صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

حوار مع القلم!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يبدو أن من الصواب أن نحاور القلم ونستبطن ما يعتلج في مواطن أعماقه , وما هية أفكاره وتفاعلاته , ولهذا حملت أسئلتي وتحدثت مع القلم , وبدأت معه بسؤال غريب!! 
فقلت: لماذا تكتب أيها القلم؟
قال: الجمرات تلد لهبا!!
قلت: وما علاقة ذلك بالسؤال؟
قال: الكتابة إعتلاج داخلي , وبركان ثائر في الأعماق , ولا يمكن لوعاءٍ أن يكتم أجيجه , لأنه سينفجر , والكتابة إنسكاب متواصل لهذا الإشتعال المتوقد أبدا في دنيا الكاتب.
قلت: لكن الكثيرون يكتبون.
قال: هناك مَن يكتبون وهناك مَن يمتهنون الكتابة , بمعنى يهينونها ويذلونها!!
قلت: وكيف يكون ذلك؟
قال: الكتابة حمم تمور في براكين الأعماق , تسبكها حرارة الوجيع على مواقد الوعي والإدراك العميق , فتندلق ساخنة سيّالة ذات أزيز تفزع منه السطور.
قلت: وعن أي كتابة تتحدث؟
قال: الكتابة الأصيلة التي تنخلع معها روح الكاتب ومهجته , ويكون فيها حيا خالدا في تيجان الكلمات وعروش العبارات , فالكاتب الأصيل يستولد ذاته , أو يلد من رحمها حيا متسرمدا في كلمات كالجمرات التي تتحدى الخمود.
قلت: تعني أن الكتابة إستنزاف طاقات الحياة؟
قال: إن الكاتب الحقيقي يموت مع كل كلمة يخطها , ويعيش في مواجعه التي تلاقحت في دنياه وأوجدت كياناتها المتميزة القدرات.
قلت: أيها القلم وكيف تعرف ذلك؟
قال: من الأصابع التي تمسكني , فالكتابة الحقيقية تكويني أنامل كاتبها وتحيلني إلى جمر ملتهب تصرخ من نيرانه السطور , والكتابة الباهتة , تشعرني بثقل الأصابع التي تمسكني , وتمدني بزمهرير الإرتجاف والإعتلال والذبول.
قلت: وبأيهما تأنس؟
قال: الأصابع المثقلة ببراكين أفكار ومفردات صاخبة متفجرة متناسقة متواشجة مع عروق الأكوان , رغم أجيجها الوقاد , لكنها تمنحني لذة الإبداع الفائق , وهذه حالة إدمانية وإنتشائية لا تماثلها نشوة في الوجود.
قلت: عمّاذا تتحدث؟
قال: لذة الكتابة والتزحلق على أديم السطور.
قلت: وهل في الكتابة لذة وأنت تصفها بالبركان اللّهاب؟
قال: الإحتراق ببراكين الأعماق الأجّاجة من أروع التجارب الإنسانية وأعظمها متعة وشعورا بالحياة.
قلت: التلذذ بالإحتراق  , يعني إنحرافا سلوكيا.
قال: أنظرها كما تريد , فالكتابة قد تكون مرضا , وإدمانا , وتعبيرا عن سلوكيات متنوعة كامنة في جيبنات الكاتب , ولكل كاتب دافعه الخفي وما يجلده من الأفكار وما يكويه من الجمرات , لكن الخلاصة المشتركة , أن الكتابة سلوك مترافق مع البشر منذ الأزل , وهي أصل الإبداع والرقاء والنماء المعرفي والفكري والروحي والنفسي , وبواسطتها بنيت الحضارات.
قلت: وماذا عنك؟
قال: أنا طيّعٌ وبي يسطرون
قلت: ولماذا هذا الإذعان؟
قال: إن الكلمة مسؤولية , وأنا شاهد على ما يكتبون , فالذي يقبض على مصيري عليه أن يُدرك بأن الكلمة حبلى بفكرة , والفكرة متصلة بينابيع ذات منطلقات وإرادات متباينة العطاء والغايات , ولكل غاية وسيلتها الظافرة بها , ولكل كاتب سبيله إلى مدائن ما فيه , فالكاتب يسكب ما يغلي فيه , ولا يدري في أكثر الأحيان لماذا يتشظى ويذوب ويمضي في متواليات الإندفاق الصخيب.
قلت: أصابني الدوار مما تقول , وما عدت قادرا على التواصل معك.
قال: الضوء الساطع يعمي البصائر قبل العيون , ومن الأفضل أن تتمتع بالعماء , والنوم السقيم , وعليك أن لا تستيقظ ولا تريم.
قلت وقد إرتعدت مفرداتي وإرتجفت أصابعي : أن القلم علينا رقيب.
وأطفأت مصابيح يقظتي , وتدحرجت فوق سفوح الإعتياد على الخمود , فحدجني القلم متأسفا , وكأنه شعر كان يجب عليه أن لا يبوح بما فيه ويعتريه , لأن البشر لا يسمع ولا يتبصر بالجوهر المنير.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/22



كتابة تعليق لموضوع : حوار مع القلم!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net