صفحة الكاتب : محمد السمناوي

شرح الخصلة العاشرة من الرواية : ( يوكل الله به ملكا يزعجه في قبره)
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ورد عن الائمة من أهل البيت عليهم السلام أنهم قالوا: ( لا يعذب في القبر كل ميت، وإنما الذي يعذب من جملتهم من كان محض الكفر، ولا ينعم كل ميت ماض لسبيله، وإنما الذي ينعم منهم من كان محض الإيمان محضاً، فأما سوى هذين الصنفين فإنه يلهى عنهم)(1).

وكذلك روي أنه لا يسأل في قبره إلا هذان الصنفان خاصة، أما كيفية عذاب الكافر في قبره، ونعيم المؤمن فيه، فقد ورد أيضاً بأن الله تعالى يجعل روح المؤمن في قالب مثل قالبه في الدنيا، في جنة من جنانه، ينعمه فيها إلى يوم الساعة ، فإذا نفخ في الصور أنشأ جسده الذي بلي في التراب، وتمزق، ثم أعاده إليه وحشره إلى الموقف، وأمر به إلى جنة الخلد، فلا يزال منعماً ببقاء الله عز وجل .

غير أن جسده الذي يعاد فيه لا يكون على تركيبه في الدنيا، بل يعدل طباعه ويحسن صورته فلا يهرم مع تعديل الطباع، ولا يمسه نصب في الجنة ولا لغوب .

ولهذه الجهة قالوا في علم الفلسفة عبارة" لا تكرر في الوجود"(2)، فكل شيء موجود له خصوصياته وهذه الخصوصيات لا توجد في غيره، ولذا أنكر منكرهم المعاد الجسماني وقالوا:" أن المعاد الجسماني مستحيل"، كما ذهب صدر المتألهين الشيرازي في أسفاره وجملة من الأخرين(3)، في أن هذا الإنسان الموجود في هذه النشأة إذا كان يريد خلقه مرة أخرى استبعاد عوده بهذا الهيأة للأجزاء البدنيّة، مع خصوصيات متغيرة ليست عينها بل تكون متشابهة من هذه الجهة كما قالوا، وهم بذلك بالنتيجة قد خالفوا نص القرآن الكريم كما في قوله تعالى:"بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ"(4).

والكافر يجعل في قالب كقالبه في الدنيا، في محل عذاب يعاقب به، ونار يعذب بها حتى الساعة، ثم ينشأ جسده الذي فارقه في القبر، ويعاد إليه، ثم يعذب به في الآخرة عذاب الأبد، ويركب أيضاً جسده تركيباً لا يفنى معه(5).

وقد قال الله عز وجل : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)(6).

لا شك ان هناك بعض الأمور تنفع المتوفى في اول ليلة من دخوله القبر، كالجريدة مثلاً، وفي هذا الشأن روى عن الصادق عليه السلام : ( أن الجريدة تنفع المحسن والمسيء: فأما المحسن فتؤنسه في قبره، وأما المسيء فتدرأ عنه العذاب ما دامت رطبة، ولله تعالى بعد ذلك فيه المشية )(7).

ومما ينبغي الإشارة إليه ان المؤمن او الكافر كلاهما عندما يموتان فانهما يعرض اعمالهما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووصيه يعسوب الدين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، وبعدها يحدد كيفية العذاب أو النعيم وكل يأخذ استحقاقه من النعيم والعذاب .

فعن الإمام الباقرعليه السلام: ( ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أمير المؤمنين عليه السلام وهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته على العباد. فذلك قوله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(8)(9)، وقريب منه ما رواه زرارة عن بريد العجلي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: ( اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) فقال : ما من مؤمن يموت ولا كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي فهلم إلى آخر من فرض الله طاعته على العباد )(10).

وعن الصادق عليه السلام قال: ( ان العبد إذا دخل قبره وفزع منه يسأل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقال له: ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين اظهركم فان كان مؤمناً قال اشهد انه رسول الله جاء بالحق فيقال له ارقد رقدة لا حلم فيها ويتنحى عنه الشيطان ويفسح له في قبره سبعة اذرع ويرى مكانه من الجنة وإذا كان كافراً قال ما ادري فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله الا الإنسان ويسلط عليه الشيطان وله عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له انا اخوك ويسلط عليه الحيات والعقارب ويظلم عليه قبره ثم يضغطه ضغطة تختلف اضلاعه عليه)(11).

ان المؤمن عندما يدخل في عالمه الجديد بعد خروج روحه من جسده تتجسد الأعمال التي كان يعملها في دار دنياه فيحتاج اليها، وهكذا الكافر فما من عمل محرم، أو ترك واجب، وتضييع حق من الحقوق التي فرضت عليه ولم يأتي بها وكان متهاوناً مستخفاً بها كترك الصلاة إلا أوكل الله به يزعجه في قبره، فلا يجد راحة في ذلك، بينما المؤمن سوف يجد من يعيده في قبره في كل ليلة وإلى يوم القيامة خصوصاً من كان يذهب الى عيادة المريض، وفي هذا المعنى ورد فيما ناجى الله به موسى عليه السلام أنه قال : ( يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الأحياء ؟ قال: أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره )(12).

وعن الصادق عليه السلام: ( من عاد مؤمنا في الله عز وجل في مرضه، وكل الله عز وجل به ملكا من العواد، يعوده في قبره ويستغفر له إلى يوم القيامة )(13).

وعنه عليه السلام: ( من عاد مريضا من المسلمين، وكل الله جل وعز به سبعين ألفا من الملائكة، يغشون رحله يسبحون فيه ويقدسون ويهللون ويكبرون إلى يوم القيامة، نصف صلاتهم لعائد المريض )(14).

وكذلك من قرأ سورة من القران الكريم وكل الله به المئات من الملائكة تصلي في قبره، وكل عمل يعملونه يعود ثوابه إليه فيالها من نعمة الهية عظيمة يحضى بها المؤمن وهو في مرقده .

ففي ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام قال: ( من قرأ سورة الذين كفروا لم يرتب أبدا ولم يدخله شك في دينه أبداً ولم يبله الله تعالى بفقر أبداً ولا خوف من سلطان أبداً ولم يزل محفوظاً من الشك والكفر أبداً حتى يموت فإذا مات وكل الله به في قبره ألف ملك يصلون في قبره ويكون ثواب صلواتهم له ويشيعونه حتى يوقفونه موقف الآمن عند الله تعالى ويكون في أمان الله وأمان محمد صلى الله عليه وآله وسلم(15).

حتى الأرض تكون فرحة مستبشرة في استقبال المؤمن في المحطة الاُولى من نزوله في قبره فعن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ( ان المؤمن اذا خرج من بيته شيعته الملائكة إلى قبره، يزدحمون عليه، حتى اذا انتهى به إلى قبره، قالت له الأرض: مرحبا بك واهلا ً، اما والله لقد كنت أحب ان يمشي علي مثلك لترين ما اصنع به، فيوسع له مد بصره، ويدخل عليه في قبره ملكاً القبر وهما قعيدا (16) القبر منكر ونكير، فيلقيان فيه الروح إلى حقويه(17) فيقعدانه ويسئلانه فيقولان: من ربك ؟ فيقول: الله، فيقولان: ما دينك ؟ فيقول: الإسلام فيقولان ومن نبيك ؟ فيقول: محمد فيقولان: ومن امامك ؟ فيقول: فلان. قال: فينادي مناد من السماء صدق عبدي افرشوا له في قبره من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة والبسوه من ثياب الجنة حتى يأتينا وما عندنا خير له ثم يقال له: نم نومة عروس نم نومة لا حلم فيها )(18).

كما ان اول عمل يدخل إلى قبر المؤمن هو الصلاة، واذا كان الميت لا يصلي أو كان متهاوناً فيها مستخفاً بها فقد ورد في ذلك الأخبار من العذاب في القبر والإزعاج من قبل بعض من أوكلهم الله تعالى في انزال العقوبات .

فقد روى ابن محبوب عن محمد بن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : يدخل على الميت في قبره، الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، والبر والدعاء)(19).

وفي خبر طويل عن الإمام علي عليه السلام اقتطف منه ما يصف فيه حال المؤمن والكافر في أول ليلة من نزوله في ملحودة قبره فيقول عليه السلام: ( فاذا ادخل قبره اتاه ملكان وهما فتانا القبر يجران اشعارهما وينحتان الأرض بأنيابهما واصواتهما كالرعد العاصف وابصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول: الله ربى ومحمد نبيي والإسلام ديني فيقولان ثبتك الله بما تحب وترضى وهو قول الله تعالى: ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) فيفسحان له في قبره مد بصره ويفتحان له باباً إلى الجنة ويقولان له نم قرير العين نوم الشاب الناعم وهو قوله أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً واحسن مقيلاً ) واذا كان لربه عدواً فانه يأتيه أقبح خلق الله رياشاً وانتنه ريحاً فيقول له من انت؟ فيقول له انا عملك ابشر (فنزل من حميم * وتصلية جحيم) وانه ليعرف غاسله ويناشد حامله ان يحبسه فاذا ادخل قبره اتياه مفتحيا القبر فالقيا اكفانه ثم قالا له من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فيقول لا أدري فيقولان له لا دريت ولا هديت فيضربانه بمرزبة ضربة ما خلق الله دابة إلا وتذعر لها ما خلا الثقلين ثم يفتحان له باباً إلى النار ثم يقولان له نم بشر حال فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج حتى ان دماغه يخرج مما بين ظفره ولحمه ويسلط عليه حيات الأرض وعقاربها وهوامها فتنهشه حتى يبعثه الله من قبره وانه ليتمنى قيام الساعة مما هو فيه من الشر)(20).

وكذا من كان محباً لأهل البيت عليه السلام فان قبره يكون محلاً لهبوط الملائكة، ويحصل على البشارة من الملكين منكر ونكير بالجنة، ويزف الى الجنة، ويفتح له من قبره النوافذ المؤدية الى النعيم، هذا لمن يموت على حب محمد وال محمد صلى الله عليه وآله.

فقد ورد : ( ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة . ثم منكر ونكير . ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له بابان في قبره إلى الجنة(21) ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة)(22).

وعن سويد بن غفلة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث إذا وضع المؤمن في قبره-: «ثم يفسحان- يعني الملكين- له في قبره مد بصره، ثم يفتحان له باباً إلى الجنة، ثم يقولان له: نم قرير العين، نوم الشاب الناعم، فإن الله عز و جل يقول: (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا)(23).

المصادر

[1] المسائل السرويّة: الشيخ المفيد: ص 63. تحقيق : صائب عبد الحميد الطبعة : الثانية سنة الطبع: 1414 - 1993 م - الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

[2] وهو المراد بقولهم : " لا تكرار في التجلي " و " إن الله لا يتجلى في صورة مرتين " . بداية الحكمة"، السيد الطباطبائي، ص ٢٨.

[3] ومنهم الشيخ الغزالي قد صرح في كثير من مواضع كتبه ان المعاد الجسماني هو ان يتعلق المفارق عن البدن ببدن آخر واستبعد بل استنكر عود اجزاء البدن الأول ، "الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة"، ج ٥، صدر الدين محمد الشيرازي ( صدر المتألهين )، ص ٢٠٧.

[4] سورة القيامة/الآية:4.

أنظر: الكافي 3 : 245 ح / 6، 251 ح / 7 .

[5] سورة غافر : الآية : 46 .

[6] الوسائل ج 2، الباب 7 من أبواب التكفين، ح 10 ، ص 738 . المستدرك، ج 2 الباب 6 من

بواب الكفن: ح 3، ص 214.

[7] سورة التوبة: الآية: 105 .

[8] التفسير الصافي: ج2، ص 430.

[9] تفسير نور الثقلين: ج2، ج3، ص 292.

[10] تفسير الصافي: ج4، ص 99.

[11] بحار الأنوار: 81 / 217 ح 11 عن ثواب الأعمال: 231 ح 1، الوسائل: 2 / 634 ح 7، الكافي: 3 / 121 ح 9، الفقيه: 1 / 140 ح 387 .

[12] الكافي 3: 120 ح 4 .

[13] الكافي 3: 120 ح 5 .

[14] تفسير الصافي: ج5 ج6، ص 31.

[15] القعيد: بمعنى الجليس .

[16] الحقو: بمعنى الخصر.

[17] تفسير نور الثقلين: ج2، ج4، ص 99.

[18] الوسائل، ج 5، الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 10.

[19] تفسير القمي: ص4.

[20] ذكر العلامة الحلي طاب ثراه : ( فتح له في قبره بابان: باب إلى الجنة، وباب إلى الحساب ) انظر الرسالة السعديّة: ص 23.

[21] تفسير الكشاف: 2 / 339، كذلك ينظر: أرجح المطالب: ص 320، وفرائد السمطين: 2 / 49.

[22] [23] الكافي، ج3،232، سورة الفرقان: الآية: 24 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/10



كتابة تعليق لموضوع : شرح الخصلة العاشرة من الرواية : ( يوكل الله به ملكا يزعجه في قبره)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net