المهدي المنتظر في الفكر الإباضي
مجتبى الساده
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مجتبى الساده

لاشك أن عقيدة المخلص المنتظر قديمة بقدم الزمان ، وإنها ليست من خصوصيات دين الإسلام فقط ، فكل الأديان السماوية والتي سبقت الإسلام في الزمن بشرت بهذه الفكرة ، وان اختلفت المسميات .. بل حتى الأديان والمذاهب غير السماوية وصلت إليها الفكرة وأخذت تبشر به .
الإسلام بركنيه القرآن الكريم والسنة الشريفة هما المصدر والمنبع لدى المسلمين بكافة أطيافهم للإيمان والاعتقاد بهذه الفكرة .. فالمنقذ المخلص متواتر عند كثير من أهل الشرائع الأولى ، وأحاديث المهدي المنتظر متواترة عن نبي الإسلام وعلى ألسنة كافة طوائف المسلمين – إلا من شذ وندر – علماً بأن صحة السند لا تشترط في الأحاديث المتواترة ، مما أدى إلى شهرة الفكرة بين المسلمين على مر العصور .. في هذه السطور نحاول تسليط الضوء على فكرة المهدي المنتظر عند أتباع المذهب الإباضي ، والبحث في أفكارهم عبارة عن بحث في فرقة موجودة من الخوارج ويعتبر مذهبهم المذهب الرسمي في سلطنة عُمان.
الإباضية: النشأة والعقائد:
الإباضية إحدى الطوائف الإسلامية ، سميت بهذا الاسم نسبة إلى (عبد الله بن أباض التميمي) ، ولكن المؤسس الحقيقي للمذهب هو جابر بن زيد الأزدي وهو أحد التابعين ، ومن تلاميذ ابن عباس ، وممن روى الحديث عن السيدة عائشة وعن عدد من الصحابة ، وكان ذا مذهب خاص به في الفقه .. سياسيا ، ينسب المذهب الإباضي إلى (عبد الله بن أباض المريّ التميمي) الذي عاصر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65 – 85 هـ).
ودينيا ، يذكر الإباضية إن إمامهم الأول الذي أسس المذهب هو (جابر بن زيد الأزدي العماني) ولذلك فإن أغلب الأحاديث النبوية يرويها علماء المذهب عن جابر.
ظهر المذهب الإباضي في القرن الأول الهجري في البصرة ، فهو يعتبر من المذاهب الإسلامية القديمة ومستمر حتى الآن ، يقول الإباضيون أن مذهبهم تعود نشأته بالدرجة الأولى إلى العامل الديني والسياسي ، الذي تمثل في مبايعة عبد الله بن وهب الراسبي من طرف بعض الصحابة والتابعين الذين أنكروا التحكيم على الإمام علي بن أبي طالب (ع) وشكلوا حركة سياسية وكان على رأس تلك الحركة ثلاث شخصيات يعود إليها البدء في تأسيس الحركة وبلورة أفكارها ومبادئها وهم : أبو بلال مرداس بن حدير التميمي ، وجابر بن زيد الأزدي ، وعبد الله بن أباض.
وكانت هذه النشأة في شوال 37 هـ .. اشترك أبو بلال في واقعة النهروان عام 38 هـ مع الخوارج ، وبعد الهزيمة التي ألحقها بهم الإمام علي (ع) انقسم الخوارج عام 64 هـ إلى أربع فرق كبرى وهي :-
1- الأزارقه : وهم المنسوبون إلى نافع بن الأزرق ألحنظلي (البصرة) مقتول سنة 65 هـ ، (الفرقة انقرضت ولم يعد لها أثر) .
2- النجدات : وهم المنسوبون إلى نجدة بن عامر الحنفي (اليمامة) (الفرقة انقرضت) .
3- الصفرية : وهم المنسوبون إلى عبد الله بن الصفار السعدي (الفرقة انقرضت) .
4- الإباضية : وهم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض التميمي (متوفي 86 هـ) وهو واحد من الذين ثبتوا على المنهج الذي سار عليه أهل النهروان وتتابع عليه الإباضية فيما بعد ، وهي الفرقة الوحيدة المستمرة حتى الآن .
والعجب أن هذه الفرق ظهرت في زمان واحد ، فصار للقوم أئمة أربعة ، كل يدعو إلى نفسه .. ويرفض أتباع المذهب الإباضي حالياً أن يطلق عليهم أو يسموا بالخوارج فيقولون : إن كلمة الخوارج تشمئز منها النفس وينقبض منها القلب مثل كلمة (الإرهابي) حالياً، وان حديث المروق والخروج من الإسلام لا ينطبق عليهم ، والمتمثل في قوله صلى الله عليه وآله : (يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) .. ويقولون إن الاعتبارات التي من أجلها أطلق المسمى على الخوارج لا وجود لها عند الإباضية مطلقاً ، وان كلمة الخوارج لا يجب أن تطلق إلا على الذين خرجوا من الدين ومرقوا من الإسلام .
إن المتتبع يرى أن الإباضية تلتقي مع الخوارج من الناحية الفكرية في قضيتين جوهريتين هما :
أولاً :- رفض التحكيم : إن الإباضية والخوارج ينتقدون قبول التحكيم ويرون أن الإمام علي (ع) مخطئ في قبوله التحكيم ، لأنه جعل حقه في الخلافة موضع نزاع مع معاوية ، وكما أخطأ في قبوله تحكيم الحكمين ، فقد أخطأ كذلك في قتاله لأهل النهروان .
ثانياً :- نفي لزوم القرشية في الإمام : فأصلها الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله الذي يقول : (الخلافة في قريش) أو (كلهم من قريش) .. ورأى الإباضية وكذلك الخوارج أن الخلافة الإسلامية لا تنحصر في قبيلة أو عائلة أو طائفة وإنما يتولى أمر المسلمين الأكفاء والأقدر على خدمتهم وتسيير أمورهم .
أما الخوارج في نظر الإباضية هم طوائف قديمة من الناس من زمن التابعين رؤوسهم نافع بن الأزرق ، ونجدة بن عامر ، وعبد الله بن الصفار ومن شايعهم ، وسموا خوارج لأنهم خرجوا عن الحق وعن الأمة ، بالحكم على مرتكب الذنب بالشرك وان محاربيهم مشركون ، ويترتب على ذلك ما يترتب على حرب المشرك ، فاستحلوا ما حرم الله من الدماء والأموال بالمعصية ، وحين اخطأوا في التأويل لم يقتصروا على مجرد القول ، بل تجاوزوه إلى الفعل ، وهم باعتقادهم وعملهم قد خرجوا من الإسلام وخرجوا عن الحق فهم الذين يمكن أن ينطبق عليهم حديث المروق من الدين .
إن الإباضية كانت من إحدى الطوائف التي رفضت التحكيم واعتزلت الإمام علي (ع) ، ولذا فأغلب المؤرخين ينسب الإباضية إلى الخوارج على وجه العموم ، وبعضهم قال : الإباضية أعدل الخوارج ، والآخر قال : الإباضية اقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة .. مما سبق يتبين لنا أن المذهب الإباضي (المعتدل) أحد فرق الخوارج ، وتكون في أول أمره كحركة سياسية ، ومع مرور الأيام تطور إلى مذهب فقهي كغيره من المذاهب الإسلامية.
مصادر التشريع عند الإباضية : القرآن والسنة والإجماع والرأي ، وبالنسبة للأحاديث النبوية فيعتمدون على المسند الربيع بن حبيب الفراهيدي ويطلق عليه الإباضية (الجامع الصحيح) ويعتبرونه من أصح كتب الحديث سنداً ، لأن معظم الأحاديث رواها (الربيع) عن شيخه (أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة) عن (جابر بن زيد) عن أحد الصحابة ، وتوفي الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي مابين عام 171هـ و 180هـ ودفن في عُمان .
الانتشار التاريخي والحالي:
كما يحدثنا التاريخ أن الإباضية لم يخرجوا على الدولة الأموية لا خروجا سياسياً ولا خروجاً دينياً ، ولكنهم لم يكونوا راضين عن سياسة الأمويين .. فهذا عبد الله بن أباض الذي تنسب إليه الإباضية لم يرفع السيف في وجه الدولة الأموية ولكنه اكتفى بنقد سياستهم عن طريق المراسلة ، وكذلك أبو بلال مرداس فكان ينتقد سياسة الأمويين باللسان ولم يرفع سيفاً ..
• قامت في عُمان دولة باسم الإباضية في عهد أبي العباس السفاح سنة 132هـ.
• أعلنوا الإمامة في اليمن سنة 129هـ ، وفي طرابلس شمال إفريقيا سنة 142هـ .
• قامت في الشمال الإفريقي دوله إباضية باسم الدولة الرستمية أسسها (عبد الرحمن بن رستم) الفارسي سنة 160هـ وجعل مدينه تاهرت عاصمتها (تيارات حالياً ، وهي مدينة جزائرية) والتي استمرت قرابة 120 سنة . وبعد سقوط الدولة الإباضية في تاهرت احتفظت التجمعات السكانية الإباضية حتى أيامنا هذه بنوع من الاستقلال الديني والسياسي ويقوم مجالس العلماء والتي عرفت في اصطلاح الإباضية (بمجالس العزابة) برعاية أمورهم .
استمر الإباضيون يقيمون (الإمامة) في عمان كلما سنحت لهم الفرصة ، فإذا ما ضعفت قامت الملكية على أنقاضها وهكذا دواليك ، وكانت آخر إمامة استطاع الإباضيون إقامتها سنة 1331هـ ، واستمرت حتى عام 1375هـ .
تنتشر الإباضية في الوقت الحالي بشكل أساس في سلطنة عُمان حيث يشكلون حوالي 75% من العمانيين (1,8 مليون تقريبا) ، وينتشر المذهب أيضا في وادي ميزاب في الجزائر (350 ألف تقريباً) ، وفي جبل نفوسة وفي زوارة في ليبيا (70 ألف تقريباً) ، وفي جزيرة جربه بتونس (10 آلاف تقريباً) ، بالاضافه إلى مناطق مختلفة كاليمن والشمال الإفريقي ومصر وزنجبار ومالي وغانا والسعودية وبعض المغتربين في الدول الأجنبية ، مما يشكل أتباع ومعتنقي المذهب الإباضي حالياً في العالم حوال 2.5 مليون شخص كان سبب انتشار ووجود أتباع للمذهب الإباضي حالياً في كل من عُمان وشمال إفريقيا ، هو قيام دول إباضية في تلك المناطق.
رأي الإباضية في المهدي المنتظر :
إن المهدي المنتظر في الفكر الإباضي عبارة عن خرافة لا أساس لها من الصحة ، ويعتبرون الفكرة من الأمور الغيبية التي لا ينبغي الإيمان بها إلا على أدلة قطعية ، وفي نظرهم لا توجد أدله قطعية بخصوص المهدي المنتظر ، ولذا فهم يصرّحون ويؤكدون أن أخبار المهدي قد تسربت للفكر الإسلامي قديما من أهل الكتاب (وبالخصوص اليهود) الذين أسلموا في بداية العصر الإسلامي الأول ، وكانوا يروون أخبار المخلص المنتظر من موروثهم الديني المحرَّف .
يصرح الإباضية عن فكرة المهدي المنتظر بأنها خرافية كما يقول أحد علمائهم: (انتشر بين بعض المسلمين فكرة ظهور رجل خارق في آخر الزمان يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا في فترة لا تتجاوز الأيام المعدودة ، وأنه هو المهدي المنتظر .. لم يقبل الإباضية بمثل هذه الأفكار لمخالفتها منهج القرآن الكريم الذي وعد المسلمين بالنصر والتمكين في أي زمان ومكان إن هم أقاموا منهج الله وشرعه ، كما إن تلك الأفكار تنشر في الأمة التخاذل والتواكل وانتظار المجهول دون محاولة للسعي والعمل ، وفكرة المهدوية ذات أصول توراتية وهي في حقيقتها بشارة بالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله) .
عند الرجوع إلى الجذور التاريخية والعقدية لنظرة الإباضية للمهدي المنتظر نجد أن هذه المدرسة خلت مروياتها من الغالبية العظمى من هذا الصنف من الروايات (المهدي المنتظر أو اشراط الساعة) ، كما خلا التنظير العقدي والفقهي عبر تاريخ الفكر الإباضي من الاهتمام بهذه القضايا .. ومع مسيرة الزمن وبفعل حركة التثاقف والتلاقح بين المدرسة الإباضية والمدارس الإسلامية الأخرى حصل نوع من انتقال بعض هذه القضايا إلى قطاع بسيط جداً جداً من التفكير الإباضي ، لكن لم يصل الأمر إلى دائرة الاعتقاد بها ، ونجد هذا الأمر في بعض الكتب الإباضية في القرن الهجري السادس ، كالدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني (توفي: 570 هـ) ذكر في ج 2ص 35 (وقد وردت عن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبار كادت تكون ضرورية عن المهدي في آخر الزمان ، ، وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد إن ملئت ظلماً وجوراً) وقال في ج2 ص24 : (فإن كان عن معصوم كان حقاً ، ولا معصوم إلا المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام).. كذلك ذكر الشيخ القطب في (وفاء الضمانة بأداء الأمانة) ج5 –ج6، عدد لا يستهان به من روايات المهدي المنتظر والدجال وعودة المسيح (ع) دون أن يعلق عليها بشيء .. أما الشيخ الجيطالي في (قناطر الخيرات) ج3 ص546 و ص 547، ذكر عدداً من الأشراط المستقبلية للساعة مثل : طلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى (ع) والدجال وغيرها .. غير أن الساحة الإباضية شهدت في أوآخر القرن الهجري الماضي وبدايات القرن الحالي عودة الإباضية إلى التحفظ على فكرة المهدي المنتظر ، وبعض القضايا الغيبية بغلاف ما كان عليه الخط الإباضي العام من عدم الاعتناء بها .. وممن تحفظوا على فكرة المهدي المنتظر من علماء الإباضية المتأخرين نذكر :-
قال الشيخ أحمد بن حمد الخليلي )المفتي العام الحالي لسلطنة عُمان( موضحاً رأي الإباضية في مسألة المهدي المنتظر : (علينا نحن أن نعمل وأن يكون كل واحد منا هادياً مهدياً بمشيئة الله سبحانه وتعالى ، وأن لا ننتظر من يظهر بعد حين ، على أن الروايات في المهدي فيها الكثير من الاضطراب كما شرح ذلك العلامة رشيد رضا ، وقد وضعَت في المهدي روايات متعددة وادعى الكثير من الناس أنه هو المهدي المنتظر ، ومن الناس من قال إن المهدي من ذرية الحسين بن علي ، ومنهم من قال هو من ذرية الحسن بن علي ، ومنهم من قال هو من ذرية العباس بن عبدالمطلب ، وهذا مما يدل على إن للاتجاه السياسي دخلاً في حبك هذه الروايات) .
أما الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي (وهو مرجع الإباضية حالياً في الحديث النبوي الشريف) فقد قال في محاضرة له (أحاديث المهدي مكذوبة موضوعة ، لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله).
الشيخ بكلي عبد الرحمن عمر الذي قال في الفتاوى : (أما المهدي فما قيل في الدجال فقد حيك مثله فيه من روايات متضاربة أثارت إشكالات يصعب الجمع بينها ، اتخذ المهدي ميداناً ، ركض فيه كثير من ذوي الغايات والمطامع في الملك والسلطان ، وكلما مضى أحدهم ولم تُحقَّق الآمال التي نيطت به حاولوا لعب ورقته مع آخر ، كما كان اصحاب الرايات السوداء والرايات الصفراء ودعوى السفياني قبله ، ويبدو لي والله اعلم أنها من دسائس المنظمات السرية التي أسست لهدم الإسلام وإفساده بإدخال الخرافات على تعاليمه ومبادءه ، ومن وراء ذلك تثبيط أبنائه عن العمل والأخذ بأسباب القوة اتكالا على المهدي وانتظار خروجه ، فيقعدهم ذلك عن الدفاع عنه وصيانة حماه) .
الشيخ علي يحي معمر في الحلقة الأولى من موسوعة (الإباضية في موكب التاريخ) ص5 حيث عد قضية المهدي المنتظر من الخرافات التي تسربت إلى المسلمين.
الشيخ ناصر بن أبي نبهان الخروصي حيث قال : (وفي أخبار قومنا إن الله يبعث المهدي ويخرج الدجال وينزل عيسى من السماء ، وكل ذلك في نفسي بعيد من الصواب ، ومعي إن الخضر ميت وعيسى كذلك ) .
الشيخ احمد بن سعود السيابي الذي قال في محاضرة له : (والقول بالمهدي المنتظر ونزول المسيح عيسى (ع) قدح في خاتمية النبوة وعصمة هذه الأمة في عدم اجتماعها على ضلال ، فهو قدح فيها أنها كانت على استقامة ، وهي رد لكلام الله تعالى بقوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} ، وقد يقول قائل من الاخوة الإباضية إن المسالة وجدت في بعض تآليف علماء الإباضية ، فنقول له : إن هذا صحيح ، لكنه عند التأمل نجده تأثراً بما في كتب الآخرين).
ولمزيد من التوسع ومعرفة رأي بقية علماء الإباضية حول المهدي المنتظر ، يفضل مراجعة كتاب (اشراط الساعة – النص التاريخي من ص،203 إلى ص211 ) ، للكاتب الإباضي / الأستاذ خالد بن مبارك الوهيبي ، والذي جمعها من جانبه من متفرق كتب ومخطوطات ومحاضرات الإباضية .
وفي مناقشته لرأي الشيعة الإمامية في مسألة المهدي المنتظر ، كتب الإباضي الأستاذ علي بن هلال العبري في رسالة الماجستير الإمامة في الفقه الإسلامي : على افتراض أن الإمام (المهدي المنتظر) لم يختف ، وظهر على الظالمين والغاصبين ، افتراه يعيش إلى يوم القيامة يسوس الأمة ، ويقيم الكتاب ، ويحمل الناس على الجادة ، أم انه يموت بعد عمر كما مات أباؤه من قبل ؟! ومن الذي سيخلفه عندئذ ، مع حصر الأئمة في عدد معين ، فإن كان سيخلفه نائب فهل النائب يشترط ما يشترط في الإمام ؟ وإذا كان الأمر كذلك فما معنى تحديد العدد ؟ وإذا كان الإمام سيبقى إلى يوم القيامة فقد حاز من الفضيلة والكرامة ما لم ينله الأئمة من قبله .
نستشف من قراءتنا لموقف الإباضية من أمر المهدي المنتظر ، أنهم ينكرون كثيراً من الأمور الغيبية وأخبار الملاحم والفتن وأغلب علامات وأشراط الساعة،حتى وإن كان هناك دليل صريح من القرآن الكريم مثل:
إنكار عقيدة المهدي المنتظر من الأساس ، واعتبارها فكرة خرافية تسربت لأفكار المسلمين من اليهود .
إنكارهم عودة السيد المسيح آخر الزمان ، وتأكيدهم بأنه قد مات .
إنكارهم طلوع الشمس من المغرب كعلامة من علامات الساعة ، واعتبار أن ذلك يخالف القوانين والسنن الكونية .
إنكارهم خروج الدجال آخر الزمان واعتباره كائن أسطوري خرافي لا وجود له ، باعتبار مناقشتهم لروايات ابن صياد والجساسة في صحيح مسلم .
إنكارهم خروج يأجوج ومأجوج آخر الزمان وأعتبارهم من القصص التاريخية القديمة التي ذكرها الله تعالى في القرآن للعظة والعبرة فقط .
إنكارهم خروج دآبه الأرض آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة ويعتبرون خروجها عند وقوع القول فقط ، أي أثناء وجوب العذاب أو الغضب .
إنكارهم لكثير من أخبار الملاحم والفتن وأخبار الخضر (ع) و السفياني المنتظر و القحطاني وفتح القسطنطينية، واعتبار أن الروايات في هذا الشأن كلها لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله.
ولمزيد من التوسع لمعرفة رأي الإباضية في مثل هذه القضايا والأمور ، يفضل الرجوع إلى كتبهم التالية:-
1- كتاب (الإباضية تاريخ ومنهج ومبادئ) للدكتور زكريا المحرمي ، راجع الفصل الخاص: موقف الإباضية من أخبار الفتن والملاحم والميزان والصراط.
2- كتاب (أشراط الساعة – النص والتاريخ) ، للشيخ خالد بن مبارك بن محمد الوهيبي ، راجع الفصل الخاص: تطبيقات في دراسة الأشراط المستقبلية للساعة ، وقد قال فيه في ص319 "تبين من خلال البحث أن القطاع الأكبر والأعظم وهو المعبر عن التوجه العام للمذهب الإباضي حول هذه القضايا كان دائراً بين الرفض التام أو التشكيك الذي عبر عنه بالتوقف والسكوت .... إلى أن قال: لا نجد في كتاب الله أي ذكر لكل تلك الاشراط المستقبلية كالدجال وعودة المسيح (ع) والمهدي ، أو ارتباط بعضها بالساعة وما يكون بين يديها كيأجوج ومأجوج وخروج دآبة من الأرض ، بينما جمع مجلدات في هذا الشأن من الروايات السنية والشيعية .. لماذا لم تذكر في كتاب الله تعالى ، ووردت بكل هذه الكثافة الهائلة في الروايات".
مبررات موقف الإباضية من المهدي المنتظر وأشراط الساعة :
رفض الإباضية معظم روايات الملاحم والفتن التي وردت في مجموعات الحديث عند كثير من المدارس الإسلامية لأنها صورت أن النبي صلى الله عليه وآله يعلم الغيب ، وأنه أخبر ببعض الظواهر والحوادث التي ستحصل قبل يوم القيامة ، واعتبروها مخالفة للقواعد وللأصول المستوحاة من مذهبهم وذلك للأسباب التالية من وجهة نظرهم :-
1- مخالفة لمنهج القرآن الكريم ، حيث إن النبي محمد صلى الله عليه وآله هو آخر الأنبياء والمرسلين ، ولذا فعودة المسيح خرم صريح لهذه العقيدة.
2- بروز الطابع المثيولوجي الأسطوري ، وهي عبارة عن خوارق العادات والنواميس والسنن الكونية ، كروايات المخلّص المنتظر وعودة عيسى (ع) وظهور الدجال.
3- تفاعل روايات آخر الزمان مع أحداث زمن تدوينها ، حيث تتحدث عن أسلحة بدائية (السيف ، الرمح ، الحربة ...) ، وهذا يتناقض مع تطور آخر الزمان.
4- إن فكرة المخلّص المنتظر تسربت إلى المسلمين عن طريق مسلمة أهل الكتاب وهي ذات أصول ونزعه يهودية ، لا سيما أن كعب الأحبار أحد رواتها .
5- روايات آخر الزمان تعطل الطاقات وترسخ قيم الاستبداد والظلم في النفوس ، وبخاصة روايات المهدي المنتظر (ع) ، فإنها تصب لصالح الانتظار السلبي وقيام الفرد المطلق (السوبرمان) بقضية الإصلاح .
إن قراءة متأنية للمبررات التي أثارها الإباضية عن المهدي المنتظر وأشراط الساعة ، توضح لنا مدى ضعف منهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة (الإمامة) ، وتدلنا وجهات نظرهم على بساطة تفكيرهم ، فليس لديهم مايدعم رأيهم وإنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة ، بل الدليل قائم على خلاف ما يذهبون إليه ، والبرهان ساطع وقاطع على صحة العقيدة في المهدي ، لثبوت الدليل من آيات القران الكريم ، وتواتر الأحاديث الشريفة .. وما التبريرات التي ساقوها إلا دليل على ضعفهم في علوم القران وأصول الحديث .. وكيف لا يكون ذلك وأهم كتاب حديث لديهم مسندهم الصحيح الأول ، والذي يرجعون إليه في الأحاديث النبوية – من وجهة نظرهم – مسند الربيع بن حبيب ، لا يحتوي إلا على 754 حديثاً فقط ومدونة أبي غانم الخراساني لا يحتوي إلا على 140 حديثاً فقط ، وهذا يخالف المنطق والواقع والتاريخ وعلم الحديث المتعارف عليه عند جميع الفرق الإسلامية ، ولذا لا نستغرب خلوّ مجموعاتهم الحديثية التي رووها من طرقهم (على قلتها وقلة احاديثها ) من هذا الصنف من الروايات .. وفوق كل ذلك لم يخلُ صحيحهم الأول (مسند الربيع) من روايتين (حديث 55 ، وحديث 495) تذكر الدجال بصراحة .. ومن هنا نؤكد أن كل هذه التبريرات حسب مقاييس البحث العلمي ليس لها قيمة علمية.
خلاصة القول:
يتضح لنا من تتبع أقوال علماء الإباضية ، ومن البحث في جذور نشأة المذهب الإباضي ، ومن خلال بعض مؤلفاتهم والحوارات والنقاشات التي دارت معهم بخصوص المهدي المنتظر ما يلي :-
شعور الإباضية بالمأزق الذي أوقعتهم فيه عقيدتهم في الخلافة (الإمامة) ، لرفضهم حديث الرسول صلى الله عليه وآله (كلهم من قريش) – وإن كانت هذه النظرية تخالف الحديث رقم 45 في الجامع الصحيح الأول لديهم – فبدأ كبار علمائهم يراجعون قضية الخلافة وفكرة المهدي المنتظر (ع) ، فجاؤوا بنظرية إنكار أمر المهدي المنتظر (ع) من الأساس ، وساقتهم النظرية كذلك إلى إنكار عودة السيد المسيح (ع) وخروج الدجال وظهور دآبة الأرض ويأجوج ومأجوج وكثير من أشراط الساعة ، ليخرج الفكر الإباضي في نظرهم من المأزق الذي ألم به والجمود الذي أتحفتهم به نظريتهم الأولى في السياسة وعقيدتهم في الخلافة.
لذا تجد أن علماء المذهب الإباضي القدماء لم يحسموا أمرهم في موضوع المهدي المنتظر (ع) بعكس علمائهم المتأخرين الذين اتفقوا على الإنكار ، فالخط العام الذي انتهجه جمهور علماء المذهب الإباضي من قضية المهدي المنتظر (ع) – من خلال تتبع مؤلفاتهم - والتي سكتوا فيها عن الخوض في هذه القضية وأمثالها .. وإن كانت بعض الكتابات أشارت إلى موضوع المهدي المنتظر (ع) بكل صراحة ككتاب (الدليل والبرهان) لأبي يعقوب الوارجلاني ، ووفاء الضمانة للقطب .. ولكن يلاحظ بشكل عام أن المدرسة الإباضية خلت مروياتها من الغالبية العظمى من روايات المهدي ، كما خلا التنظير الفقهي والعقدي عبر تاريخ الإباضية من الاهتمام بهذه القضية .. إن المتتبع لآراء علماء المذهب الإباضي في أحاديث الملاحم والفتن يقرأ فيها تهم جريئة يوجهونها إلى حفاظ السنة ورجال الصحاح والجوامع الحديثية ، بالإضافة لتفسيرهم بعض آيات القران الكريم ذات العلاقة بالمهدي المنتظر (ع) بغير تفسيرها ومواردها الصحيحة ، وهم يقصدون من وراء ذلك تسهيل طريق الإنكار ، إذ ألجأتهم الضرورة المذهبية إلى إنكار بعض الحقائق الدامغة للمحافظة على أسس ومبادئ مذهبهم.
من هنا نفهم الدوافع لإنكار أصل فكرة المهدي المنتظر ، وقولهم بضعف الروايات واختلاقها ، والعجب من ركوب علماء الإباضية هذه الجرأة المفضوحة ، إذ أن روايات المهدي المنتظر ذكرتها كل الجوامع الحديثية والصحاح والمساند عند الفرق الإسلامية كافة ، وخرجوها من عدة طرق وقال بتواترها معظمهم.
لذا فإن منهجهم المشكك في أمر المهدي بمثل تلك التبريرات والتوهمات والمغالطات المنكرة ، فضلا عن تعارضه مع الأصول المعتبرة الإسلامية من أدلة قرآنية وروايات متواترة ، ينطلق من دوافع وأهداف لا تنسجم مع منهج الإسلام العام .. فالمبادئ الإسلامية تقوم وتعتمد في جانب مهم منها على ضرورة الإيمان بالغيب ، وقد تكررت الدعوة (الإيمان بالغيب) لعشرات الآيات الكريمة بل مدحت المؤمنين به .. ونتساءل هنا: ما هي الغيبيات التي يؤمن بها أتباع المذهب الإباضي في هذه الحياة ؟ والسؤال الذي يلفت النظر: ماهي الأدلة التي يبحث عنها الإباضية في موضوع المهدي المنتظر؟ .. إذ ليس هناك من سبيل إلى ثبوت مثل هذه الأمور إلا بالأدلة المعتبرة ، وهل بعد ذكر القرآن الكريم وآياته كلام ، وهل نحتاج إلى دليل آخر ، بالإضافة للروايات المتواترة والأخبار الصحيحة المروية عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وتوفر الشواهد وقيام القرائن والمؤيدات من العقل والمنطق ، وقد ثبت من كل هذه الجهات في أمر المهدي المنتظر .
الغريب إن الإباضية يتوسلون بنفس الذرائع ، ويتعللون بنفس الحجج والمبررات التي توسل بها منكروا ما جاء من أنباء الغيب .. ومن بساطة تفكيرهم وضعف رأيهم من السهل تفنيد حججهم ، فإن كانوا يقولون إن أحاديث المهدي تخالف العقل فليوجهوا النقد إلى القرآن لأنه الذي بشر به وصنفه كوعد إلهي ، وإن كانوا يقولون كيف لشخص يعيش مئات السنين فليوجهوا نقدهم للقرآن كذلك لأنه يخبرنا عما يخالف الطبيعة في عمر النبي نوح (ع) والسيد المسيح (ع) وعمر إبليس ، وهذا منطق القرآن الكريم .. وعلاوة على ذلك ما الذي يضر فكرة المهدي إذا آمن بها اليهود وكافة الأديان والمذاهب ونسجوا حولها خيوطاً من الآمال ، ولو أردنا أن نبطل كل فكرة أو حق آمن وتمسك به اليهود والنصارى لأبطلنا حقائق عديدة كالتوحيد والصدق والأمانة وتحريم الربا وأكل لحم الخنزير.. الخ.
وأرى أني أمام حقيقة لاذعة ، يسوقني إليها الموضوع ، ومضطر للجهر بها وهي: أن مصادر التشريع عند الإباضية كما يقولون هي: القرآن والسنة والإجماع والرأي ، ففي نظرتهم إلى المهدي المنتظر (ع) وإنكار أمره قد خالفوا القرآن الكريم (المصدر التشريعي الأول) حيث فسروا الآيات القرآنية الدالة عليه والمبشرة به في غير موردها الصحيح ، وخالفوا السنة النبوية الشريفة (المصدر التشريعي الثاني) حيث كذبوا كل الروايات المتواترة والأخبار الصحيحة واعتبروها مختلقة موضوعة ، وخالفوا إجماع المسلمين (المصدر التشريعي الثالث) بمذاهبهم وأطيافهم كافة بالإيمان بفكرة المهدي المنتظر ، وهكذا تمسك الإباضية برأيهم الشاذ بإنكارهم أمر المهدي وذلك للحفاظ على نظريتهم الأولى والتي قام عليها مذهبهم – وتتفق عليها كل فرق الخوارج – بأن الخلافة (الإمامة) في نظرهم لا تنحصر في قريش وهو مخالف لما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكيف يتم الإيمان بالمهدي والروايات تؤكد أن المهدي من أهل البيت عليهم السلام ، ومن بني هاشم ، ومن أولاد فاطمة عليها السلام ، إذاً المهدي من (قريش) وهذا ما يتعارض مع مبادئ وأسس مذهبهم ولذا لم يكن هناك من مفر إلا بإنكار أمر المهدي ، وإن كان ذلك يتعارض مع المصادر التشريعية ، فإنكار أمر المهدي من وجهة نظرهم أسهل من نسف أساس المذهب .
نسي هؤلاء أو تجاهلوا أن فكرة المهدي كعقيدة نشأت من القول بضرورة وجود إمام معصوم في كل جيل حافظ للشريعة وقرين للكتاب ، وقد ترك النبي محمد صلى الله عليه وآله ثقلين لا يفترقا حتى يردا عليه الحوض ، وشهد القرآن لكل واحد من هذين الثقلين بالعصمة والتسديد والحفظ ، وهذا هو المبدأ الحقيقي لفكرة المهدي المنتظر (ع) عند الشيعة الإمامية .. وإذا حتم الدليل وجوده وبقاءه لأنه الأخير من قرناء الكتاب ، فليكن غائباً إذا أوجبت الحكمة الإلهية أن يغيب ، فإن الاختفاء لا يضر بشان من شؤونه ، كما لا يضر بالشمس سترها من وراء السحاب .. خاصة إذا علمنا أن الإيمان بالمهدي المنتظر عقيدة ورسالة يريد الله تبليغها إلى كافة البشر مصداقاً لقولة تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} .. وأخيرا نقول كما قال تعالى : {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat