صفحة الكاتب : صالح الطائي

السلفية تقف على أعتاب بوابات التغيير الثوري فاحذروا
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
"الحكم لله" أول مقالات الخوارج وأكثرها شهرة وانتشارا وأشدها وقعا وتدميرا، كانت الكلمة التي أذنت بولادة الفكر الإسلامي المتطرف على يد "القرّاء" أشد الناس تمسكا بقشور الإسلام في مرحلة نزاعه مع الذات وصراعه للبقاء سليما من التحريف نظيفا من دنس حب الدنيا بريئا من الولوغ في دم الأبرياء معرضا عن الشهوات، والمتتبع لجذور هذه الفرقة  التي أطلق عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسم "المارقة" يجد أن أكمل وأجمل وأوضح وأعقل واشمل وأوجز رد عليها كان قول الإمام علي عليه السلام: "كلمة حق أريد بها باطل" وهاتان الكلمتان ترجمتا على أرض الواقع حرفيا. 
ترجم الخوارج الذين كانوا وليدا خديجا نتج من علاقة سفاح بين فتنة مقتل الخليفة عثمان (رض) وحيلة وغيلة "رفع المصاحف" في صفين مشروعهم الفكري بمقالتهم تلك، وكشفوا دموية مشروعهم بقولهم لعلي عليه السلام يوم صفين: "أجب إلى كتاب الله وألا دفعناك برمتك إلى القوم وفعلنا بك كما فعلنا بابن عفان، إنه غلبنا على أن يعمل بكتاب الله فقتلناه" وكانوا هم دعاة التحكيم، ثم لما أتضح لهم سوء عملهم رفضوا إتمام الصفقة، وحينما خرج ممثله إلى المفاوضات جاء اثنان منهم إلى الإمام علي، فقالا: تُب عن خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم، فقال لهم: " قد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً وعاهدناهم " فقال أحدهم: ذلك ذنب ينبغي التوبة عنه، فقال الإمام: "ليس بذنب، ولكنه عجز في الرأي وقد نهيتكم " فقال الثاني: لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك، أطلبُ بذلك رحمة الله ورضوانه، فقال له الإمام: "تباً لك ما أشقاك، كأني بك قتيلا تسفي عليك الريح"
ثم لما تبيّنوا الخطأ الجسيم الذي وقعوا به، لم يتوبوا عن فعلتهم كما يفعل العقلاء ولم يندموا على تفريطهم بوحدة الإسلام وخذلان خليفة المسلمين المنتخب رغم أنه عاملهم بأفضل مبدأ في الوجود وبما لا يوجد له مثيل في كل العصور يوم قال لهم: "إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا الفيء ما دمتم معنا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا، وننتظر فيكم أمر الله" ولكنهم خرجوا وانحازوا بعد التحكيم إلى منطقة تدعى "حروراء" فنزلوا بها وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً وهم يرددون: "البيعة لله عز وجل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأمر شورى بعد الفتح"
ومقابل مقالتهم الأولى تلك التي افتتحوا بها حياتهم ترجم الإمام علي رد الفكر الإسلامي المستنير بقيم الرسالة والثابت على مباديء العقيدة بوصفه لها: "كلمة حق أريد بها باطل". فكانت هاتان الترجمتان إيذانا بولادة "الإسلامات" الجديدة من الإسلام الأول الذي يمثله الإمام.
كلتا المقالتين الباطل والحق / الفعل ورد الفعل،  أذنتا بولادة المشروع النزاعي داخل البيت الإسلامي وبداية الصراع الدموي الذي سيقود الأمة المسلمة في العصور اللاحقة إلى الفتنة والفرقة لاستحالة جمع الأضداد في بوتقة واحدة مهما كان الصانع أو الصائغ ماهرا متمكنا من صنعته، وهو النهج الذي روج له الفكر الخارجي وطبقه على أرض الواقع عمليا، فتراهم يتحرجون رغم جوعهم الشديد عن أكل حبة تمر سقطت تحت نخلة مثمرة لأنهم لم يجدوا من يدفعون له ثمنها أو يستأذنوه بأكلها، ويلهو احدهم بقوسه فيقتل خنزيرا مر بهم، فيلوموه ويعنفوه على ذلك ويذهبون إلى صاحب الخنزير وهو رجل كتابي فيطلبون غفرانه ويدفعون له عوضا يفوق ثمن الخنزير كثيرا لكي يرضى عنهم، ولكنهم لا يتحرجون عن قتل عبد الله بن الصحابي الجليل خباب بن الأرت وقتل أمه وبقر بطن زوجته وقتل ثلاثة نسوة من طي كن معهم بدم بارد لمجرد أنه رفض  الطعن بالإمام علي. 
ومن خلال محاولة جمع الأضداد حاول الخوارج النفاذ إلى عقل الأمة وسلب إرادتها الحرة لقولبتها وفق مبدأ الازدواج، فتراهم في نفس الوقت يقاتلون عليا عليه السلام ويلعنون معاوية، ثم يكيدون للإمام للحسن عليه السلام ولكنهم يقاتلون في صفوف جيشه ضد جيوش معاوية، ثم تراهم يحملون سيوفهم على عواتقهم ليحاربوا معاوية بعد توليه الحكم والفكر الأموي بعد انتشاره، ليصبح قتال المسلم الآخر واحدا من أهم فقرات مشروعهم التخريبي.
إن الأمة المسلمة تبعا للمشروع الإلهي للكون موعودة بديمومة حراك هؤلاء، فبعد معركة النهروان وقتال الإمام علي عليه السلام لهم وقتلهم جعل الناس يقولون: "الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم" فقال الإمام علي: "كلا والله إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء،فإذا خرجوا فقلّ ما يلقون أحداً إلا ألبوا أن يظهروا عليه"
فهل قصد الإمام بقوله هذا أنهم قدر مكتوب على هذه الأمة؟ ولماذا لم يلتفت المؤولون إلى هذا القول ولم يتعاملوا معه بما يستحق؟ هل أن تغلغل الفكر الخارجي في فكر المنظومات المذهبية الإسلامية هو الذي حال بين الأمة وبين فهم هذا المقال على حقيقته أم أن التخندق الفئوي هو الذي حال بينهم وبينه؟ وإذا حالت الغشاوة بينهم وبين فهم هذا المقال من قبل فلماذا لم يرجعوا اليوم عن غيهم بعد أن لمسوا لمس اليد أن الخوارج إذا " خرجوا فقلّ ما يلقون أحداً إلا ألبوا أن يظهروا عليه"؟
لقد أثبتت الروايات التاريخية أن فكر الخوارج بقي مثابرا ونشيطا عبر التاريخ وأنه وجد في حقب معينة من يعتني به ويضع له النظريات الداعمة كما فعل ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب وعلماء آخرون لا يقلون عن هؤلاء أهمية وتأثيرا ليلبس ثوبا جديدا هو ثوب السلفية.
ولقد أثبتت الوقائع المعاصرة أن فكر الخوارج (السلفية) يبدو اليوم واحدا من أقوى المشاريع الحركية في الساحتين الإسلامية والعالمية، وانه لا زال على نهجه الأول مع بعض التغيير في مفردات المشروع حيث تحولت مقولة "الحكم لله" إلى نظرية "التشريع لله" لتقف قبالة الدعوات الديمقراطية التي يرفعها الشباب في ثورات ربيع العرب كما وقفت بالأمس ضد مشروع الصحوة الذي قاده الإمام علي بحثا عن ربيع الإسلام، أو للتحول تلك المقولة إلى قانون "حاكمية الله" وتتخذ قاعدة لرفض قيام الثورات العربية من الأساس باعتبار أن الديمقراطية تخالف حاكمية الله لأنها تجعل الشعب مرجع التشريع  بينما "التشريع لله" وباعتبار أن الثورة خروج على طاعة ولي الأمر، وشرعهم يمنع ذلك حتى ولو أوجع ولي الأمر ظهرك وسلب مالك! ولكن النتائج الباهرة التي حققتها الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن دفعتهم وفق مبدأ الازدواجية الموروث للإسهام بشكل فاعل في هذه الثورات بالخفاء، ومع أن خبراء الحركات الإسلامية الغربيين  ومنهم "لوتس روغلر" الألماني الجنسية  يستبعدون تمكن السلفيين من تحريك الثورات  ويعتقدون أنهم لا يمثلون مركز ثقل فيها إلا أن حسابات البيدر تثبت أن هؤلاء الخبراء أغفلوا جانبا مهما وهو أن السلفيين يمكنهم  تجيير مكاسب الثورات لمصلحتهم وفق موروث الازدواجية مستعينين بمنهجيتهم التكفيرية التي ترفض الرأي الآخر، وأن دعوات رجال الدين السعوديين خاصة والسلفيين عامة ومنهم الزعيم الروحي للحركة السلفية في الجزائر الشيخ عبد المالك رمضاني الذين تحدثوا مطولا عن "حكم المظاهرات الشرعي" ثم أفتوا بحرمتها باعتبار أنها خروج على ولي الأمر، وإن الديمقراطية مخالفة للإسلام، لا تلبث أن تتحول إلى مشاركة دموية متى ما أتيحت الفرصة لهم، وأنها المسؤول الأول عن الدماء البريئة التي سفكت خلال الثورات ولا زالت تسفك هنا أو هناك لأن ازدواجية هؤلاء تتيح لهم التعاون مع الشيطان لنصرة معتقدهم وما به يؤمنون، وأنهم حتى في البلدان التي نجحت الثورات فيها ممكن أن يتحولون إلى سيوف تبطش بالجميع مستغلة حالة الفوضى والانحلال التي تمر بها البلدان، ولذا لا استبعد قيامهم بوقف العمل بشعاراتهم التي تتعارض مع الثورات والانتخابات كما فعل الشيخ القرضاوي وعدنان العرعور ليعلنوا عن إسهامهم الفعلي في الثورات تحت شعارات مرحلية جديدة عسى أن تخدمهم هذه الشعارات وترفعهم إلى كرسي السلطة وحينها لكل حادث حديث. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/01



كتابة تعليق لموضوع : السلفية تقف على أعتاب بوابات التغيير الثوري فاحذروا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net