شرح الخصلة الثامنة من الرواية: (يموت جائعًا )
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي

بصورة عامة وشاملة أن مسألة موت الإنسان في حالة الجوع ينبغي أن تبحث من جهتين:
الجهة الأولى: الناحية العلميّة يعتبر الموت بسبب الجوع hungerأو التضور جوعاً هو عملية انخفاض شديد في المواد الغذائيّة، والفيتامينات واستهلاك الطاقة، وهو أكثر أوجه سوء التغذيّة حدةً عند البشر، حيث يمكن أن يؤدي الجوع لفترات طويلة تلفاً دائماً في أعضاء الجسم، ويؤدى في نهاية المطاف إلى الموت، والجوع هو من جنود الله تعالى سلطه الله تعالى على من يشاء من عباده.
الجهة الثانيّة: الجهة الوجدانيّة وهي أن الجوع عند الإنسان يكون وجدانيًا ومن طبيعته - الإنسان - ان يتذوق الطعام اللذيذ والشراب، لكن كيف يتذوق الجوع ؟
ويمكن أن يكون في مقام الجواب هو أن تذوق الجوع إنّما يطلق إذا بلغ بالإنسان مبلغاً يشعر به من صميم ذاته، وفي أعماقه، كالألم والمرض والخوف فانه وجداني، أي ان صاحبه يشعر به لا غيره، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى: (فَأَذاقَهُمُ الله لِباس الجوع والخَوف )(1)، فتذوق الجوع امر وجدانيٌ.
ثم ان الجوع يؤدي إلى الكسل والتعب، والضعف وقد يؤدي الى أمراض وموت في النهاية اذا كان لفترة طويلة، وتارة يكون الجوع محموداً والاُخرى مذموماً ومن مصاديق الجوع المحمود يمكن أن يذكر منه: -
أوّلاً: الجوع التعبدي كجوع الأولياء والصالحين، وترك الملذات من أجل الوصول إلى أسمى المقامات، وارتقاء بالعبادة، ويعتبر هذا القسم من الجوع من أجمل الوان التقوى والعمل الصالح، وحالات القرب الآلهي .
ثانيًا: الجوع بهدف تعلم العلم النافع فقد أوحى الله تبارك وتعالى إلى نبي الله موسى عليه السلام: يا موسى، اني وضعت ستة أشياء في ستة أشياء والناس يطلبونها في ستة اشياء اُخرى فلن يجدوه ابداً، اني وضعت الراحة في الجنة والناس يطلبونه في الدنيا فلن يجدوه قط، اني وضعت العلم في الجوع والناس يطلبونه في الشبع والوطن فلن يجدوه قط، اني وضعت العز في قيام الليل والناس يطلبونه في أبواب السلاطين فلن يجدوه قط، اني وضعت الرفعة والدرجة في التواضع والناس يطلبونها في التكبر فلن يجدوها قط، اني وضعت اجابة الدعاء في لقمة الحلال والناس يطلبونها في القيل والمقال فلن يجدوها قط(2).
وبالنتيجة يعتبر الموت في حالة الجوع من الآثار والعواقب التي ترافق الإنسان المتهاون في صلاته، ويمكن تصوير ذلك في صورتين:
الصورة الأُولى: فقد يموت الإنسان في لحظات احتضاره وليس بجانبه طعام، ويكون فقدانه سبباً في موته، فيفقد جسده الطاقة، ويتعرض إلى تلف في أعضاء جسده، وبالتالي الموت والهلاك.
الصورة الثانيّة: يمكن أن يكون الطعام متوفراً بجميع أنواعه وأصنافه، وما لذَّ وطاب، ومهما أكل المتهاون في صلاته منه فإنه يزداد جوعاً، وهذا له الكثير من النظائر والشواهد التاريخيّة، فكم من رجل يأكل الطعام الكثير، ولكنه لا يشبع، بل كان التاريخ يقول: من بعد ذلك كان هذا الرجل يأكل ويصيح ارفعوا الاكل عني، كلت اسناني ولم اشبع"، وقيل أنه كان يأكل في اليوم ذبيحة بمفرده، وقد دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله:" لا أشبع الله بطنك"(3).
وقيل أن الحجاج بن يوسف حاكم العراق عندما سئل ذات يوم عن طعامه وشرابه، قال أن بذل عجزت، وأن منع حزنت، وغير ذلك من الشواهد.
وبالتالي يمكن القول أن الجوع تارة يكون عذاباً وقد دلت الآية الكريمة في قوله تعالى: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )(4)، وقد يكون ابتلاءاً وامتحاناً، وفي هذه الفقرة يعتبر الجوع هو من أنواع العقاب الذي يصيب المتهاون في صلاته.
المصادر
[[1]] سورة النحل : الآية 112.
[2] شجرة طوبى : ج2، ص 222.
[3] صحيح مسلم - البر والصلة والآداب - من لعنه النبي صلى الله عليه ـ وآلـه ـ وسلم أو سبه أو دعا - رقم الحديث 4713).
[4] النحل: الآية: 112.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat