صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

*النفحات القدسية تتجلى في يوم عرفة بين عليًّ والحسين*
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما تريد أن تتكلم عن علي بن أبي طالب عليه السلام لا تستطيع أن تستغرق في جانب دون آخر ففي كل جانب من جوانب حياته المباركة شكّلت مع تقدّم العهود والأزمان تراكماً ثقافياً ومعرفياً تمّ من خلاله صهر الاجيال في بوتقة التطلعات إلى الإذهار المعرفي النوعي وذلك بالإستناد إلى العلل الحقيقية والقواعد الأساسية التي أسّسها الأولون وأكمل التالون استيعابها وصقلها بكل ما يحتاجه الزمكان .

إنّ أساس بناء المجتمعات ببناء المعارف، فإذا لم تكن المعارف متجذرة في النفوس فلن تتحّول إلى قيم ومبادئ ثابتة بل إنها تبقى على ما هي من الرداءة بل إنها تنحدر وتتسافل نحو الهاوية حتى تصل إلى الحضيض. وأما اذا كانت هناك حركة تفاعلية بين المفاهيم وتطبيقها في عالم الخارج تسامت تلك النفوس برفيع المبادئ والقيم التي يتقولب بها الفرد فتعمل عملَها في ذاته .

وخلال نظرة فاحصة إلى طريقة الإمام علي في الحياة فقد كانت تلك القيم تعيش في ذاته ولم تتخلّف تحت أي ظرف من الظروف الإجتماعية أو السياسية ، بل نرى التماسك الطبيعي لتلك الحركة الذاتية في سلوك الإمام بحيث تتميّز تلك الشخصية المصقولة بالمواهب الربانية بميزات رهيبة وخاصّة وهذا ما يجعلها تتميّز عن أقرانها وتسلك السبيل لوحدها لتكون في كل زمان رمزاً عالياً ينفذ إلى القلوب وتهوي إلى دربه كل نفس كُتب لها الفوز العظيم .
ولست هنا بصدد تِعداد القضايا الجوهرية التي أبرزتها تلك الشخصية بقدر ما أريد بيان القاعدة الأصل التي انطلق منها ذاك الإمام العظيم في رفع مستوى البشرية برفع نمط حياتها وسلوكها والحفاظ على كينونيتها
ومن يعرف تلك الشخصية العظيمة حق معرفتها ويعي المواقف التي خاضتها في سبيل بقاء الدين والإسلام والحفاظ عليهما ويتحرك مع كلّ متنفّسٍ لها عجب إلى ما سيؤول إليه النظر والفكر عندما يتأمل تلك الحركات والمواقف ذات الخط الرسالي المعبّر والذي يرسم على جبين البشرية العزة والكرامة والشجاعة والعنفوان  الحب  المودة والعلم والعمل بحيث لا تنقطع كل تلك المعاني والمثاليات وتبقى محلّقة في جميع الأزمنة والأمكنة تنشد لها من يندمج فيها اندماجاً  يذزب ذوباناً فتتوحد تلك الصفات مع تلك المعاني لتتوّج المؤمن المشايع لتلك الحركات والمواقف بتاج الإيمان المستقر الذي لا تزعزعه العواصف ولا تحرّكه القواصف .
فلا يتمكّن اليأس بعد هذا من أن يتسلّل إلى النفوس العاليات التي تربّت على هذا النهج الإيماني العلوي ، وإنما تتصاعد الحركة الإيمانية من الداخل والخارج بفضل الإلتزام بالمنهج علماً وعملاً .

وهكذا عندما يتأتى للإنسان أن يتعرّض للمواهب الربانية والنفحات القدسية في أيام هي عند الله تعالى بمثابة المفاتيح للوصول إلى المعرفة من خلال الإتصال بأحب الخلق إليه والدعاء في البقاع والبيوت التي يحبها الله وقد جعلها مهبطاً لملائكته ومحلاً لميزاب رحمته وعنواناً لقبول دعوته، عندما يتأتى له ذلك فقد نال السعادة المطلقة " إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ولا تعرضوا عنها".

وتتجلى كل تلك العظمة القدسية عندما نقف في أشرف البقاع وندعو الله بفنون الدعوات ونعترف له بالعبودية والطاعة والمسكنة والخضوع والخشوع في ظلال تلك البيوت الرفيعة بيوت محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وبيوت الأئمة من بعدهم ..عندها نكون قد وصلنا أرواحنا بروح الله تعالى عبرهم ومن خلالهم حيث هم الوسيلة والدرجة الرفيعة لا يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق فاز من اعتصم بهم وضلّ من خالفهم وسعد من والاهم ..لأن ولايتهم هي ولاية الله وطاعتهم طاعة الله والإتصال بهم إرتباط مع الله لا ينقطع .

من هنا ندرك عظيم ما أراد الله منّا إذ أمرنا بالتوجه إليه والدعاء والطلب منه في يوم عرفة سواء في بيته الحرام ام في حرم أمير المؤمنين أم في كربلاء العشق ..لا لشيء إلا لأن هذا اليوم هو عند الله من أفضل الايام وتطالعنا الروايات حول الخصوصية والعطاء الإلهي الخاص في مثل هذا اليوم لزوّار أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء سلام الله عليه حيث جاء:
عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع‏ليه السلام
إنَ‏ اللَّهَ‏ تَبَارَكَ‏ وَ تَعَالَى‏ يَتَجَلَّى‏ لِزُوَّارِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ‏ عليه  السلام
قبْلَ أَهْلِ عَرَفَاتٍ وَ يَقْضِي حَوَائِجَهُمْ وَ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ وَ يُشَفِّعُهُمْ فِي مَسَائِلِهِمْ ثُمَّ يَثْنِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ فَيَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ. 
كامل الزيارات ؛ النص ؛ ص165

وليس فوق هذا التجلي والعطاء ما يمكن تصوّره ..إنه عطاء الله الذي لا ينفذ ولا يحدّه حدّ وهو من نصيب أولئك الذين قوّضوا أنفسهم من أجل الله وإصلاح أمر آخرتهم فكان أن رسمت لهم السماء الطريق الموصل إلى عناية الله الدائمة والرعاية المطلقة.
وكما أننا بحاجة إلى الأدوات الظاهرية في حياتنا العادية لبلوغ الأهداف كذلك فإن العنايات الإلهية لا تنال بالتمني بل تحتاج إلى أدوات من النوع حتى نبلغ الهدف الحقيقي الذي أراده الله منّا وكما ان السفر الماديّ بحاجة إلى مقدمات من جنسه فإن السفر إلى الله أحوج إلى تلك المقدمات الموصلة وإننا لا نجد أقرب من محمدٍ وآله الطاهرين للوصول الى تلك الغاية 
فهم الدليل إلى معرفة الله والمسلك إلى رضوانه والمائز الحقيقي بين المؤمن وغيره ممن لا يحمل في قلبه روح الإيمان .
نسأل الله تعالى أن يبلّغ روح عليّ والحسين سلاماً لا ينقطع مادام الليل والنهار وأن يحيينا حياة محمد وذريته ويميتنا مماتهم ويتوفنا على ملتهم وأن يجعل في قلوبنا نوراً نهتدي به في الظلمات إلى ولاية محمد وآله الأطهار.
      ```````````````````````
*_من جوار أمير المؤمنين _النجف الأشرف*
*يوم الجمعة ١/٩/٢٠١٧  الساعة الخامسة صباحاً.*


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/02



كتابة تعليق لموضوع : *النفحات القدسية تتجلى في يوم عرفة بين عليًّ والحسين*
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net