صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

استغاثةٌ من القلب ورجاءٌ قبل فوات الوقت الحرية والكرامة "26"
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

•      اليوم الحادي والأربعون للإضراب ...
في اليوم الأول من شهر رمضان الفضيل، يتجاوز إضراب الأسرى يومه الأربعين بيومٍ جديدٍ، وهم أشد ما يكونون عزماً ومضاءً رغم الوهن والتعب والإرهاق الذي أصابهم، والهزال وانحطاط القوى وزوغان الأبصار الذي حل بهم، إلا أنهم ماضون وعازمون، ويواصلون ولا يتراجعون، ويغذون الخطى ولا يترددون، فهي معركتهم الأصيلة التي لا يملكون خياراً غيرها، وهو سلاحهم الوحيد الذي به يقاتلون عدوهم، ويواجهون به جلادهم السادي وسجانهم اللعين، الذي يتمنى موتهم ويدعو الله أن يكون في إضرابهم حتفهم وزوالهم.
أربعون يوماً ويومٌ مضى على إضراب أبطالنا الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، أربعون يوماً طويلة ثقيلة مضنية متعبة مؤلمة قاسية، مرت دقائقها كسنوات، وساعاتها كدهرٍ ولياليها كأنها العمر كله، وما زال إضرابهم مفتوحاً على مصراعيه، ومرشحاً للمزيد والغريب والجديد والعجيب، وهو اليوم مفتوحٌ على الألم والمعاناة، وعلى الجوع والمرض، وعلى السقم والهزال، وعلى النحول والدوار، ولا ندري ماذا تحمل لهم الأيام القادمة، وماذا سيكون جديدها، أهو نصرٌ وفرجٌ، ويسرٌ بعد عسرٍ، وفرحٌ بعد ترحٍ، أم المزيد من العناد والعنجهية الإسرائيلية، التي تعني المزيد من الخوف والقلق، والإمعان في الرفض والإنكار، والتعذيب والتجريد والإهانة، ما يعني حكماً تزايد نذر الخطر واحتمالات الاستشهاد.
هل بقي الكثير بعد الأربعين يوماً فنصبر، أم أن ما بقي هو القليل، وما نتوقعه بعد ذلك هو الخطير، ولهذا نرى ضرورة مضاعفة الجهود، ورفع الأصوات، والعمل ليل نهارٍ لتجنب ما هو أسوأ وتجاوز ما هو أخطر، إذ أننا سنخسر الكثير باستشهاد أيٍ من الأسرى المضربين عن الطعام، علماً أنه ليس من حقنا أن نراهن أكثر على صبر الأسرى وقدرتهم على التحمل، ولا يجوز لنا أن نقاتل بضعفهم، وأن نجابه بجوعهم، وأن نهدد بتمزيق أمعائهم، وإن كان من حق الأسرى أن يستخدموا هذا السلاح بأنفسهم وبقرارٍ منهم، فإنه ليس من حقنا أن نلجأهم إليه أو أن نعتمد عليه ونتخلى عن الأدوار الأخرى، ونعطل أشكال المقاومة والنضال الكثيرة المتاحة للمقاومين الأحرار دون غيرهم من الأسرى والمعتقلين.
أمهات الأسري وذووهم، وأطفالهم وعوائلهم، لا يستطيعون الصبر على جوع أولادهم، ولا على معاناة أبنائهم، ولعل قلوب الأمهات تتفطر على فلذات أكبادهن الأسرى وهن يرون أن شهر رمضان الكريم قد حل وأولادهن جوعى وعطشى، يكابدون آلام الإضراب عن الطعام، ويعانون من سوء الأوضاع في السجون والمعتقلات، ولا يبدو في الأفق أمامهم فرجاً أو بصيص أملٍ ينهي معاناتهم، ويعيد إليهم حقوقهم، ويفرج عن القليل من هموهم، ويحقق لهم بعض مطالبهم، ولهذا تعلو الصرخة ويتعاظم الرجاء، ويجأرون إلى الله سبحانه وتعالى بالاستغاثة والدعاء.
أما وقد بلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع، وطالت أيام الإضراب وامتدت، فإننا نرفع الصوت عالياً ونصرخ، وننادي أصحاب الضمائر الحية وأحرار العالم، ونهز وجدان القادة والحكام، والملوك والرؤساء، العرب والمسلمين والمنتمين إلى بني الإنسان، ليأخذوا دورهم ويمارسوا سلطاتهم، ويضغطوا على الحكومة الإسرائيلية لتتعامل مع طلبات الأسرى والمعتقلين بمسؤوليةٍ وعقلانية، ولتعيَ وتفهم أن الذين تعتقلهم في سجونها إنما هم أسرى حرب، لهم حقوقٌ وامتيازاتٌ ينص عليها القانون وتحفظها المواثيق والمعاهدات، ولا يصح لدولة الاحتلال أن تخترقها أو تنتهكها.
لعل السلطة الفلسطينية برئيسها هي المسؤول الأول عن السعي بكل قوةٍ ومسؤوليةٍ لإجبار حكومة الكيان الصهيوني على القبول بشروط الأسرى والاستجابة إلى مطالبهم المشروعة، وهي قادرة على تهديده بما يوجعه، وتخويفه بما يؤلمه، ولعل ورقة التنسيق الأمني التي تملكها السلطة الفلسطينية معه هي الأقوى والأكثر فعلاً، وعليها أن تستخدمها اليوم في مكانها الصحيح ووقتها المطلوب، علماً أن هذه الدعوة لا تلغي وجوب إنهاء التنسيق الأمني مع العدو، ووقف كل أشكال التعاون الأمني التي تفيد العدو وتحمي أمنه، وتعود بالضرر على شعبنا ومقاومته، ولكننا نذكرها بواجبها تجاه شعبها، وبمسؤوليتها الكبرى تجاه الأسرى والمعتقلين، فهي مكلفة بالدفاع عنهم والحفاظ عليهم، وتحريرهم واستعادتهم وعودتهم إلى بيوتهم وأسرهم.
ويشارك السلطة الفلسطينية في القدرة والمسؤولية وإن كان بدرجةٍ أقلٍ، كلٌ من مصر والأردن، اللتان تستطيعان الضغط على حكومة العدو والتأثير عليه، وربما تملكان من أوراق القوة المختلفة ما يمكنهما من إرغامه على القبول، ودفعة للموافقة والإذعان، وعلى القيادة في البلدين أن تدركا أنهما مسؤولتان عن التقصير والإهمال، وأنهما تتحملان مسؤولية الأخطار التي قد يتعرض لها الأسرى، في الوقت الذي تستطيعان فيه بذل بعض الجهود لإرغام حكومة العدو على التنازل عن عنادها، والقبول بشروط وطلبات الأسرى، ولن يغفر الشعب الفلسطيني لهما ولا لغيرهما، في حال وقوع مكروهٍ لأحدٍ من الأسرى، علماً أن مثل هذا الأمر بات متوقعاً وممكناً مع توالي أيام الإضراب واستمرار العناد الإسرائيلي، وعليه فإن سرعة التحرك واجبةٌ، وقوة الضغط مطلوبة، والصدق في بذل الجهد والسعي نحول الحل لازمٌ.
ربما لا يعجب الأسرى والمعتقلين بياننا، ولا ترضيهم استغاثتنا، ولا يقبلون بصرختنا، ولا يوافقون على دعوتنا، إذ لا يأملون من غير الله نصراً وفرجاً، أو غوثاً وعوناً، فهو وحده الناصر المغيث، وهو سبحانه المعز المعين، ولا يرون أنهم في حاجةٍ إلى من يرى الظلم ويسكت، وإلى من يشاهد الجور ولا يعلو صوته مجاهراً بالحق وداعياً إليه، ولعل الأسرى يرون في هذه الاستغاثة ضعفاً، وفي هذا الرجاء عجزاً، في الوقت الذي يرون فيه أنفسهم أقوياء وأعزاء، وأقدر على المواجهة وأصبر على تحمل الأذى والصمود أمام أصناف التعذيب وألوانه، ويشعرون أن العدو أوهى من أن يواجههم، وأضيق نفساً من أن يجاريهم وينافسهم.
بيروت في 27/5/2017
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
moustafa.leddawi@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/05/28



كتابة تعليق لموضوع : استغاثةٌ من القلب ورجاءٌ قبل فوات الوقت الحرية والكرامة "26"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net