استهداف دولفين رميا بالرصاص في البصرة
محمد رضا عباس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد رضا عباس

من غير المعقول ان تكون مدينة مثل حجم البصرة غارقة بالسلاح , الى درجة ان " دولفين " يزور شط العرب فيستقبل بالرصاص الحي في تسابق لقتله . ومن غير المعقول ان حيوان جميل مسالم مثل حيوان الدولفين تتوجه اليه جميع أنواع الأسلحة لقتله وهو يلعب , مثل طفل يلعب في ساحة قريبة من داره . واذا كانت لعبة قدم بين العراق والسعودية قد جلبت الاف المتفرجين , فان رعاية حيوان الدولفين في شط العرب سوف يجلب الاف الزائرين ليس لفترة ساعتين او ثلاث فقط وانما على الأقل لفترة ثلاث اشهر. العالم , كل العالم مفتون بجمال ,رقة , اناقة , و ذكاء هذا الحيوان الراقي والذي يقدم اجمل العروض الترفيهية في حدائق الحيوانات المائية. لقد أصبحت لا فائدة من حديقة حيوانات مائية بدون حضور هذا الحيوان الجميل والذي يجلب البهجة والضحكة و السرور في وجوه الزائرين . هناك بلاجات بحرية يحج اليها مئات الألاف من الزائرين في موسم الصيف والخريف من اجل مشاهدة هذه الحيوانات الانيقة وهن يقفزن على سطح الماء في الولايات المتحدة الامريكية. بالحقيقة أصبحت هناك مدن تعتاش على حضور هذ الحيوان , حيث يستفاد منها أصحاب الفنادق, المطاعم, البارات الليلية , التاكسي, محلات الهدايا, محطات البنزين , واعمال كثيرة مرتبطة بهذه المناسبة.
ان ظاهرة قتل الحيوانات البرية في العراق أصبحت ظاهرة تجلب الاشمئزاز والتنديد . ففي الوقت الذي يتباها العالم بطرق حماية ورعاية الحيوانات البرية , فان العراقيون اصبحوا يتباهون بقتلها . والأكثر غصة , ان القتل يتم تحت انظار الحكومة . ما الفرق بين انسان يقتل حيوان الدولفين المسالم الجميل , وعنصر من داعش يحرق انسان بعد قتله ؟ باعتقادي لا فرق بين الاثنين . يجب معاقبة الانسان الذي يتعدى على الحيوانات البرية بدون ذنب مثل ذلك الانسان الذي يتعدى على انسان اخر بدون ذنب. الحيوان البري خلق ليس لأذية الانسان وانما خلقه الله على الأرض من اجل التوازن على الأرض . كثرة الافاعي في حقول الرز يقضي على تكاثر الجرذان , وكثرة الضباع في الاهوار يقضي على تكاثر الخنازير البرية لان كثرتها تسبب بتلف المزروعات و تعرض حياة الانسان الى الخطر. وجود الأسود والنمور و الضباع في براري افريقيا هي السبب في عدم انتشار الأوبئة بين الحيوانات . هل تعلم ان البراري تختفي منها الامراض لان الحيوان المريض يؤكل قبل نقل مرضه الى الاخرين.
اليس من المعيب ان يقتل ضبع اقترب من مدرسة في محافظة الديوانية ليس بطلقة واحدة او اطلاقتين وانما 26 طلقة. اليس بمقدور شرطة المحافظة تخدير الحيوان واخذه الى احد حدائق الحيوان او اطلاق سراحه بعيدا عن مراكز المدن؟ اليس من المعيب ان يباع طائر الفلامنكو من اجل اكلة " الثريد" في شوارع البصرة وكربلاء والناصرية ؟ اقسم لو كنت رئيس مجلس الوزراء , لما أعطيت دينار واحد من الميزانية الى هذه المحافظات ولديهم هذه الخيرات ولكنهم لا يعرفون استغلالها. الغريب , ان اغلب مسؤولي المحافظات عاش خارج العراق لفترات زمنية طويلة قبل التغيير, وتوفرت فرص السفر للبعض الاخر خارج العراق بعد التغيير , ولكنهم ما زالوا لا يفكرون بشان إدارة محافظاتهم . انهم يفكرون بأناقتهم وكيفية تحضير الاعتذارات لفشلهم في ادارتهم . واذا سائلهم أحدا عن سبب تراكم الاوساخ في مدنهم يكون الجواب حاضرا " ليس لدينا المال", " الحكومة قطعت عنا التخصيصات", و"التقشف". ولكن ظاهرة التقشف هي ليست ظاهرة عراقية وانما ظاهرة تعاني منها ايران وتركيا, أمريكا وبريطانيا, روسيا والصين . لا يوجد مال مكدس في الخزائن ينتظر السائلين عنه , وانما هناك موظفين و سياسيين حكماء يعرفون كيف يوفرون المال من اجل اعمار مدنهم وتوفير الخدمات لا بناءها.
رجوعا الى ظاهرة وفرة السلاح في البصرة و مخاطره على الحجر والبشر . ان هذه الوفرة هي السبب في كثرة النزاعات العشائرية , ظهور الجريمة المنظمة , وكثرة خرق القوانين في هذه المدينة . السلاح لا يقتل , وانما البشر هو الذي يقتل . حمل السلاح القاتل من قبل مواطن يكون عرضة الى استخدامه اكثر احتمالية من مواطن لا يحمل السلاح . هذه ما توصلت اليه الاف الدراسات الاكاديمية العالمية وملخصها هو توفر السلاح يؤدي الى كثرة القتل وهذا ما نجده في الولايات المتحدة الامريكية حيث بين الفترة والأخرى نسمع ونقرأ ان احد المجانيين يقتل مجموعة من الطلاب او المارة او في النوادي الليلية .
على اهل البصرة وزعمائها ان يفهموا ويعرفوا ان مدينتهم قد تخلفت لفترة اكثر من 80 عاما عن التقدم الاقتصادي والحضاري . كل المناطق النفطية في العالم احسن من مدينة البصرة . عبادان في ايران, المنطقة الشرقية في السعودية, قطر, الامارات, المناطق النفطية في روسيا, وتكساس في الولايات المتحدة الامريكية أصبحت تتمتع بخيرات نفطها , الا البصرة , ما زالت البقرة الحلوب التي تغذي الاخرين وهي جائعة. ولكن البصرة سوف تبقى على تخلفها اذا بقى الحال بدون تغيير . هل يوجد عاقل في هذه الدنيا ان يستثمر 10 ملايين دولار في مشروع اقتصادي ويعلم ان السلاح القاتل اصبح لعبة بيد الأطفال؟ هل من المعقول ان تقوم شركة عالمية عملاقة باستثمار مليار دولار في مشروع بتروكيماوي وهي تعرف ان عمالها و معداتها هدفا للقتل و الحرق , وان موظفيها هدفا للخطف من اجل المال؟ الاستثمار سلعة مرغوب بها حول العالم وان المستثمر هو الذي يقرر المكان المناسب له وليس الدولة المضيفة له . الاستثمار العالمي لديه شروط معروفة حتى يستثمر ماله وعلى راس هذه الشروط هي الامن والأمان لموظفيه وعماله.
البصرة تحتاج الى مشروع يقضي على افة انتشار السلاح قبل البدء بالتحرك لجذب المستثمرين. لان بدون مشروع يقضي على افة توفر السلاح سوف يقضي على حلم مئات الالاف من الشباب في عمل يليق بهم . البصرة سوف تنتهي بمشاريع نفطية اختصاصية هدفها انتاج النفط وتسويقه . أي لا امل لمشاريع عملاقة توفر فرص العمل لمواطنيها . تذكر ان مشاريع النفط الاستخراجية لا تستخدم كثيرا من الايدي العاملة لأنها تعتمد اعتمادا كليا على تكنلوجية متقدمة ومختصة لا تنفع في مشاريع أخرى. النتيجة , انتشار السلاح في البصرة سيجعلها محافظة مخيفة مرعبة , وسوف تبقى مدينة تبيع نفطها من اجل اشباع بطون غيرها .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat