صفحة الكاتب : نعيم ياسين

مع الحسين ( ع) في ثورته
نعيم ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في ظلال الذكرى , ذكرى ثورة الحسين ( ع) الخالدة , ومن وحي الدم الطهور الذي احيى ضمائر ماتت او كادت تموت , وقوّم مسيرة اعوجت , وزلزل عروشا استبدت , من كل ذلك واكثر نكتب هذه السطور . 
     ليست ثورة الحسين(ع) وليدة ايامها وساعاتها بل تمتد في خلفيتها واسبابها الى تلك المواجهة بين الاسلام والجاهلية  التي اسلمت اواخرها يوم الفتح . لقد عمل النبي (ص) بكل جهده على القضاء على تلك الجاهلية ورواسبها في النفوس فلم يكتب له النجاح التام الناجز , فظلت بعض المؤلفة قلوبهم , وبعض الطامحين الى السلطان وبعض الموتورين بانتصار الاسلام على الشرك وغير تلك القوى , ظلت كالنار في الهشيم , وما ان توفي النبي الاعظم (ص) حتى اطلت تلك القوى بقرنها , كل قوة تسعى الى هدفها وغايتها وكان شعار المؤمنين الصادقين في تلك المرحلة الصعبة : امة بلا خليفة منصوص عليه يقودها خير من امة بلا اسلام . 
    وتطور الصراع بين خط الاسلام المحمدي الاصيل وخط الاسلام الوصولي الزائف فكان يشتد حينا فتسيل الدماء انهارا كما في حركة الناكثين والقاسطين والمارقين ايام خلافة علي (ع) ، ويخف حينا اخر كما في عهد الامام الحسن (ع) وما كان بين الامام ومعاوية من هدنة عرفت بالصلح . لقد كان الصلح او الهدنة احد اسباب الثورة الحسينية الخالدة لان ما انجزه الامام الحسن (ع) ليس صلحا وانما  وانما هدنة لاسباب اهمها : 
    1 – ان الامام تخلى عن التصدي المسلح لانحراف السلطة مؤقتا لظروف موضوعية احاطت بالامام وبقواته العسكرية . 
    2 – ان الامام (ع) لم يعترف بشرعية الحاكم الاموي وهذا مانصت عليه بنود الهدنة ( الصلح ) بعودة الحكم بعد هلاك معاوية الى الامام الحسن ، فان توفي فالى الامام الحسين(ع) وليس لمعاوية ان يجعل الحكم في أي رجل اخر . 
   3 - نصت الهدنة على ولاية الامام الحسن(ع) على مال الكوفة ، وهذا من شانه ان يعطي الامام استقلالية وقوة ان اراد الاعداد لحركة عسكرية . 
   4 – نصت شروط الهدنة ان لايلقب الامام الحسن (ع) معاوية بامير المؤمنين وهذا وحده يكفي لاسقاط لخلافته .  
        ان الهدنة التي عرفت بالصلح كانت احد الاسباب التي شكلت خلفية لثورة الامام الحسين (ع) ومهدت لها ، لان تنصل معاوية عما فيها من شروط وبنود كشف عن طبيعة الحكم القائم وانه لاتلزمه عهود ولامواثيق حتى انه وبسبب شروط الامام الحسن (ع) اضطر معاوية الى الكشف عن حقيقته ردا على تساؤلات الامة اذ خطب في الكوفة فقال في بعض خطبته " يا اهل الكوفة , ما قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون , ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم ... الا ان كل دم اصيب في هذه مطلوب وكل شرط شرطته فتحت قدمي " . 
     قلنا ان خلفية الثورة الحسينية كانت تراكم الانحراف وشدة المواجهة بين الاسلام المحمدي الاصيل واسلام سلطوي مصطنع اتخذ كل وسيلة لتركيع الامة وانتهج كل سياسة للبقاء , فاحصى الباحثون من السياسة الاموية التي تعرضت لها الامة منذ خلافة امير المؤمنين حتى الثورة الحسينية ما ياتي (1) : 
1 – الارهاب والتجويع : 
وكانت هذه السياسة ضد مخالفي النظام ومعارضيه وكل من لايرى شرعية للحكم الاموي , فتحدث التاريخ مثلا ان سفيان بن عوف الغامدي وهو احد قادة جيوش معاوية دعاه معاوية وقال له : اني باعثك بجيش كثيف فأمض حتى تغير على الانبار , ان هذه الغارات ياسفيان على اهل العراق ترعب قلوبهم فاقتل كل من لقيته ممن هوليس على رايك , واخرب كل ما مررت به من القرى " . واستدعى معاوية بسر بن ارطأة وامره بالتوجه الى الحجاز واليمن وقال له : سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس وأخف من مررت به وانهب اموال كل من اصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا " , فاحصى المؤرخون ثلاثين الف قتيل من اهل مكة والمدينة عدا من اُحرق بالنار . 
      هذا وجه من وجوه السياسة الاموية ووجه اخر تمثل في شراء الذمم وافساد الضمائر بالاموال والقطائع استأثر بها زعماء القبائل وذوو النفوذ فيما كان عامة الناس يرزحون تحت الفقر والعوز والفاقة , فقد اعطى معاوية مصر باموالها وسكانها هبة وملكا خالصا لعمرو بن العاص يتصرف بها كيف شاء فيما صادر اموال شيعة علي (ع) في الكوفة وهدم دورهم . 
2 – احياء النزعة القبلية واستغلالها : 
من المعروف ان الاسلام حارب التعصب للقبيلة والتعصب للعرق واعتبر جميع الناس سواء في الانسانية ، فكان هذا المبدأ اساسا للكثير من تشريعاته وعنوانا لمبادئه وبهذه الروح وتلك المباديٍٍ استطاع الاسلام ان يمد سلطانه في كثير من الشعوب . ان جهاد النبي الاعظم (ص) وجهوده من اجل كرامة الانسان واشاعة روح التسامح تعرضت الى عملية هدم ممنهجة اتبعتها السلطة الاموية ، ومن ذلك ما اثاره معاوية بالقول والفعل من عصبية القبائل والاغراء بينها لاضعاف وحدة المجتمع المسلم ، فقد ارسل معاوية الى البصرة من يشعل نار الفتنة بين قبائلها باثارة الفتنة باستعادة ذكريات حرب الجمل حيث كانت البصرة مسرحا لتلك الحرب ، كما حاول الوقيعة بين قبيلتي كندة وربيعة ، وعمل جاهدا على اعادة العداء والخصومة بين الاوس والخزرج واتخذ من الهجاء وهو احد الاغراض الشعرية وسيلة الى ذلك بعد ان كسدت سوقه في صدر الاسلام ، هكذا تنافرت القبائل العربية نتيجة لسياسة الحاكم الاموي فاشتغلت بالصغائر وبالاحقاد القديمة والجديدة بعيدا عن خصمها الحقيقي وهو الحكم الفاسد . 
       وكان من نتائج سياسة احياء النزعة القبلية ان سعت القبائل الى اختراع الاحاديث في فضلها وشرفها ونسبت ذلك الى النبي (ص) فنقرأ اليوم في موسوعات الحديث احاديث في فضل قريش واخرى في فضل الانصار وثالثة في فضل اسلم وهمدان وخزاعة وغيرها من القبائل العربية .
 
3 – التخدير باسم الدين : 
الدين في ابسط تعاريفه ومعانيه انه عقيدة تتشرب بها مشاعر الانسان فيطمأن اليها قلبه وعقله فتترك اثرها على سلوكه ، والاسلام كدين كان سمة المجتمع في الجزيرة والعراق وبلاد الشام ومصر لذا استخدم الحاكم الاموي الدين وسيلة الى السلطة وتثبيت اركانها كما استخدمه سلاحا على معارضيه ، ومع ان اكثر الناس تعرف ان الاسرة الاموية لم تدخل الاسلام الا عند فتح مكة وان دخولها لم يكن عن ايمان واعتقاد , اذ كان ابو سفيان من المؤلفة قلوبهم ، نقول انه مع معرفة الناس هذا الا انها لم تكن تجاهر به . 
      استخدم معاوية الدين عبر توظيف اشخاص كانت لهم صحبة مع النبي (ص) لوضع احاديث في فضله وفضل اسلافه واحاديث في ان سلطة بني امية تقوم على شرعية دينية مستمدة من الكتاب والسنة ، ومما وضع من الحديث قولهم " ان الله ائتمن على وحيه جبرئيل وانا ومعاوية "  و " من راى من اميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فان من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " . وكان في المساجد قصاصون وخطباء مداحون مهمتهم بعد الصلاة الدعاء للخليفة واهل بيته وحاشيته بالبقاء ودوام الملك والدعاء على خصومه ومن لايرى رايه بالهلاك والنار .   
        والى جانب وضع الحديث واختلاق الروايات لمدح السلطة وتبرير جورها وفسادها اخترعت نظرية الجبر وشاعت كمعتقد وفلسفة للنظام الحاكم اذ تفيد هذه النظرية وحسب المروجين لها ان الانسان مجبر على افعاله وكل مايجري في المجتمع هو من عند الله تعالى سواء استهتر الحاكم بمقدرات الامة او عدل ، وبالتالي فان طاعة هذا الحاكم تسليم لامر الله تعالى وارادته ويعد الخروج عليه معصية وكبيرة لانه خروج على امور مقدرة من الله تعالى . 
       هذه هي ملامح السياسة المتبعة في الامة والتي عاصرها الامام الحسن والامام الحسين (ع) منذ استشهاد امير المؤمنين وحتى انطلاقة الثورة الحسينية بصفحتها العسكرية واستتشهاد قائدها سبط النبي الاعظم (ص) في كربلاء عام 61 من الهجرة من اجل انقاذ الاسلام من الضياع وانقاذ الامة من الردة الى جاهليتها الاولى . 
-----------------------------------------------------------------------                                                                             
(1) محمد مهدي شمس الدين , ثورة الامام الحسين (ع) .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نعيم ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/29



كتابة تعليق لموضوع : مع الحسين ( ع) في ثورته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net