صفحة الكاتب : كريم الانصاري

كنوز الأربعين
كريم الانصاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  من سنيّ الخوف والرعب والتلثّم بجلباب الديجور والسير على حافّات المياه بقصد حرم الإمام، إلى الملايين الزاحفة ليلَ نهار باندفاعٍ ذاتيٍّ وعشقٍ ولائي صوب ايقونة الغرام،بطيّ عشرات بل مئات الكيلومترات مشياً على الأقدام ، روماً لمرقد الحسين في كربلاء المرام .
 "ملائكية العراقيين الأربعينية " حقيقةٌ وضّاءةٌ فاقت تصوّرات المخيال البشري ومفردات التوثيق السردي حتى ألِقت شامخةً في الواقع الإنسانيّ النقي . 
 لافرق بين عربي وأعجمي ؛ حيث مقصد  الكلّ سبط النبي .و لشدّة الزحام يؤدّي الكثير  آداب التحية والزيارة ثم يكرّ راجعاً للديار دون الوصول لمضجع الحبيب ، فقد نال مايريد  .
ياللعجب ، ترنو الملايين بلهفةٍ وولَهٍ إلى مثوى رجلٍ قُتل قبل أربعة عشر قرناً ،بلامنفعةدنيوية  ولاعوائد مادّية ولامطامح سياسية ، بل تسترخص الغالي والنفيس بفخرٍ واعتزازٍ مثير .
فما هذا الدافع الذي يشدّ المسلمين حتى يزدادون حرارةً وحضوراً عاماً بعد عام لإحياء أربعينية ذبيح خليفة المسلمين !! هل من تفسير لهذا اللغز وهذا الهيام في قلوب المحبّين ؟ 
لِمَ لا تبادر مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية لتقييم هذه الشعيرة طبق الأُسس العلمية والمناهج المعرفية ؟ أم أنّها تخشى النتائج التي تقود إلى تغيير أساسي في نوع التصوّر الحاكم على عقل وشعور الآخر المغلوب على أمره إثر التضليل الثقافي والتعتيم الإعلامي الملمّع بطلاء حرّية القلم والبيان ، العاملة هنا والمعطّلة هناك بفعل المصالح الراجحة على أصل البنيان ..  
إنّ  البحوث المختصّة إن جرت على النسق السليم فإنّها قد تُحدِث الهزّات العقائدية والأخلاقية المعاكسة ، وقد تحاكم القيم السائدة والمبادىء المعتمدة في المجتمعات المضلَّلة ، ممّا يؤدّي إلى صدمة هائلة تعيد جدولة الأفكار التائهة .
 ولعل النهج الإعلامي المدروس خير شاهدٍ على صحّة المدّعى ، فلاشكّ  أنّهم إن واكبوا الحدث المذكور بحرفيةٍ  ومهنية أُسوةً بسائر الأحداث الأقلّ شأناً واستقطاباً وحضوراً ، فلن يجدوا سوى الاعتراف بعظمة هذا الحدث المنقطع النظير ، ممّا سيترك أخطر الأثر على كيفية تفكير الفرد الغربي والشرقي على السواء ، فيسعى فاحصاً مستفهماً عن أسباب مليونية هذا الحدث النابض بالمعايير الإنسانية والفضائل الأخلاقية العالية .. ولاغرو أنّ الإنسان ميّالٌ بطبعه للخروج من التكرار المملّ ، وهل مثل أربعينية الحسين أكثر حركةً وتغييراً وخلاصاً من الروتين الحاكم على الوجود الإنساني ؟
نحن أيضاً نتحمّل قسطاً وافراً من اللوم والتقصير ؛ حيث لم نعمل بعزمٍ وحزم كافيين على تنشيط الفضاءات العلمية بأدوات الاستقطاب المناسبة للتعريف بها تعريفاً شافياً وافياً ، بل تجدنا ندور غالباً في فلك العواطف والأحاسيس المقطعية دون التنقيب المعرفي والضخّ القيَمي الأخلاقي النابض بالحركة التواصلية .
 إنّ  أربعينية الحسين كنزٌ ألماسي ولاأغلى ،  كبريتٌ أحمر ولاأشبه ، كيمياءُ حياةٍ وإكسيرُ خلاصٍ ولا أنقى ؛ حيث نفحات الخير ونسائم الإيمان ورشفات الفلاح التي لاتجفّ ولاتُبلى  .
  المؤسّسة الدينية والمراكز العلمية والمعاهد الثقافية والمعاقل المختصّة برموزها ونخبها ومحاورها ، عليها المعوّل وعليها يقع العبء الأكبر والمسؤولية الأهمّ في هداية الأحاسيس والمشاعر الجيّاشة  نحو السمت الأسلم والخير الأدوم ، من خلال بوصلة القيم والمبادىء السامقة ، تلك التي بذل المولى دونها مهجته الطاهرة .
لسنا أبداً في وارد البحث بالمنافع والمضارّ الاقتصادية والسياسية الناتجة من مليونية الوفاء ، حتى غاص البعض في قاع الحسابات الرقمية محلّلاً ومنتقداً ومقترحاً..إنّما ندعو إلى استثمار المشاعر الإنسانية الصادقة عبر تشييد المشاريع الأخلاقية والمؤسّسات الإنسانية الفاعلة، والعمل على تثبيتها وتنمية نتاجاتها ، ولا يُنجَز ذلك إلّا  بالمناهج الصحيحة والآليات الرشيقة والحُلل القشيبة .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم الانصاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/31



كتابة تعليق لموضوع : كنوز الأربعين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net