المَرْجِعيَّةُ الدّينِيَّةُ العُليا تُشدِّدُ على أهَمِّيَّةِ الإنْفاقِ فِي سَبِيلِ دَعْم جُهُودِ الحَرْبِ عَلَى الإرْهابِ وتَسْتَشْهِدُ بِما يُبذَلُ مِنْ دماءٍ في سَبِيلِ حِفْظِ البِلادِ وَالعِبادِ..

تطرّقت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا على لسان وكيلها سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (2رجب الأصبّ 1438هـ) الموافق لـ(31آذار 2017م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامته الى موضوع الإنفاق والتكافل الاجتماعيّ، مبيّنةً الفوائد والآثار الإيجابيّة له في خلق حالةٍ من التضامن بين أفراد المجتمع، والمساهمة في المحافظة على الأوطان مستشهدةً بتضحيات الأبطال في ميادين القتال الذين أنفقوا وضحّوا بدمائهم وأنفسهم في سبيل حفظ البلاد والعباد وحفظ المقدّسات، حيث قال سماحته:
إخوتي أخواتي أعرض على مسامعكم الكريمة بعض المفاهيم القرآنيّة التي لها فوائد جمّة سواءً كان على المستوى الشخصيّ أو على المستوى المجتمعيّ.
قبل ذلك.. لعلّ المجتمعات عندما تتكافل فيما بينها وتكون الحالة أنّ أحدهم يتفقّد الآخر فالمجتمع يؤسّس بداخله حالة من التضامن على أنّه يحاول كلٌّ منهم أن يخفّف الأعباء عن الآخرين، هذه الحالة المجتمعيّة حالة رقيّ وحالة تمدّن وحالة تحضّر، وعادةً الحاجات التي يحتاجها المجتمع هناك حاجاتٌ ضروريّة بحيث الإنسان لا يستغني عنها وهناك حاجات كماليّة، لعلّ الحاجات الضروريّة تكمن في المسكن والمأكل والملبس، وتأمين هذه الحاجات الضروريّة إمّا أن يسعى الإنسان بنفسه لها أو إذا لم يستطع لسببٍ ما لمرضٍ لقلّة ذات اليد فهل هناك مسؤوليّة أمام المجتمع تجاهه أو لا؟! ونتكلّم عن هذا المفهوم الاجتماعيّ أنّ الإنسان إذا اطمأنّ أنّ المجتمع لا يتركه، والمقصود من المجتمع هم الأفراد الذين يعيشون في مكانٍ ما دولة أو قضاء أو قرية عندها نحوٌ من أنحاء العطاء، أنّ الإنسان لا يفكّر بنفسه وإنّما يحاول أن يفكّر بالآخرين، إذا أراد أن يأكل يفكّر بالآخرين، إذا أراد أن يشرب يفكّر بالآخرين، إذا أراد أن يسكن يفكّر بالآخرين، ليس من الصحيح أن يعزل الإنسان نفسه عن الآخرين فتكون علاقته مع الآخرين علاقة استفادة شخصيّة فقط هو يستفيد منهم، وعلاقته معهم ما دامت مصلحته الشخصيّة قائمة فهو معهم وبمجرّد أن تتزعزع مصلحته الشخصيّة يحاول أن ينقم، هذه ليست طريقة صحيحة.
الضمان الاجتماعيّ أو التكافل الاجتماعيّ من أفضل موارد تأمينه هي حالة رفع البخل عن كلٍّ منّا، قطعاً البخل من الصفات المذمومة، أنّ الإنسان يبخل في ماله في ابتسامته في أخلاقه أو أنّ الإنسان بخيل يهتمّ فقط بنفسه، فإذا مرّ به ظرف قاهر سيحتاج الآخرين ولا يجد أحداً يساعده، لأنّه أسّس لمفهومٍ خاطئ، في مقابل البخل حالة من الإنفاق وهذا الإنفاق سواءً على المستوى الشخصيّ أو على المستوى المجتمعيّ له فوائد جمّة، أنا أنقل هذه الآية الشريفة من سورة آل عمران وآخذ منها بمقدار ما يسع الوقت على نحو السرعة، وهذه الآية تتحدّث عن صفةٍ ذميمةٍ وتنهانا عنها، نحن في المقابل نفهم الصفة المحبوبة، ماذا يقول القرآن الكريم؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم ((وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ...)) يعني أنّ هذا الشيء الذي يبخلون به سيعود بنفعه لهم!! لا يحسبوا ذلك فإنّ هذا الاعتقاد اعتقادٌ خاطئ ((...بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ...))، لاحظوا الطريقة.. تارةً الإنسان لا يحسب هذا خيراً وينتهي، وتارة لا العمليّة معاكسة، القرآن يقول: (بل هو شرٌّ لهم) كيف؟ قال: ((...سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...)) ثمّ قال: ((...وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))، اتّضح المطلب أنّ الإنسان لماذا يبخل؟ يعتقد أنّه إذا بخل وإذا بقي يحافظ على المال فهذا الأمر خيرٌ له، القرآن الكريم لا يقرّ هذا الاعتقاد بل يقول: هو شرٌّ له، إذن الخير الحقيقيّ ليس في البخل وإنّما الخير هو في الإنفاق في العطاء في تفقّد الناس، الآية في ذيلها ماذا تقول؟ تقول: (ولله ميراث السموات والأرض) هذا كلّه الذي تتصوّر أنّه لك هو ليس لك واقعاً بل أنت مؤتمن عليه، كلّ رزقٍ أو مالٍ أو جاهٍ أنت مؤتمن عليه فلابُدّ أن تحافظ عليه وفق ما أراد صاحب المال، وصاحب المال ما أرادك أن تكنزه وأن تحافظ عليه في الخزنة إنّما أراد لك أن تنفق.