صفحة الكاتب : يحيى محمد

فلسفة الشر ونظرية عجز المادة الأصلية
يحيى محمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هل الله قادر على ازالة الشر؟ 
نعم.. لا.. نعم ولا!!
ترد نظريتان متنافستان حول فلسفة الشر، إحداهما ترى ان ما يحصل من شرور يعود الى حتميات الوجود، فالشر وارد لا محالة تبعاً لمقتضيات الحركة الوجودية، وكان الفلاسفة القدماء هم أول من أشار الى هذه الناحية تبعاً لتنزلات مراتب العلة والمعلول ومن ثم تناقص مراتب الوجود مقارنة بالمراتب العليا التامة، فالكل يغترف بقدر وعائه من بحر الوجود الفيّاض. والشر لديهم هو عدم وجود نسبي، او هو نقص في الوجود كما يلاحظ لدى مراتبه الدنيا او العالم الطبيعي الجسمي. وهو ما يعني حتمية وجود الشر، ويصدق عليه قاعدة (ليس بالإمكان أبدع مما كان) . ولا تختلف النظريات الحتمية الحديثة من حيث المبدأ عن هذه الصورة المجملة. فطالما كانت علاقات الوجود حتمية فالشر وارد لا مفرّ منه، سواء ارتكزنا على اصول ميتافيزيقية، او اصول مادية صرفة.
أما النظرية الثانية فتعود الى الرؤية الدينية التي تعتبر الشرور هي من فعل الله ومشيئته لغرض البلاء واختبار العباد في الدنيا، كالذي تشير اليه الكثير من النصوص القرآنية، وعليه نشأت فلسفة التكليف باعتباره مناطاً باختبار العباد، بما يتضمن من اركان؛ كركن النبوة والرسالة للتبليغ والقاء الحجة، وركن يوم الحساب المتمثل في الثواب والعقاب .
في قبال هاتين النظريتين نقدّم اطروحة ثالثة نعبّر عنها بنظرية (عجز المادة الأصلية). وهي ترى بأن ظواهر العالم وحوادثه مدينة في وجودها إلى القدرة الإلهية الشاملة، مع افتراض عدم خلق المادة المشتركة أو الأصلية للكون. فرغم أن قدرة الله هي أساس وجود العالم بمظاهره المختلفة، لكنها – في الوقت ذاته – لا تمثل علة لوجود هذه المادة.
ولا نقصد بالمادة - هنا - المعنى الفلسفي المتمثل بالهيولى، فالأخيرة هي مجرد قوة من دون وجود فعلي، ولا بالمادة بحسب التعريف العلمي لها، وبالتالي فما نقصده هو ابسط مشترك وجودي في الكون وان لم يكتشف علمياً بعد، فقد يكون عبارة عن نفس الطاقة، كما قد يكون هو اساس المادة والطاقة معاً، فحيث ان احداهما تتحول الى الاخرى، فقد يكون المشترك بينهما شيء ثالث يجعلهما يتحولان الى بعضهما البعض، مثل التحول المائي الى حالاته الثلاث الصلبة والسائلة والغازية، فكل حالة لا تعتبر اساس غيرها، بل ان وجود هذه الحالات مدين الى شيء اخر هو الاصل في وجودها، وهو الشيء المعبر عنه بجزيئة الماء (H2O). وهي الجزيئة المختلفة كلياً عن الحالات الثلاث الناتجة عنها. 
فعلى ضوء هذه النظرية ان بالامكان تفسير علة وجود الشر، ومثل ذلك علة تطور العالم واستحالة ان يتحقق الخلق دفعة واحدة. فكل ذلك يعود الى طبيعة المادة الأصلية التي يُجرى عليها التخليق والتطوير ضمن حدود ما تسمح به. فرغم ان قدرة الخالق وإرادته حقيقية غير مجازية – أي خلاف ما يعوّل عليه نظام الفلسفة والعرفان-، لكنها لا تتعدى طبيعة المادة التي تتشكل منها مظاهر الكون والحياة والتطور.
وللتمثيل على ذلك نتساءل: ماذا تكون النتيجة لو اننا دعونا مهندساً بارعاً في صناعة الطائرات الى أن يصنع لنا طائرة من حجر وطين لا غير؟ فهل سيجيب دعوتنا أم ان تحقيقها مستحيل كما هو واضح؟!
وبلا شك ان هذه الاستحالة غير معنية بقدرة المهندس وبراعته في الصناعة المذكورة، وانما معنية بقصور المادة الخام المعطاة له. وهو ما نقصده بعجز المادة الأصلية. فهناك استحالة ذاتية لكل ما يتجاوز طبيعة هذه المادة، مثلما هناك استحالة ذاتية تتعلق بخلقها من العدم المحض. 
والحال هنا اشبه بالاعيان الثابتة او الماهيات التي يتحدث عنها العرفاء، فكل ما نراه من نقص وشرور واختلاف انما يعود الى هذه الاعيان، وليس للمبدأ الحق إلا افاضة الوجود عليها، فلسان حالها طلب الخروج من الظلمة والعدم؛ فيجود عليها بقدر قابلياتها؛ لاستحالة العطاء أكثر من القابلية.
ويرد لدينا بهذا الصدد انواع عديدة للاستحالة، ومن ضمنها ما اشرنا اليه، وفي قبالها انواع الامكانات، وذلك كالتالي:
1ـ الاستحالة المنطقية: وهي التي تستند الى مبدأ عدم التناقض، فكل قضية تتضارب مع هذا المبدأ تعتبر مستحيلة منطقياً، فمثلاً ان الجمع الحاصل بين الواحد وآخر مثله لا يعطينا اكثر من اثنين، مهما كانت القدرة العقلية متوفرة، كالقدرة الالهية، والا وقعنا في الاستحالة المنطقية وتجويز التناقض.
2ـ الاستحالة العقلية: وهي قضايا تختلف عن الاستحالة المنطقية باعتبارها لا تتناقض مع مبدأ عدم التناقض، لكنها مع ذلك تعتبر من المستحيلات التي لا يصدقها العقل اساساً، مثل تولد الاشياء من العدم المحض او بدون سبب اصلاً، ومثل ان تكون لله قدرة على افناء ذاته..
3ـ الاستحالة الواقعية: وهي قضايا وان كانت ليست من الاستحالة العقلية لكنها مستحيلة ايضاً بحكم النظر الى واقع الشيء. مثل ان يتمكن الانسان من السفر في ارجاء الكون كله، وهو بهذه الصورة الجسمية. او مثل ان يعيش في الماء من دون وسائل مساعدة، او مثل ان يبقى حياً من دون رأس..
4ـ الاستحالة النسبية: وهي قضايا تتعلق بالامكانات الواقعية التي لم يتح لحد الان تحقيقها لاستحالة ذلك طبقاً للوسائل المتاحة، مثل سفر الانسان خارج المنظومة الشمسية.. ومثل القدرة على علاج جميع الامراض البشرية..
5ـ الاستحالة المفترضة: وهي قضايا لا تمتلك وضوحاً قطعياً حول استحالتها، بخلاف القضايا السابقة، لذلك تخضع للنقاش إن كانت تتضمن الاستحالة أم لا؟ كتلك المتعلقة بقضيتنا في البحث. وكنموذج عليها الخلاف الحاصل بين الفلاسفة القدماء والمتكلمين حول خرق السببية الطبيعية. ففي احتراق القطن بالنار مثلاً؛ يقول الفلاسفة إنه لو حصلت شروط الإحراق المادية كاملة لتحقق الإحتراق بدون توقف ولا تخلف. بينما يقول مخالفوهم، كالمتكلمين، إنه من الجائز أن لا يحصل الاحتراق حتى مع وجود كامل الشروط المادية، إذ يتوقف الأمر على الإرادة الإلهية بوصفها مختارة، لا بوصفها واقعة تحت أسر الضرورة العلية.
ومن حيث التحليل يعود الخلاف الاخير الى الخلاف المتعلق حول خلق المادة الأصلية المشتركة. كما يعود اليه الخلاف المرهون حول امكانية خلق الكون والحياة الى اخر غايتهما من دون تطور، بل دفعة واحدة، ومثل ذلك ازالة الشرور ابتداءاً مع حصول الغرض من الخلق. 
فهذه المسائل بعضها يرتبط بالبعض الاخر، والاساس فيها هو الخلاف المتعلق بحقيقة المادة الأصلية ان كانت مخلوقة ام لا؟ 
ولسنا نتحدث – هنا - عن ازلية حدوث العالم او ابتدائه، وانما نتحدث عن المادة الأصلية فحسب، فخلق هذه المادة او عدم خلقها لا يمنع كلا الفرضين السابقين. اذ بضرب الفروض مع بعضها ينتج لدينا أربعة لا غير، وكل واحد منها قائم في حد ذاته بغض النظر عن ترجيح بعضها على حساب البعض الاخر. فالترجيح لا يمنع الفرض.. وهي كالتالي:
1ـ المادة الأصلية مخلوقة مع ازلية الحدوث.
2ـ المادة الأصلية مخلوقة مع ابتداء الحدوث.
3ـ المادة الأصلية غير مخلوقة مع ازلية الحدوث.
4ـ المادة الأصلية غير مخلوقة مع ابتداء الحدوث.
ونظرة دقيقة لهذه الفروض تجعلنا ندرك بان الثلاثة الاولى منها معقولة بغض النظر عن مدى ترجيحنا القبلي لبعضها على البعض الاخر. ويبقى الفرض الاخير، فقد يوحي بانه غير متسق، فهو يعني ان المادة موجودة ومعطلة الى حين ابتداء خلق العالم. لكن ذلك الحال يصدق على مجمل خلقه ابتداء، فهو يعني التعطيل الالهي الى حين بدء هذا الخلق؛ بغض النظر ان كانت المادة مخلوقة او مستقلة غير مخلوقة، طالما افترضنا وجود القدرة التامة على ايجاد العالم.
وكما قلنا يترتب على قضية المادة الأصلية الخلاف المتعلق حول طبيعة القوانين الكونية والتطور ومشكلة الشر الوجودي. فلو كانت المادة غير مخلوقة لكان كل ما ذكرناه من طبيعة الخلق والتطور ومشكلة الشر؛ لا علاقة له بالقدرة الالهية بقدر ما له علاقة بامكانات المادة الأصلية غير المخلوقة، ولكان حال الاستحالة في تجاوز امكانات هذه المادة كحال الاستحالة المنطقية، وهي انها ليست نابعة من عجز القدرة الالهية، بل متعلقة بقصور المادة وضعف امكاناتها. 
فالتطور الكوني وطبيعة القوانين ومشكلة الشر كلها مناطة بالمادة المشتركة. فلو ان هذه المادة مخلوقة لما كانت هناك استحالة تتعلق بالخلق دفعة واحدة من دون تدرج وتطور، ومثل ذلك فانه لا توجد هناك استحالة تتعلق بازالة الشر ابتداءاً. بل على هذا الافتراض تصبح القوانين الطبيعية معتمدة كلياً على الارادة الالهية المطلقة كما يراهن على ذلك المتكلمون من امثال الاشاعرة وغيرهم. 
أما لو كانت المادة غير مخلوقة، فسيعني ذلك انها الشيء الذي يجري عليه الخلق والتكوين ضمن الحد الذي تسمح به طبيعتها، ومن ذلك ما تسمح به بعض قوانينها الطبيعية في الشرط المادي للتغير السببي، كالذي جاء في مثال احتراق القطن. كذلك كان لا بد من التدرج والتطور، ويصبح وجود الشر ضرورياَ خلال هذه العملية رغم عرضيته القابلة للزوال عند الاكتمال الوجودي. فالشر مرتهن بعملية التطور الموجهة، مثلما ان زواله خاضع لها حتى التكامل. وتشهد على ذلك التطورات غير المنقطعة للواقع الكوني والحياتي والعقلي، بل والاجتماعي ايضاً، فنحن البشر نخضع – بقدراتنا وإراداتنا - ضمن المشيئة الالهية للتطور الخلاق باتجاه الاصلح. وأبلغ ما يدل على التوجه التكاملي هو ما يفيده المبدأ الانساني او الانثروبي (Anthropic Principle‏) كالذي عبّر عنه الفيزيائي كارتر خلال الستينات من القرن العشرين، أي قبل أن يُحوّر الى نظرية التعدد الكوني كملاذ للتهرب من فكرة الضبط الدقيق للتصميم الإلهي .
نعود فنقول: إنه من الناحية العقلية لا يمكننا التوصل الى خلق المادة الأصلية او عدم خلقها واستقلالها. كما ان النص الديني المتمثل في القرآن الكريم لا يتحدث عن اصل مادة الخلق، فقد جاء ذكر بعض المواد الاولية كالماء والدخان من دون ان يُذكر حولهما شيء من الخلق او عدمه، فضلاً عن ان لفظة الخلق وردت حول الاشياء التي تُصنع من اشياء اخرى وليس من العدم المحض، كخلق الانسان من طين مثلاً. صحيح ان بعض الآيات القرآنية تُظهر وكأن صورة الخلق تحدث دفعة واحدة مباشرة تلبية لإرادة الله وأمره، كالذي يظهر من قوله تعالى: ((إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) . فالمتبادر من معنى ((كُنْ فَيَكُونُ)) هو أن يتحقق الشيء دفعة مباشرة، كما راهن عليه المفسرون عادة. لكن بشهادة الواقع ان كل عمليات الخلق والتكوين المطلوبة لا تحدث دفعة واحدة من دون سابقة، بل تدريجية وتطورية. فهذه المعرفة القبلية ترشدنا إلى أن المعنى المقصود من الآية الكريمة ليس هو الظاهر المتبادر، ولا بد من تأويله إلى التدرج أو التطور. ويؤيد هذا الحال سياق بعض النصوص القرآنية التي وردت على شاكلة الآية السابقة ، كذلك سائر النصوص التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض والإنسان، فجميعها يؤكد حالة التدرج في الخلق وتطوره دون الدفعة المباشرة.
وكما قلنا ان الناحية العقلية لا تعيننا على ترجيح كفة خلق المادة الأصلية او عدم خلقها واستقلالها. لكن لو افترضنا بان المادة الأصلية مخلوقة بالفعل، فحينها سوف يصعب تفسير لماذا تتخذ قوانين الطبيعة شكلاً محدداً للوصول الى غاياتها من دون تغيير؟ ولو قيل بأن هذه الحالة هي الافضل والاصلح من بين الطرق الممكنة للوصول الى الغايات الطبيعية، لأجبنا إنه من الناحية العقلية الصرفة، إن تحقيق الغايات عبر الوسائل الموضوعة يفضي الى الكثير من الشرور والاضرار، وكان من الممكن عقلياً تجنب هذه المترتبات السلبية عبر ابدال القوانين بقوانين اخرى، او الوصول الى الغايات من دون وسائط طبيعية.
ولسنا نذهب في ذلك الى ما يخلص اليه الفلاسفة القدماء من ان الحال دال على حتمية هذه القوانين، بل نرى بأن الإرادة الإلهية متعلقة بأفضل السبل الممكنة لتحقيق الغايات الطبيعية. فمع افتراض قِدم المادة التي هي محل التخليق والتكوين يصبح الموجود هو الأصلح والأفضل. في حين لو افترضنا فكرة خلق المادة الأصلية لأدى بنا الحال الى الاعتقاد بأن أفعال الله لا تخضع للحكمة ولا للأصلحية والأفضلية، كما هو معتقد الاشاعرة مثلاً. كذلك لو لم نعترف بقدرة الله وإرادته الحقيقيتين لأفضى الحال إلى أن تكون قوانين الطبيعة حتمية صارمة كما يصورها النظام الوجودي للفلسفة والعرفان. في حين إن الخيار الثالث يخالف اعتقاد منطق الاشاعرة في نفي حكمة الله ومراعاته لخلقه، كما يخالف قول نظام الفلسفة والعرفان في جعل الإرادة والقدرة الإلهية مجازيتين. وبالتالي جاء الخيار الثالث جامعاً لأمرين لا يجتمعان لدى غيره، وهما عدم خلق المادة الأصلية، والقدرة الإلهية الشاملة. وهو خيار لا يتنافى بالضرورة مع الرؤية الدينية التي تشدد على فكرة البلاء والإمتحان كغاية لخلق العباد. فيمكن لهذه الرؤية ان تنضوي تحت القوانين والخيارات التي شاءها الله مصلحة لعباده؛ كأفضل السبل الممكنة، وبموجبها يمكن للشرور أن تتناقص عند الإلتزام بتعاليم الخير والمُثل الدينية. 
هكذا فالاعتراض الذي يرد على الدوام: لماذا لا يمنع الله الشر؟ وما فائدة وجوده ان لم تكن له قدرة على دفعه كلياً؟.. يجد جوابه وفق ما سبق عرضه، وهو ان زوال الشر يأتي على التدريج وفق قوانين التطور الكوني والحياتي والعقلي، ولا محيص من ذلك استناداً الى طبيعة المادة الأصلية المشتركة التي يُجرى عليها الخلق والتصنيع والابداع.
فمن خلال التطور يزول الشر بالتدريج، رغم حدوث الانتكاسات، بل وضرورتها في تعجيل هذه العملية التي تتخذ شكلاً حلزونياً لا خطي. فعلى الصعيد البشري تبعث الانتكاسات على التحدي والجدل الديالكتيكي، ومن ثم فان الشر يبعث على الخير عادة رغم انه لا يقصده ذاتاً، لكنه ضروري للتطور والبناء وفق السنن الكونية والانسانية. لذلك كان العرفاء يقولون: لا فتى إلا أحمد وابليس، أو كما يُنسب الى الحلاج قوله: ‹‹ما صحّت الفتوة إلا لأحمد وابليس›› .
فمثلاً لولا الامراض ما عرف الانسان الدواء، ولولا الطبقية والاستعمار الغربي ونهب ثروات الشعوب ما تم التعجيل بالثورة الصناعية وما ترتب عليها من ثورة معلوماتية، ولولا اضطهاد الكنيسة وفتكها بالعلماء ما تحقق للغرب من مكاسب في سبيل الحرية والتقدم العلمي المستقل. وعلى هذه الشاكلة جاءت بعض الآثار الايجابية التي شهدها الغرب بسبب المآسي التي خلّفتها الحربان العالميتان الاولى والثانية، مثل ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني..
***
أخيراً يمكن النظر الى اطروحة (عجز المادة الأصلية) من خلال البعد العرفاني لوحدة الوجود. فكل ما ندركه يمثل مصنوعات الله وعظيم قدرته. ولو حوّلنا هذه المصنوعات الى تجليات واستعرنا ما يقوله العرفاء حول وحدة الوجود فسيصبح ان كل ما ندركه هو تجليات الحق في العين الثابتة للمادة المشتركة. وعليه يمكن النظر الى بدائع خلق الله بمنظارين كما يصوره العرفاء مع الحفاظ على القدرة الشاملة والارادة الحرة التي صادرها العرفاء من الوجود قاطبة. فيمكن تشبيه الحال بنور الشمس الملقى على زجاجات مختلفة الالوان ، اذ تتكشف الوانها وتبرق حين سريان النور فيها، ومن دونه لا يظهر لها لون أبداً. فمع ان النور واحد، لكن الالوان التي تظهر فيها مختلفة. مما يعني ان طبائع الزجاجات تختلف بحسب ما هي عليه من قابليات، وليس بحسب ما عليه نفس النور المتحد في لونه وقوة سريانه في الجميع. وكذا يقال ان اختلاف المظاهر المرئية هي لاختلاف ما تحمله المادة الأصلية من امكانات غير قابلة للحصر والعد، وان التجلي الالهي على هذه المادة هو ما يجعلها تظهر امكاناتها، ولولاه ما ظهر شيء من الصنائع والبدائع اطلاقاً. 
كما يمكن تشبيه الحال بمثال النار والفحم. فالفحم بما هو كذلك لا نور ولا نار فيه، لكنه ينقلب بالتدريج إلى جمرة من النار عند وضعه فيها، وبهذا يكون حاملاً لصفاتها . وكذا فإن الحق عندما يفيض بنوره على المادة الأصلية تصبح مشرقة ظاهرة بنوره، لحملها صفاته، بحيث يعبّر عنها بهذا الإعتبار انها (هي هو). 
وبلا شك ان المثالين السابقين يعطيان دلالتين مختلفتين للتجلي الالهي. فالمثال الأخير يبدي ان ما يظهر على المادة المشتركة هو صفات الحق، فهذه الصفات هي التي تظهر على المادة فتنورها بنور الحق. فالحق هو الظاهر بصفاته، كالذي جاء في قول العرفاء (كان الله ولم يكن معه شيء، والآن كما كان). أما المثال الأول فيبدي ان ما يظهر انما يعبّر عن صفات المادة المشتركة، وان ظهرت بنور الوجود الالهي. وبحسب هذا المثال ان ظهور الخلائق ليس فيه ما يحمل صفات هذا الوجود، فالحق مخفي بوجودها، فيما انها ظاهرة بفعل الحق. ووفقاً للتعبير العرفاني انها تعتبر من حيث الباطن حقاً، ومن حيث الظاهر خلقاً .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى محمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/04/01



كتابة تعليق لموضوع : فلسفة الشر ونظرية عجز المادة الأصلية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net