التحدي ضرورة إرتقائية!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صادق السامرائي

التحدي من قوانين الخلق الذي يسري بقوة وعنفوان بين الموجودات الساعية فوق التراب , ولا يمكن للحياة أن تتواصل إذا إنتفى التحدي من سلوكها , لأنها ستفقد الحماس والغاية وتعيش في مستنقعات البهتان والتفسخ والإنحلال والإنقراض.
فالتحدي ضرورة حتمية وسلوك دائب يحفّز الأحياء على التفاعل والتجدد والرقاء.
وهذا ينطبق على المخلوق الفردي والجمعي , بمعنى الجماعة أو الشعب والأمة , وكما نسميها الدولة أو الوطن , وما إلى غير ذلك من التوصيفات التجمعية الحاصلة في دنيا البشر.
ولهذا تجد الدول القوية تبحث عن مواطن التحديات وتريد أعداءً وإن لم تجدهم تختلقهم , لكي تحافظ على قدراتها وطاقاتها المتوجهة نحو هدف آخر خارج حدودها أو حولها , وبذلك تضمن تصريف الطاقات وتصويبها بدلا من إنحباسها وتفجرها في الداخل.
ولذلك فالحروب ديدن دائب , والسلام غائب , فالحرب توفر المهارات الكفيلة بتنمية القدرات البقائية والتفاعلات الإبداعية والإبتكارية , ولولا الحروب لما وصلت الدنيا إلى هذا العصر المزدحم بالإبداعات المادية والتقنية الغير مسبوقة , وكلما قامت حرب أوجدت معطيات جديدة وتقدمت البشرية إلى أرقى مما كانت عليه قبلها , وإمتلكت قدرات القوة والتمكن المتجددة المتنامية المتوافقة مع حجم التحديات المتفاقمة.
والسلام معروف بأنه يشيع الطمأنينة ويخمد إرادة النفس المتحدية , فيخمل الإبداع ويضعف الكيان المجتمعي والوطني , وتصاب الحياة بأمراض البدانة والترهل والسمنة والسكتة الحضارية , وما يتصل بها من تداعيات وإنهيارات متنوعة.
وتجدنا اليوم أمام مجتمعات تريد القوة والهيمنة , وهي تسعى لصناعة التحديات لتحافظ على وحدتها الوطنية , ولتقلل من الصراعات الداخلية وتمضي في تنفيذ مشاريعها الإقتدارية , ومجتمعات خاملة خامدة لا تفهم هذا القانون وتحسب أن التحدي نوع من البهتان , فيتحقق فيها ما يمزقها ويدمر قدراتها وممكنات بقائها وتطورها وإنسجامها مع عصرها.
ومجتمعاتنا العربية غريبة في أطوارها وما يبدر منها من سلوك , فقد وهبت ما يعزز قوتها لكنها بدلا من الإستثمار الإيجابي في التحدي , إنكفأت على ذاتها وتأسنت وأوجدت بركا وأحواضا ومستنقعات لتنمية الآفات وإطلاق التصارعات الداخلية , التي أنهكتها ووفرت الفرص لأعدائها للإستثمار فيها وتدميرها , وتحويلها إلى شظايا كينوناتية وفئوية وتحزبية تسعى للإنقضاض المتوحش على بعضها البعض , مما جعل العربي عدو العربي ومخاصمه اللدود.
ولن تتمكن المجتمعات من صناعة إرادتها والوصول إلى غاياتها , إن لم تدرك ضرورات التحدي ووجوب التماسك والعمل المتلاحم لإنجاز صالح مشترك.
فالقوة ذات فوهة موجهةً نحو هدفٍ واضح معلوم لكي تدوم!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat