النهضة الحسينية مدرسة الأجيال الأبدية
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي

إنَّ المعاهد والجامعات ومراكز العلم ، لابد لها من وجود مؤسس ٍ ومقنن ، يقوم بعملية وضع القوانين والمناهج العلمية والمواد التي تفرض على الطالب دراستها في مجال تخصصه ِ ، ومن خلال هذه المراحل الدراسية ، يتم عملية الارتقاء والصعود بالسلالم العلمية والمطالب الفكرية.
مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) أخذت القوانين والأسس من الله تعالى فهي واقعة في طول التخطيط الإلهي لتكامل البشرية ورفع مستوى العقل البشري لفهم المقاصد والأهداف الأساسية في الشريعة الإسلامية المقدسة ، والعقيدة الحقة.
المدرسة الحسينية هي التي تقوم بمهام التربية للأجيال ، وهي التي تقوم بمسؤولية الحفاظ على الإنسانية من الانحراف والهلاك والانهيار ، فهي التي تعطي للبشرية درسا ً حقيقيا ً للحياة السعيدة حيث يكون الإنسان عزيزا ً ، ومتجردا ً عن جميع مظاهر التذلل والخضوع لقوى الكفر والإلحاد الظاهرية والباطنية .
وهي التي تجعل نبض الحياة مستمرا ً فها نحن نرى الإمام الحسين (عليه السلام) يعطي الدروس في التقوى والطاعة والعشق الإلهي واللقاء بالمحبوب ، حيث جعل يحث الأمة على جعل الحق والطاعة لله تعالى والأيمان بالآخرة هو الحاكم في حياتها ، رسم كل ذلك في سماء الدنيا وخطها بدمائهِ الزاكية وبقيت خطاباته باقية ما بقي الوجود .
(( وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها )) (1)
جعل الإمام الامام (عليه السلام) يرسم تلك الخطوط العريضة لخط الأيمان والولاية التي استمدت الفيض من الولاية الإلهية ، فخط الأيمان بعالم الآخرة الذي هو كشف الستار والحاجزية المرتبطة بعالم المادة والطبيعة . والدخول في نشأة أرقة وأسمى بكثير من النشأة الدنيوية ومعنى ذلك هو أن الحياة في عالم الطبيعة ليست هي العلة التامة وليست غاية ً وهدفا نهائيا ً في حياة الإنسانية وإنما هي عبارة عن مقدمة وتمهيد وإعداد للعالم الأخروي .
الحياة في هذه النشأة تشبه حياة الجنين فهي ليست هدفا ً لوجود الإنسان ، بل هي محطة تكاملية ، من أجل عالم اخر ووجود ثان .
فالامام الحسين (عليه السلام) أراد أن يبين للعالم باعتباره معلما ً ربوبيا ً قد استمد قوته العلمية من العالم الغيبي فهو من الأساتذة الإلهيين المرتبطون بعالم الغيب ، إن الجامعة والمعهد الحسيني قد حيرت الأفكار ، وأذهلت العقول ,و أدهشت الألباب.
يقول محمد حسين آل كاشف الغطاء طاب ثراه :
(إن نهضة الامام الحسين (عليه السلام) تلقي على العالم دروس في العزة والإباء والاستهانة بالظالمين المتجبرين وقمع الباطل بجميع مظاهره والدفاع عن المبدأ والعقيدة ، بقيام الامام الحسين (عليه السلام) كان هو إلقاءً على الواعين بتلك الدروس والأخلاق الفاضلة والإنسانية الكاملة والسجايا العالية والملكات الزاكية وكل ما جاء به القرآن والسنـّة من الخلق العظيم والنهج القويم ولكن جاء بها القرآن قولا ً وطبقها الامام الحسين(عليه السلام) عملا ً وأبرزها للناس يوم الطف عيانا ً ، أتريد أن تعرف ماذا صنع الامام الحسين (عليه السلام) يوم الطف ؟
أنظر إلى القرآن الكريم فإن أقصى ما طلبه من العباد في باب الجهاد هو الجهاد بالنفس والمال فقال تعالى : ( جاهدوا بأموالكم وأنفسكم )) (2)
و الامام الحسين (عليه السلام) لم يقنع بهذا حتى جاهد بماله ونفسه وأولاده وعياله وأطفاله والصفوة من صحبه وأسرته صنع الامام الحسين (عليه السلام) يوم الطف صنع العاشق الولهان فضحى في سبيل معشوقه كلما عزّ وهان ، كان الله تعالى مع الامام الحسين (عليه السلام) فأعزه الله وصار ثأر الله في الأرض والوتر الموتور ، إن نهضة الامام الحسين (عليه السلام) لا تحصى أسرارها ولا تنطفئ أنوراها ولا تنتهي عجائبها ... وأعجزت عن الاحاطة بها كل كاتب وكاتب على مرّ الدهور ، وتمادي الأحقاب)) (3).
وقد أجاد كاشف الغطاء طاب ثراه في موضع آخر حيث وصف القيام الحسيني مع تلك الصحبة الصادقة بالعمل الربوبي ، والدروس الإلهية التي هي ليست أقوالا ً و ألفاظا ً.
فيقول قدس سره:
( ذلك اليوم ما كان عملا ً من أعمال الأنام وحادثة غريبة من حوادث الأيام بل كان عملا ً ربوبيا ً ، وطلسما ً إلهيا ً ، نعم هي دروس إلهية وتعاليم روحية أملاها على جوامع الجبروت وصوامع الملكوت لأجيال الأبدية ، وأحقاب السرمدّية وأعقاب البشرية أكبر أستاذ إلهي ومعّـلم ربوبي مع سبعين نفر من أهل بيته وخاصته وخريجي جامعته ، ما فتح الدهر سمعه وبصره على مثيل لهم قط.
وقفوا ضحوة من النهار على تلال الطف فألقوا على الأملاك والأفلاك والأرض والسماء والأنس والجن دروسا ً طاشت لها الألباب وذهلت عندها البصائر ذاك لأن تلك الدروس ما كانت أقوالا ً وكلمات وألفاظا ً وعبارات بل كانت أعمالا ً جبارة وتضحيات قهارة وعزائم ملتهبة ، خاضوا لجج غمرات البلاد شعلا ً نارية بل نورية إلتمع منها في آفاق الأبدية سطور تسجل احتقار هذه الحياة مهما كانت شهية بهيّة وتبرهن إنها مهما غلت وعزّت فهي أرخص ما يبذل في سبيل المبدأ وأهون ما يبذل في طريق الشرف والكرامة وسمّو العقيدة ونبالة الذكر الخالد والمجد المؤبد)) (4).
المصادر :
1- بحار الأنوار ج44 ص192 ط2 مؤسسة الوفاء بيروت.
2- التوبة آية 41
3-جنة المأوى ص206 الطبعة الاولى بتصرف
.4- جنة المأوى ص208 الطبعة الاولى بتصرف.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat