأمر وصيرورتهم متنافسين.
الرابع: أنَّ المؤمنين متنافسون على طاعة الله بدون هدفٍ محدّدٍ ومنطقي أمامهم، ولكن بعد أن بيّنت الآيات هذا الهدف، قالت: إنَّ التنافس الحقيقي ينبغي أن يكون على هذا الهدف بعينه، وعندها أصبح الهدف واضحاً. المصدر: منة المنان، ج‏4، ص271.
اذن ينبغي ان يتخذ المجتمع طابع مضمار التنافس في كافة الشؤون والاصعدة، ويمنح الجميع حق الاشتراك في هذا السباق ويُنظم المجتمع وتسير الامور فيه بحيث تمنح المكافآت والمواقع الاجتماعية لمن ابدوا حسن كفاءتهم واستحقاقهم اثناء السباقات الاجتماعية.
فالنزول الى الساحة هو الذي يؤدي الى التفاوت في القابليات عند الجميع، ونظراً للتباين في مقدار النشاط والجهود يبرز الاختلاف والتفاوت فواحد يتقدم والاخر يتخلف، وبالتالي فان مقتضى العدالة يكمن في تبعية الفوارق في المجتمع شئنا ام ابينا للقابليات والكفاءات. فلابد ان يجري السباق في المجالات النافعة للبشر، كالعلم والفضيلة والتقوى والصدق، العقل والفهم، والجد والعمل والانتاج والخدم. المصدر: الفكر الاجتماعي عند الشهيد مطهري، ص169.
ومن هنا إن التنافس او التسابق أمر طبيعي بين الناس، ولكن الشيء المهم عند الإسلام هو أن يكون هذا التسابق في تجاه الخير ومرضاة الله سبحانه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/28



كتابة تعليق لموضوع : التنافس المشروع!...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net