المقدَّسات العلمانيَّة
د . عباس عبد السَّادة شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عباس عبد السَّادة شريف

كثيرًا ما نتلقَّى هجماتٍ شديدة اللِّهجة من السَّادة العلمانييِّن (بكلِّ تمظهراتهم) في موضوع المقدَّسات، وشعار لا مقدَّس، والمقدِّسون رجعيُّون، و و و ممَّا اعتدنا عليه منذ سنواتٍ.
وما أن تدافع عن قضيَّة تراها من ثوابتك العقديَّة حتَّى تنهال عليك الانتقادات (الخفيفة، والمتوسطة، والثَّقيلة)، وينبري بعضهم بالشَّتائم، والاستهزاء، وتتبَّخر كلُّ شعارات قبول الآخر، واحترام الرَّأي، وقداسة الإنسان فحسب.
وإذا كانت العلمانيَّة تبيح لنفسها انتهاك مقدَّسات النَّاس تحت شعار لا مقدَّس، وتطبيقًا لفكرة جاك دريدا في (إعادة تموضع الهامش والمتن)، أفالتزم العلمانيُّون بهذا الشِّعار (المقدَّس) أم أنَّ لديهم مقدَّساتٍ من نوع آخر؟
جرِّب أن توجِّه نقدًا ما لشيء يحبُّه علمانيٌّ (وقد تعمَّدتُ استعمال الفعل يحبُّ)، وانتظر الردَّ المزلزل الَّذي تعجز عن قياسه مقاييس الزَّلازل.
فعلِّق باعتراضٍ، أو بيان خطأ في كتابةٍ لأحدهم، وانتظر الردَّ، أمَّا إذا جاءك (على الخاصِّ) فارتدِ (كمامةً) وأنت تقرأ، أو تسمع سيل الشَّتائم.
أو ذمَّ الخمر عند علمانيٍّ يحتسيها (وليس كلُّهم يحتسيها)، لترى حجم الدِّفاع المقدَّس عن (البطل) المقدَّس.
وجرِّب أن تفنِّد رأيًا لعليِّ الورديِّ، أو شريعتي، وانظر كيف تجد الرَّجلين مقدَّسين جدًا، فمن أنت لكي تنتقدهما؟ وما حجمك؟ وهل تصل ذرَّةً من علمهما؟
أمَّا لو حاولت أن تكشف حقيقة الشُّذوذ الأخلاقيِّ عند جان جاك روسو، أو ميشيل فوكو، أو غيرهما مم فلاسفة (التَّنظير الغربيِّ) فتكون قد كفرت، وهيِّيء سمعك لقاموسٍ من الشَّتائم لم تسمع بها من قبلُ.
ووصل الأمر إلى أنَّ عازفةً اعترفت بنفسها أنَّها لم تكن تعلم بقدسيَّة مدينة كربلاء، وعندما علمت أصرَّت أن ترتدي عباءة وحجابًا في طريقها من الفندق إلى المطار، ولكن الإخوة العلمانيُّون كانوا عازفين أكثر من العازفة في نفي قدسيَّة كربلاء، والمقدَّس البديل هو آلة العزف، وما ظهر من جسد العازفة.
وصار كلُّ من يوجِّه نقدًا لثوابت الدِّين مقدَّسًا عندهم، وليس من حقِّك أن تدافع عن عقيدتك، ولكن من حقِّ العلمانيِّ أن يسِّفه كيف يشاء بالعقائد، والثَّوابت المقدَّسة.
وليس آخرها التَّقديس الأعظم لفتاةٍ هتفت هتافًا ظالمًا لملايين من بني الإنسان، يشهد لهم الإنصاف بمواقفهم في كلِّ ميادين الشَّرف، ولم يكتفِ العلمانيُّون بتقديس تلك المدفوعة، بل راحوا يضعون تأويلاتٍ لهتافها، وكأنَّه آية قرآنية شريفة، أو مقطعٌ من نهج البلاغة.
ولا يسمح الوقت بالحديث عن تقديس حادثةالوثبة، أو اغتصاب بنت عمرها ثمان سنوات، فهذا يحتاج منشورًا مستقلًّا لنرى العجب العجاب.
فيا أخي العلمانيَّ ما دامت مقدَّساتك لاحدَّ لها، لماذا تحارب التَّقديس؟ أم أنَّ تقديسكم من ذهبٍ، وتقديسنا من نحاسٍ؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat