المجنون الذي يكلّم نفسه هو المقاتل الشرس الصبور، صرنا اليوم نفهمه بمعنى اخر، يقولون: إن الانسان يكلّم نفسه، ويكثر الكلام معها حين تكبر فيه عذابات الذاكرة الحية، او من الوله الداخلي مع النفس، وهناك من يراه هروبا الى الداخل والانزواء.
المعنى الآخر هو ان المقاتلين في لواء علي الاكبر عرفوا ان المقاتل ماجد عبد الحسين لا يتكلم مع نفسه كما تصورنا، وانما هو يمتلك قابلية التكلم مع الشجرة، وحين سألوه ابتسم وقال: من الجنون أن لا ندرك أن الشجرة إنسان مثلنا، المشكلة إنكم تنشغلون في المواجهة بالعدو، ولا تسمعون سوى ازيز الرصاص، ودويّ الانفجارات، او صراخ المقاتلين، وأنين الجرحى. ذات حرب وفي اول ساعات الصباح، هدأ القتال، فكان الصمت مدهشا بعد صخب المواجهة، سمعت أنينا قريبا مني، ولا احد في المكان سواها تقربت إليها سألتها ما بك، وإذا بصوتها يصرخ من الوجع: لا احد فيكم يدرك وجعي، امتلأ جسدي بشظايا الرصاص، ومن يومها تعلمت فن الاصغاء لوجع الشجرة، تعلمت لغة الشجر بإتقان، لغة تشبه اهات عاشق توله في غرامه وفي الحروب تشبه انين الثكالى.
كانت الشجرة الكبيرة القريبة من مواضعنا تقول لنا: صباح الخير حسبما يخبرنا ماجد، قالت لي الشجرة: تدري يا ماجد، ان الدواعش لا يقاتلون الانسان فقط، بل هم يثابرون ليحرقوا الشجر؛ كي لا تفكر شجرة منا يوما ان نحمي مقاتلا من الحشد من نيران القتل، ومن يومها كان ماجد ينصحنا ان لا نقاتل خلف شجرة.
تغير الحال حتى صرنا نخاف على الشجرة اكثر مما نخاف على انفسنا، عاتبته ذات يوم الشجرة قالت له: نحن خلقنا من اجل سعادة الانسان، ونحن على استعداد ان نكون حصنا منيعا لأي مقاتل جاء لينقذ شرف الشجر.
كنا نبكي حين تمتد يد داعشي ليقطف منا ثمرة، واليوم انا بعمق الانتماء شجرة عراقية تتنفس ظلّ الابناء، المهم اصبحنا نؤمن بقابلية ماجد ومن خلاله صرنا نتعرف على احاسيس الشجرة وتنبؤاتها بأي هجوم او تعرض. للشجر عين تبصر اطياف الغد، وتلك حقيقة، وذات هجوم، كان التحصين جيدا والمعركة اشرفت على النصر، وانكسار الدواعش، وفجأة سقط ماجد بيننا دون حراك، تفحصنا جسده لا جرح فيه، خرجنا من مواضعنا لنرى الشجرة تحترق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat