صفحة الكاتب : د . اسامة محمد صادق

الطلياني ...رواية الشذوذ والعري
د . اسامة محمد صادق
بعد أن اعلن الروائي عبدالخالق الركابي في موقعه (الرواية الأن ) عن خبر فوز الروائي  التونسي ( شكري المبخوت) بجائزة البوكر العالمية عن روايته (الطلياني ) شرعت فورا باقتنائها الكترونيا من خلال الموقع ذاته وبدأت بقراءتها ضمن منهج خاص مكثف ..استمر لمدة ستة أيام  ...خلصت إلى هذه القراءة الانطباعية ...
تبدأ الرواية عند وفاة والد البطل (عبدالناصر ) وبالتحديد عند قبره وأثناء مراسيم تلقين المتوفى من قبل الشيخ (علالة الدرويش ناظر مسجد الحي ) الذي ما ان انتهى حتى شرع (عبدالناصر )  بضربه وتحطيم وجهه مما جعل الجميع في حيرة وحرج من هذا التصرف  والذي لم يكشف عنه إلا في نهاية الرواية تقريبا..
ثم تبدأ الأحداث الأخرى بتقنية  الفلاش باك عن طريق الراوي العليم وهو احد أبطال الرواية وصديق الطلياني الذي لا يتوانى بتقديم أي مساعدة يحتاجها  وقد استطاع الروائي وبحبكة تقليدية ، ولكنها متقنة أن يجعل منه راويا (يوهم  بموضوعية ما يروى) في الظهور فما أن يختفي حتى تجده يخرج لك (ويزيل الغموض التي يحصل للقارئ ثم يعاود الاختفاء من جديد ) .
حكاية الحب التي جمعت (عبدالناصر) طالب الحقوق من سكّان تونس العاصمة ، الايدلوجي اليساري والذي لديه كل المؤهّلات ليصبح بورجوازياً، لكنه يتعاطف ليكون (بروليتاري رثّ ).و( زينة ) طالبة الفلسفة الأتية من  إحدى القرى البربريّة بالشمال الغربي المتمردة على واقعها بسبب (بورقيبة الذي جعل النساء مُستَقِوِيات على الرجال والآباء والإخوة).
تنتهي القصة بزواج لا يعلم به اهل (زينة) وأهل (عبدالناصر ) إلا شقيقه ( صلاح الدين ).
 يبدأ الزواج  قويا متماسكا سرعان ما يغلب عليه طابع التعنت من قبل  زينة لأفكارها وإهمالها بحجة دراسة (التبريز)   و“التبريز” في الفرنسية يعني  التجميع والموسوعية، والهدف منه انتقاء أجود المدرسين بعد إخضاعهم لتكوين صارم على يد كبار الأساتذة في البلد ليكونوا بعد التخرج بمثابة مراجع لأقرانهم.
 لقد أخذت هذه الدراسة من (زينة)  كل شيء بما فيه الطفل الذي كان يحلم به عبدالناصر ويطلبه  و سارعت على إجهاضه، ليفشل الزواج على آثر فشل دراستها الغير متوقعة والمتعمدة من احد الأساتذة ، فتترك تونس لتلتحقوتتزوّج شيخاً المانيا يعمل باحثاً في إحدى الجامعات الفرنسية لا تكنّ له أيّ احترام..
ما بين الحب والزواج ثم الطلاق تتفرع قصص كثيرة أخرى منها مشوقة ومنها مملة وجميعها تخضع لإدانة القيم الاجتماعية ، والسلطة ، وتفسخ المجتمع التونسي ورجال السياسة ، والصحافة ورجال الدين ولم يبقى شيء لأرث تونس الخضراء العريقة بحضارتها ونموها وتطورها إلا وأصابه ( شكري المبخوت ) عن طريق ( الطلياني ) بالضياع والتشرذم والتفسخ من عصر بورقيبة وبن علي فالإسلام السياسي ، وكل ما يمثله الوجع التونسي باستمرار .حتى تجد وأنت تقرأ الرواية ان أحداثها وبالتحديد ما يخص المرأة في الرواية مثلا (زينة ، نجلاء ، للاجنينة ، ريم  تخضع لصورة الجنس  والخمر والسهر يصل إلى حد الشذوذ) كأن الأحداث تدور في بلد اجنبي (ماجن) يجعل من المرآة دائما عاهرة ..والأمثلة في الرواية كثيرة.
•    الأمام الحاج الشاذلي أمام جامع الزيتونة الصغير التقي المتفرغ للصلوات تفرغا تاما، الصوفي الذي يحفظ الأناشيد الدينية على الطريقة القادرية، ابنته (للاجنينة ) اليتيمة المدللة لم تتوانى بممارسة الجنس مع شقيق البطل (صلاح الدين ) ثم ما تلبث ان تمارسه مع (الطلياني ) وهو صغير حتى بلوغه سن (18) وما أن يتركها حتى تبدأ تمارسه مع فتيان الحي . 
•    (زينة ) في بداية حياتها وهي صبية في القرية تتعرض إلى اعتداء جنسي تحت وطأة التخدير فلم تجد أحدا تتهمه سوى اقرب الناس اليها لتعود وبعد زمن فتمارسه بكثرة قبل زواجها من (عبد الناصر)  .
•    (نجلاء) صديقة زينة المطلقة تتعرف على (زوجها عبدالناصر ) ثم ما تلبث حتى تقيم معه علاقة ماجنة (من لهو وعبث وسكر وجنس)  ولم يبرئ فراش زينة بغيابها وبعلمها و(نجلاء) من تخبرها بذلك دون أن يثيرها بل وتتغاضى عنه !!.
•    (نجلاء) تخسر علاقتها مع (عبدالناصر ) بعد طلاقه من (زينة) للتحول إلى عاهرة  تجامع  كبار المسؤولين والسياسيين عن طريق صديقتها (الحلاقة) .
•    (ريم )الشابة الصغيرة المتزنة طالبة كلية الفنون يسعى (الطلياني) للتعرف عليها بشتى الطرق والأساليب من خلال ملاحقتها في كل مكان حتى يتسنى لك كقارئ ان البطل ليس هو الصحفي البارع الذي يعمل في  جريدة حكومية ومراسل فذ لوكالة أجنبية من يملك الوقت ليقوم بهذا العمل الصبياني وما ان يظفر بها حتى تستجيب له طواعية .
•     (سي حميد ) رئيس العمل يُتهمْ بعد صعود (عبد الناصر) إلى مناصب كثيرة ومهمة ومنها أن يكون مراسل لصحيفة (فرانكفورتية) بأنه كان (رجل مثلي شاذ) .
•    في حين يتبين لنا وفي نهاية الرواية أن سبب ضرب عبدالناصر للشيخ أثناء دفن أبيه تعود لحادثة لعبدالناصر وهو صغير حاول فيها الشيخ علالة الدرويش أن يمارس اللواط معه لأكثر من مرة .
•    تناولت الرواية مواضيع فكرية واقتصادية ودينية وسياسية مهمة بأسلوب شيق وسلس يمكن القارئ العادي من فهمها دون العودة اليها ثانية في حقبة زمنية مهمة في تونس وأنها نجحت في توظيف التقنيات السردية ،وتعدد المستويات السردية ، وتوظيف الحوار الفكري وتسليط الضوء على الفكر الماركسي ، وعلى الراديكالية ذات التوجه الصلب والمتطرف ، ونظام الكمبرادور ، الطبقة البرجوازية التي سرعان ما تتحالف مع رأس المال الأجنبي ومقارنتها مع ساسة تونس، البروليتاريا الرثة مواطن الطبقة الأقل الذين يعيش من بيع مجهوده ويحاول البطل (عبدالناصر ) أن يخالطهم ويفشل ..ونجحت أيضا  في  توظيف شخصيات اجتماعية عالمية بارزة مثل عالمة الاجتماع الألمانية اليهودية (حنا أرنت)، وأرسطو وكتب المنطق (الاورغانون)، وأورفيس الموسيقي والأسطوري الإغريقي كل هذا وغيرها من أحداث الرواية الرئيسية جعلتني كقارئ أن تكون حصيلة الانطباع النهائي إنها رواية الشذوذ والعري والمجون وضرب كل القيم الاجتماعية الموروثة  .
 
الدكتور أسامة محمد صادق

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . اسامة محمد صادق
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/07/24



كتابة تعليق لموضوع : الطلياني ...رواية الشذوذ والعري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net