حين يكون المنجز الشعري واعياً لما يمتلك من إبداع حقيقي، يختار اسلوبيته المتميزة في حمل حيثيات الموضوع الى المتلقي عبر قنوات قادرة على الحضور، ومجموعة (أيها الصبح تنفس) آخر منجزات الشاعر المبدع (احمد جاسم العبيدي)، فهذه التجربة لها خصوصية بعث روح المعاصرة داخل بنية الأصالة بما يشكل ثورة في المنهج الانسني، واحياء الجمادات كأساس تقني يمنح القصيدة سعة من الدلالية
(وكــبّل الغدر أوداجا براثنه.. شَدّتْ على منفذ يفضي الى الذاتِ
فالطُم بكفّك وجه الليل ضلّلنا.. لم ندر درب الضحى بين المســـــــاراتِ) ص13
تقنية الأنسنة سعي أسلوبي لتقصي اثر المعنى ومنحه بعداً تأثيرياً في العمق المضموني:
(إن يثمل الوقت والأميال تكسبني
ما كنت يوماً لها أعني بإلحاحي
لا ترمِ ذنبك في اوداج ساقية
اجعلْ ربيعك مسكونا بأرواح) ص27
وهذه الأنسنة منحت شاعرها العبيدي امكانية ضخ القيم الجمالية لتهذيب مباشرة القصيدة العمودية، ولتبعد عنها التقريرية، فعملت على نثر المعنى داخل التجانسات الشكلية، بمعنى أنه تحرر تعبيرياً من انفلاتية النثر، وجميع هذه الاشتغالات المتنوعة بقيت داخل حدود الوزن والقافية، استخدم اسلوب تثوير الخطاب عن طريق الأنسنة، وبعث الروح في الجمادات:
(مذ برعم اليأس في قنباص أشرعتي
ألغيت لهوي وما جددت أشواحي
وباض قُبّرُ أوراقي بما حملت
تلك الأجندة في عشّ على راحي) ص30
تبرعم اليأس.. أخذت هذه الجملة طابع (النبتنة)، وفي الجملة الثانية نجد فيها أن القُبّر يبيض وكأنه عمل على (حيونة) القُبّر، والتثوير الذي نقصده هو التحديث مع الالتزام بروح القصيدة وجعلها أرضية خصبة للتوظيف الحداثوي، وارتقاء بمستويات التخاطب استثمار لعدة اساليب دلالية:
(حبي عظيم للخلاص، وخافقي
قرع الدفوف بجوقة الإنشاد
همٌّ تناوش أضلعي بمطارق
مذ بحت في ريقي على ميلادي) ص49
والتحديث لا يعني تغيير الشكل بقدر خلق اقناع مضموني متوهج مع حداثوية تركيب الجملة الشعرية، يعمل لصناعة خيال يخلق لغة أخرى، وهذا هو روح الابتكار. لقد رحل الشاعر الى ربه وهو يعاني النزوح القسري حيث جاء اجله في المحمودية واهل المحمودية اقاموا بالواجب فخير ما نهديه لشاعرنا هو قراءة سورة الفاتحة
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat