سيرة الشهيد ابو موسى العامري
جعفر زنكنة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جعفر زنكنة

عَلى مر التاريخ هناك رجالٌ تركوا مواقف بطولية وسطّروا ملاحم خَلدُوا من خلالها، فكانوا رموزاً للتضحية والفداء، رجالٌ تخرّجوا في مدرسة الحسين × بعد أن نهلوا منها الشجاعة والصبر، ومن هؤلاء الرجال أصحاب المواقف العاشورائية الشهيد القائد (أبو موسى العامري) الذي ولد في أحد أزقة بغداد وتحديداً الكرخ، ذلك الإنسان الذي اتصف بالبساطة والتواضع وحبه للناس بمختلف قومياتهم ومذاهبهم.
كان مجاهداً من الطراز الأول، قاتل المحتل الأمريكي بعد دخوله العراق فشارك في الانتفاضة الأولى والثانية والثالثة ضده، ولخبرته وحنكته تسنم مسؤولية قيادة المجاميع الخاصة في مناطق الكرخ آنذاك، فقام مع إخوانه المجاهدين بتنفيذ الكثير من العمليات التي أذاقوا من خلالها الموت والدمار للمحتل، وكان بنفسه يقوم بزرع العبوات وتسليكها.
شارك في عمليات أسر الجنود والضباط من جيش الاحتلال، وفي إحدى هذه العمليات تم إطلاقهم مقابل فك أسر بعض المجاهدين في السجون الأمريكية. استمر في مسيرة الجهاد ضد الاحتلال وأذنابه من القاعدة والتكفيريين إلى أن تم اعتقاله والزج به في سجن بوكا فبقي سجيناً لمدة سنتين، وبعد خروجه التحق مباشرة مع المقاومة الإسلامية وظل يُمارس دوره الجهادي سواء العسكري أم الثقافي والاجتماعي إلى أن اقترب الخطر من مرقد السيدة زينب ÷، فهب مع إخوانه المجاهدين المُلبين لنداء العقيدة حيث خاضوا هناك أشرس المعارك تحت شعار (لن تسبى زينب مرتين) فسطروا أروع الملاحم التي ستخلدها أرض الشام.
عاد أبو موسى إلى العراق بعد تأمين مرقد السيدة زينب ÷ ومحيطه وظهور التنظيم الإرهابي داعش في مناطق الموصل وبروز دور الخلايا النائمة التابعة لتلك الجماعات التكفيرية في مناطق حزام بغداد، فتصدى لهم أبو موسى مع إخوانه المجاهدين عن طريق عمليات واسعة شملت أغلب مناطق حزام بغداد وشارك في أغلب عمليات التحرير مُسطراً المواقف والبطولات التي جعلت منه اسماً في تاريخ المقاومة.
كان يتكلم كثيراً في الشهادة وفضل الشهداء، وبعد كل انتصار كان يجمع المجاهدين ويقول لهم: "إن هذه الانتصارات هي بفضل الله ودماء الشهداء، فلولاهم لما كانت هذه الانتصارات". فكان يتمنى أن يلتحق بركبهم المُبارك، وكان له ذلك في معارك تحرير الگرمة عندما دخل الى بيت مُفخخ فانفجر عليه فالتحق أبو موسى العامري شهيداً سعيداً مع الشهداء والصديقين.
من المواقف التي ينقلها رفيقه في الجهاد (أبو حيدر): "عندما كانت تحدث لي مشكلة فأول شخص أفكر فيه هو أبو موسى العامري، ولست أنا فقط بل كل من كان يعرفه من أهل وأصدقاء وجيران، فكان نعم الأخ والصديق والمجاهد".
أما (أبو آية) الذي كان أيضاً من رفقاء الجهاد فيقول: "عندما ينزل القائد إلى مستوى المقاتل فهو قائد ناجح، وهذا ما كان يفعله أبو موسى العامري، فكل من لم يعرف أبا موسى ويشاهده مع المقاتلين لم يكن يعلم أنه قائدهم، لتواضعه".
بينما ينقل جاره وصديقه قائلاً: "أنا رفيق العمر بالنسبة لأبي موسى، وطوال مدة العلاقة التي جمعتني به لم أره بحالة عصبية، حيث لم يكن في قاموس حياته معنى للزعل، ولم يزعجني بموقف أو كلمة أو نظرة".
عندما نتطلع بهذه المواقف والكلمات التي ينقلها من عاش مع الشهيد ندرك حجم الأثر الذي تركه في نفوسهم، فهم ينقلون هذا الكلام والدموع تملأ أعينهم
نعم أيها السادة.. هكذا يكون القادة، أو العظماء.. بل هكذا يكون الشهداء.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat