رواية ( الجائحة ) وبعض التوضيحات .
ايليا امامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ايليا امامي

* ورد في كتاب الغيبة للشيخ النعماني رحمه الله ، عن أبي المرهف قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : (( هلكت المحاضير. قال : قلت وما المحاضير ؟ قال : المستعجلون ، ونجا المقربون، وثبت الحصن على أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم، فإن الغبرة على من أثارها، وأنهم لا يريدونكم بجائحة إلا أتاهم الله بشاغل إلا من تعرض لهم )) .
* عندما تقرأ هذه الرواية .. في الوقت الذي يتم تصنيف فايروس كورونا من قبل منظمة الصحة العالمية كـ ( جائحة ) ترتسم في ذهنك ثلاثة مفاهيم :
١. أن الرواية ذكرت كلمة (جائحة) المتطابقة مع الوصف الطبي الحديث للوباء .. فالرواية إذن تتكلم عن الأمراض حصراً .
٢. أن هذه الجوائح المقصودة في الرواية من تدبير البشر وهذا يعزز فكرة ( المؤامرة ) .
٣. أن الرواية تكلمت عن كيفية مكافحة كورونا عبر الحجر المنزلي .
وهكذا يتم الترويج للرواية وكأنها تتكلم عن فايروس كورونا .. وأنها من الأخبار الغيبية للأئمة عليهم السلام .
* ولكن .. لأجل توضيح الصورة بشكل أفضل يلزمنا الحديث عن ثلاثة أمور :
* المعنى الأشمل للرواية .
* معنى الجائحة .
___________________
أولاً : المعنى الأشمل الرواية .
* قال الإمام عليه السلام ( هلكت المحاضير ) والمحضار والمحضير وصف للفرس شديدة العدو والركض ، ومن هنا فسر المحاضير بأنهم المستعجلون .. الذين يتعاملون مع ظهور الإمام وكأنه سيحصل يوم غد .. فيركضون مع كل حدث ويسهل خداعهم .
* الاستعجال الذي حذرت منه روايات كثيرة .. يوقع الفرد في المتاهات .. فقد ينصر هذا على أنه اليماني .. ويقاتل ذاك على أنه السفياني .. ويصبح في دوامة الصراعات وطاعة الآخرين بشكل أعمى .. و قد يضحي بكل صدق وإخلاص .. ثم يفهم في نهاية المطاف أنه تم استغلاله .. وقد يموت تحت راية يعتقد أنها الراية الموعودة .. لانه تشبع بفكرة قرب الظهور خلال أيام أو شهور معدودة .
* ولكن هل الأفضل عدم توقع الظهور ؟ بالتأكيد كلا .. لابد لنا من التوقع .. وبدون هذا الأمل الذي يوقد النفوس .. كيف سنعمل ؟ وبأي طاقة إيجابية سنتحرك ؟ ومن هنا يكمل الإمام ( ونجى المقرِبون ) اي من يقولون ( قريب إن شاء الله ) ويعملون بهذا الرجاء ولا يستبعدونه .. وإنما .. من دون الاستعجال والانضمام لأي راية تستغل مشاعرهم المهدوية.
* وقوله عليه السلام ( وثبت الحصن على اوتادها ) لها أكثر من تفسير .. والتحقيق فيها طويل .. فالافضل تركها لوقت آخر .. حيث لا تؤثر على فهمنا العام للرواية .
* وقوله ( كونوا أحلاس بيوتكم ) أحلاس مفردها حلس .. وحلس البيت بساطه الذي يوضع تحت الحصير .. فيكون ملتصقاً بأرضية البيت عندما تكون من التراب الرطب .. كما نرى في هذا الزمان من لايملك تكاليف الأرضيات الفاخرة .. يضع طبقة من الأسمنت .. فوقها ( نايلون ) ليمنع الرطوبة .. ثم يفرش السجادة .
فالحلس بمنزلة النايلون الملتصق بالأرض .. وقولهم ( الرجل حلس داره ) تشبيه دال على شدة ملازمته للدار وعدم خروجه و تدخله في الاحداث العامة .
* فالمقصود من الرواية : أن المؤمنين سيمرون بأحداث تتصارع فيها سياسات وأيديولوجيات كثيرة .. وبعضها _ من السنة والشيعة _ سيستخدم ورقة الارتباط بالامام المهدي أو التمهيد له .. وغير ذلك من العناوين .. وبعضها الآخر يستخدم عناوين أخرى كالديمواقراطية وحقوق الإنسان .
فكلما كان الانسان مستعجلاً في الركض نحو هذه العناوين والاستجابة لها .. كان أقرب للهلاك .. وكلما كان متأملاً للفرج ولكنه حلس بيته .. يتأكد من الخطوة قبل اتخاذها .. ومن الراية قبل الانضواء تحتها .. كان أقرب للنجاة .
* ثم يقول ( فإن الغبرة على من أثارها، وأنهم لا يريدونكم بجائحة إلا أتاهم الله بشاغل إلا من تعرض لهم )
والجائحة في اللغة الشدة ( أصيب الرجل بجائحة ) أي بشدة وبلاء .
* بمعنى أن الله تعالى ضمن لكم الحفظ والصيانة أمام الجوائح .. بشرط أن لاتعرضوا انفسكم للأذى .. ولاتدخلوا كل مصارعة .. وترموا بانفسكم في كل حدث .. ومن يصنع أزمة ستعود نتائجها عليه .. فلا تبادروا لصنع الأزمات .. أو تكونوا وقوداً لمواجهات غيركم .. وبحسب تعبير الإمام الباقر ( أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر ) .
* ويبقى أن نشير .. بأن هذا الأمر .. مختلف عن موضوع الدفاع عن النفس والدين والعرض الذي تتكلم عنه روايات أخرى.. لكن المهم أن لاتتحول الطائفة الإثني عشرية المنصورة .. الى فكر زيدي قائم على الاقتتال في كل الأحوال .
* ومحصل ذلك .. أن الرواية لاتختص بالحديث عن المرض بل تتكلم عن منهج متكامل للطائفة الحقة في تعاملها مع الأزمات .
ثانياً : معنى الجائحة :
* بعد أن عرفت أن الجائحة هي الشدة التي تجتاح الفرد أو المجتمع .. فأنت تدرك أنها الكلمة المناسبة لتترجم لنا معنى الوباء العالمي .
* تستخدم منظمة الصحة العالمية كلمة ( pandemic ) وهي كلمة يونانية مركبة من جزئين ( pan ) بمعنى الكل و ( demos ) بمعنى الناس .. ومن هنا أخذت كمصطلح طبي يشير الى الأمراض الشائعة عالمياً وفي وقت واحد ( التي تجتاح العالم كله ) .
* وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن أهم معيارين ليتحول المرض الى جائحة هما :
١. أن ينتقل الفيروس من كونه مرض أُصيب به أفراد قلة إلى الانتشار العالمي الذي تصعب السيطرة عليه .
٢. انتقاله بالعدوى ما بين البشر.. من فرد إلى آخر مباشرة .
* عام 2009 م قال المدير العام المساعد للأمن الصحي والبيئة لمنظمة الصحة العالمية د. كيجي فوكو : من الممكن تقريب فكرة الجائحة بأنها إندلاع عالمي .
* والجوائح الفايروسية تحصل منذ مئات السنين وتتطور بشكل مستمر أدى الى القضاء على ملايين البشر .. من الطاعون الأسود .. الى الجدري .. الى جوائح العقدين الأخيرين ( الإيدز / ميرس / سارس / الجمرة الخبيثة / أنفلونزا الخنازير ) وغيرها .
* ومن هنا اتضح لك .. أن الرواية تتكلم عن الجوائح التي تستهدف المؤمنين بشكل عام سواء أكانت قتلاً أو مرضاً (الطاعون الأحمر والطاعون الأبيض ) ولا علاقة لها بالأوبئة .
ويتضح أيضاً بأن أنسب كلمة عربية تستخدمها المنظمة لترجمة اجتياح الوباء العالمي هي ( جائحة ) .
الخلاصة : نحن لا ننفي أو نثبت أن المرض من تدبير هذه الدولة أو تلك .. ونترك الجدال في هذا الموضوع للمهتمين .. ولكن المؤكد أن محاولة تفسير الرواية بأنها تتكلم عن هذا المرض أو الحجر المنزلي .. أمر لاصحة له إطلاقاً .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat