كان يوم جمعة حين زرت أحد الأشخاص في منزله من أجل الاتفاق على شراء سيارته، دخلنا المنزل وهناك في أحد زوايا غرفة الضيوف شاهدت صورة كبيرة لشاب صغير، باسم الثغر يلوح بالأماني، في عينيه بريق حياة لم تتجاوز العشرين عاماً، كان بعمر أخي المدلل الذي يعيش طفولته إلى الأن في حجر أمي، ضاق صدري واجتاحني شيء من الحزن قبل أن يعود صاحب الدار بالماء والشاي، أنتبه لي وأنا اطالعها وقد ذهب بنظره إليها وطفق يفضفض بنبرة حزن وأسى : " محمد، أخي الصغير، حبيب قلبي، لقد اشتقت له كثيراً، استشهد في ميدان الشرف بعد ستة أشهر من زواجه وقبل سنة من الأن، أتذكر تلك الليلة جيداً، حين أصر على المشاركة في صفوف الحشد الشعبي، كانت المرة الأولى التي أراه فيها مصراً وعازماً على فعل شيء ما، قال لي يا أخي لا استطيع أن اتجاهل ذلك الصوت، ففي كل يوم اسمعه مراراً، أسمع صوت سيدي وإمامي الحسين عليه السلام ينادي (ألا من ناصر ينصرنا ..) ولطالما تمنيت أن يكون لي موقف شبيه بموقف سيدي علي الأكبر أو القاسم عليهما السلام، دعني يا أخي، دعني ألتحق بركب الإمام الحسين عليه السلام قبل أن يذبحه شمر اللعين .. لم أستطع الصمود أمام دموع عينيه وأرادته التي ما لمحت انكساراً فيها .. ذهب محمد بكل ما فيه من الشباب، تاركاً زوجته وكتبه المدرسية واصدقاءه وريعان شبابه، ولكنه سرعان ما عاد، عاد أخي الى حضن أمي، وعينا زوجته اللتان ما ألفيتهما إلا ورمتان منذ رحيله.
لم استطع دون أن تنهال دموعي سكباً وأنا اراه يقص باكياً والشوق يملئ عينيه وقد اقترب من صورة أخيه واضعاً يده عليها وهو يقول: "كان باسماً حتى لحظة موته، أخي الذي حلم بشهادة طبٍ ينقذ فيها ارواح المئات من الناس في صالة مشفى -توّج بشهادة عزٍ دافع فيها عن حياة الملايين في ميدان حرب، ذاك هو أخي الذي لم يبق لي منه سوى هذه الصورة وقد نال برحيله الكثير .. ذاك هو أخي الذي استقبل الوحي رصاصة تنبئه بفوز عظيم، أخي الذي صوّب شبابه وبراءته نحو عدو هرم وشيطانٍ رجيم .. فداك سيدي أبا عبد الله فقد سمعك تناديه وما أشرف هذا الالتحاق، فداك يا وطن، فكم محمد ذهب صعوداً .. نعم صعوداً، ولم يسقط أرضاً كما يقول الكثير بل صعد شهيداً الى الفردوس الأعلى."
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat