الاجهاض بين العقل والدين
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أجمعت الأديان والثقافات والحضارات على حرمة قتل الاطفال اجنة كانوا او مواليد ، وقد شذ عن ذلك الفراعة والاباطرة والمجرمين ممن يحملون عقد نفسية وترسبات طفولة قلقة غير مستقرة.فكما هو معروف فإن الفراعنة والأباطرة كلهم قتلوا الأطفال خشية من تحقق نبوءة استيلاء طفل على كراسيهم .

ولكن هناك من تتبع الأطفال في بطون امهاتهم فانتزع منهم الحياة لا لسبب إلا الحقد على امة أو شعب او أثناء المعارك ،وهذه التوراة رأينا فيها العجب العجاب فهي من ناحية تُحرم الاجهاض وتُعاقب بالقتل كل من تسبب بالاجهاض متعمدا او متساهلا.ومن ناحية أخرى تأمر اتباعها وفي اكثر من مورد بأن يشقوا بطون الحوامل في البلد الذي يغزونه كما نقرأ في سفر الملوك : (تطلق النار في حصونهم، وتقتل شبانهم بالسيف، وتحطم أطفالهم، وتشق حواملهم).(1) ففي هذا النص فتوى الاجتثاث واباحة قتل الشباب والاطفال ومتابعة الأجنة في بطون امهاتهم.

وفي سفر هوشع يقول : (تجازى السامرة بالسيف يسقطون. تحطم أطفالهم، والحوامل تشق).(2) وهنا في هذا النص تأكيد ايضا على قتل الأطفال وشق بطون الحوامل لاسقاط الاجنة. 

وقد التزم اليهود ومن بعدهم النصارى حرفيا بهذه النصوص خصوصا في الحروب الصليبية قديما وحديثا البوسنة والهرسك مخالفين بذلك ما ورد في نفس الكتاب المقدس من حرمة الاساءة للاطفال او اسقاط الاجنة مؤكدا على أن جزاء من يقوم بذلك القتل وانتقام الله فعاقب الله أمة كاملة لانهم شقوا بطون الحوامل في الحرب كما نقرأ في سفرعاموس: (هكذا قال الرب: من أجل ذنوب بني عمون لا أرجع عنه، لأنهم شقوا حوامل جلعاد فأضرم نارا فتأكل قصورها).(3) 

ولكن يهوذا النبي اجرى حكم الحرق على امرأة حامل من الزنا من دون مراعاة الجنين في بطنها كما نرى في سفر التكوين : (أخبر يهوذا وقيل له: قد زنت ثامار كنتك، وها هي حبلى أيضا من الزنا. فقال يهوذا: أخرجوها فتحرق).(4) بينما نرى الإسلام يُحرّم قتل المرأة الحامل حتى تضع وهذا ما نراه واضحا في إرجاع الامام علي للمرأة الحامل التي اراد عمر رجمها فقال له : (هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها). (5) 

مما تقدم نفهم أن هناك تلاعبا حصل في نصوص الكتاب المقدس لكي يخدم اطماع معينة وهذا التلاعب هو الذي استغله عالم المسيحية اليوم فأباح الاجهاض بكل اشكاله ففي كل سنة وحسب الاحصائيات الرسمية فإن عشرات الملايين من حالات الاجهاض العمدي تجري في المستشفيات وغيرها في العالم الغربي المتمدن. وأغلب اسباب الاجهاض غير منطقية وتدل على حماقة فلربما تمر المرأة بأزمة اقتصادية ، أو أن علاقتها تسوء مع زوجها . أو ان عشيقها غير مستعد لتربية الطفل ، او تريد ان تتفرغ للدراسة او العمل (6) فتعمد إلى اسقاط الجنين فترتكب جريمة يُعاقبها عليها كتابها المقدس بالقتل كما نقرأ في سفر الخروج : (وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذية، يغرم كما يضع عليه زوج المرأة، وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس).(7) أي أن الذي يتسبب باجهاض الطفل وموته فإنه يُعدم وهذا ما نفهمه من قوله : (تُعطى نفس بنفس).

وقد اكد القرآن على حماية الطفل منذ ان يكون جنينا إلى ما بعد ولادته . فقد كان الناس قبل الإسلام يقتلون الأطفال إما من الجوع أو خشية من أن يقع الجوع فمنعهم الله تعالى وقال : (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم).(8) وفي قول آخر قال: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ... إن قتلهم كان خطئا كبيرا).(9)

ولبشاعة هذه الجريمة فقد تعهد الله بأنه سوف يسأل عن سبب القتل كما في قوله تعالى : (وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت). والمؤودة اي المقتولة ظلما إن كانت عن طريق الاسقاط أو بعد الولادة والوأد هو الدس في التراب. وقد بلغ من عظيم هذا الجرم أن رسول الله (ص) بكى عندما اخبره عمر عن دفنه لابنته كما في الرواية التي يرويها اهل السنة قالوا : (وقد جاء عن عمر قوله : أمران في الجاهلية . أحدهما يبكيني والآخر يضحكني .أما الذي يبكيني : فقد ذهبتُ بابنةِ لي لوأدها ، فكنت أحفر لها الحفرة وتنفض التراب عن لحيتي ، وهي لا تدري ماذا أريد لها ولما رميتها في البئر كان آخر صرخة لها يا ابة، فإذا تذكرت ذلك بكيت. والأخرى : كنت أصنع إلها من التمر أضعه عند رأسي يحرسني ليلا ، فإذا أصبحت معافى أكلته ، فإذا تذكرت ذلك ضحكت من نفسي).(10)

والمشكلة ان اهل السنة في فقههم اختلفوا حول هذه المسألة ولكنهم واستنادا على ما جاء في صحيح البخاري ومسلم فقد افتوا بجواز اسقاط الجنين قبل ان تلج فيه الروح وحددوا ذلك بأربعين يوما فقد روى البخاري ومسلم : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح).(11) طبعا هذه الرواية تدل على جهلٍ وغباء فاضح وانا اجزم أن رسول الله (ص) لم يروها ابدا وذلك لأن نطفة الرجل وبيضة المرأة فيهما روح وتشكلهما في الرحم ايضا روح وإلا كيف ينموا الجنين لمدة اربعين يوما من دون روح؟

أما الشيعة فقد اجمعوا على ما يلي : ( إسقاط الجنين بكافة مراحله حرام شرعاً ويعتبر من الذنوب العظيمة التي تستوجب أليم العذاب باعتباره جناية وظلم كبيرٍ على مخلوقٍ بريءٍ لا ذنب عليه،فقتله بالإسقاط أو بالدواء أو بالضرب على البطن وما شابه ذلك هو من القتل العمدي الذي لم تفرق الأخبار بين كونه صغيراً أم كبيراً).

المصادر: 

1- سفر الملوك الثاني 8: 12.

2- سفر هوشع 13: 16.

3- سفر عاموس 1: 13.

4- سفر التكوين 38: 24 .

5- الرواية الكاملة في المناقب الفصل السابع ص38، ورواه العاصمي في زين الفتى 301، والشنقيطي في اضواء البيان ص58 قال: أخرجه الامام أحمد في مسنده. قال : (أتي بامرأة حامل فسألها عمر بن الخطاب عن ذلك، فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر أن ترجم فلقيها علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال: ما بال هذه المرأة؟ فقالوا: أمر بها عمر أن ترجم فردها علي عليه السّلام فقال له: أمرت بها أن ترجم؟ فقال: نعم فقال: هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها .. فخلى عمر سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب عليه السّلام لو لا علي لهلك عمر). ولكن هل علمت كم كان عمر جنين فاطمة عليها السلام حينما اسقطتهُ رفستك يا عمر ؟ 

6- لكن لو كان الاجهاض بسبب خوف على حياة المرأة فإن الخيار يعود للأم والأب. 

7- سفر الخروج 21: 22 .

8- سورة الأنعام آية : 151.

9- خِطئا كبيرا اي جرما كبيرا . سورة الاسراء آية : 31. 

10 تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. محمد الأمين الشنقيطي. دار الفكر. سنة النشر: 1415هـ. تفسير سورة التكوير ص. 43

11- صحيح البخاري ومسلم .

الموضوع السابق طَائِفِيُّون وَإِنْ لَمْ يَفْصَحُوا!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat