في لحظات المواجهة مع الموت، تمر أمام عينيك كل تواريخ حياتك، كل لحظة عشتها او تأثرت بها، فاغتنم ما شئت من تفاصيل تودع بها الحياة.. كنت منذ صغري أحمل عابساً في داخلي أمنية، أن أراه، أن أكون انا عابس في يوم ما، خرج ليواجه الموت وهم يهربون أمامه.
لا انكر على نفسي أن الموقف الذي أعيشه اللحظة صعب جداً، لكني مؤمن تماماً أن عابساً الذي فيَّ سيتحدى زخم الرصاص، عرفت مسألة مهمة اني كنت ابكي كلما يُذكر امامي موقف عابس، اكتشفت الآن اني كنت ابكي نفسي اللحظة، ابكي عابسي أنا عابس الكربلائي..!
كنت أتوّج بالدمع روحي؛ كي لا تتخاذل لحظة المواجهة، لا يهمني العدو ابدا لكن الذي يهمني الآن هو خوفي أن أموت دون عابس، وعابس يدرك ماذا اريد منه الآن، ان اصنع من بيجي التي امامي كربلائي انا، ان افرش محلة المخيم على وجه هذه المزرعة، ان اجعل من ادغالها رمالا..
المقرر ان ننهي هذه الادغال لنخرج الى الطريق العام، حيث هناك تنتظرنا حرب شوارع كبيرة، لكن ان نحاصر داخل هذه الادغال، فهذه هي مفاجئات الحرب.. نار كثيفة تحيطنا من كل جانب، حزم النار المحيطة بنا تقول: اننا محاصرون تماماً.
نهض عابس.. نهض فيَّ راكضا نحو (الشفل) وتم تشغيله، ورحت ساعيا لعمل ساتر يقينا الرصاص، تركوا كل شيء واستعدوا لمواجهتي، كان الرصاص ينهمر عليّ كالمطر، وأنا انتخي (عابس ـ حلو عابس حلو) اكمل الساتر، لا تخف مطرهم فهو مطر صيف، وعابسي يبتسم.
تذكرت احدى الاهازيج التي كنا نعرفها (هذا اليوم الچنه نريده) وابتسم، قد يثير هذا الموقف الكثير من الاعجاب، لكنه لا يثير عابساً ابدا، ربما يباغتوننا بموقف مواجه، لابد ان نكون على أُهْبَة الاستعداد، وانا مؤمن بأن كل مقاتل في الحشد استلّ عابسه ليواجه به الموقف، فهم اسود على السواتر، كنت طوال وجودي في خطوط المواجهة اذكرهم به، اقول لهم: استحضروه في كل موقف، حتى صار البعض يناديني باسمه: يا الله.. كم هو جميل اسم عابس تاج على الرأس، فهو لا يخشى الموت، ولا يعرف طعم اليأس، ولا يملّ او يكل مهما طال امد المواجهة.. المهم عنده أن يكون الحسين(عليه السلام) بخير.
اكتشفنا لحظتها ان العدو اقرب بكثير مما كنا نتصور، استطاع ان يحرق إحدى السيارات الحاملة لسلاح (الاس بي جي ناين) وهو سلاح فتاك لمواجهة السيارات المفخخة.
المهم صرت اخشى انفجار تلك الاسلحة.. استنهضني عابس، وإذا بي اقود الشفل لإطفاء تلك النيران وإخمادها بأكداس التراب، ثم سرعان ما تحركت لا اراديا لفتح ثغرة واخرج للشارع العام بمواجهة العدو، وتبعني المقاتلون الذين كانوا اساسا على استعداد نفسي لتلك المواجهة، وهذا يعني انهم تخلصوا من براثن الحصار، وتوجهوا لمحاصرة العدو في بيوت هي اساس اهداف سهلة.
وراح (الشفل) يتبختر في الشارع العام ليربك العدو، ويستقطب مساحة الرمي، فيكون صيداً لأسلحة المقاتلين.. انتهت المواجهة بالنصر المؤكد، لكن على ما يبدو ان عابسا اصيب.. لا ادري كيف كان الموقف لحظتها، لكني فتحت عيني وآنا جريح في المستشفى، سلامي الى جميع اصدقائي، قولوا لهم: سأعود قريبا اليكم، فعابس ما زال بخير.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat