صفحة الكاتب : مرتضى المياحي

ياسين
مرتضى المياحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تشظى قلبي حال سماعي مصرعك يا (ياسين). فقد مرت عشر سنوات كئيبة ، حزينة ، وباردة ، كبرد ذلك الصباح ، الذي طلعت به الشمس كصخرة معتمة ، وكأنها قد خرجت بعفو مشروط من وادي "ويل" وقد رقدت في قعره آلاف السنين ، ظهرت سوداء الوجه لتسلب نور وجهك الأبيض كبياض قلبك الناصع ، فإرتدته قناعاً ، وإني لأسترق النظر إلى قرصها ظهيرة كل يوم كي أرى وجهك.

لا شيء يشبه ذلك الإشتياق ، لكن ما يخفف وطأته أن الشوق في حضرة الشهادة يصبح جميلاً ، ترك أخي - الشهيد - في رحيله وجع الفقد ، ومعه "ويا للغرابة" تعويضاً لأرواحنا عما ينقصها من طمأنينة ، على الأقل أنا على يقين أنه في مكان ما ، أفضل من هذه الدنيا.

أكتب اليوم عن أخي ، وهنا يتجلى الحب والشوق وما كان من حياة. هنا في حضرة (ياسين) لا أكف عن الضجيج والكلام - رغم سكوتي الظاهري - أقترب منه لأحدثه سراً عن بعضِ كلام لا يعرفه سوانا.

يبتسم ويغمزني وينتصر على الصمت بسكونه وهدوئه.أكتب اليوم عن (ياسين) الذي تغير كل شيء في غيابه ، حتى دقات الساعة الجدارية وتنقلات عقاربها الثلاثة ، أراها "بطيئة" تجر الثواني، والدقائق، والساعات ، بملل.دمية حارس الساعة ، الذي يقرع الطبل الصغير معلناً تمام رأس الساعة ، قد ترك عمله ، ربما استشهد هو الآخر، ففي العراق يرحل كل جميل وذو نظام.

بات كل شيء مختلفاً بعد شهادته ، حتى أنا ، والبيت ، والمدينة ، والحياة ، ولون السماء الذي ترك زرقته ، خارج حدود العراق ، وتطوع الغبار، كي يواري سوءته ، فلا بد من لون يستر أجرام السماء.

لا أذكر الكثير من التفاصيل بيننا، رغم أنها لا تنتهي. ربما يطغى العشق على كل اللحظات التي عشناها معاً ، وتصبح كل الذكريات لحظة شوق ونظرة طويلة إلى كرم الله الذي لا ينتهي.

كانت الساعة تقارب الثامنة والنصف صباحاً ، من يوم الثلاثاء ، ٢٣/١/٢٠٠٧ ، إلتقينا أنا وإسمه العذب بإتصال من مجهول ، قال: ياسين أخوك بالمستشفى قد إسشتهد!! ، ولا أذكر بعدها كيف وجدتني واقفاً على نعشه أتأمل شفاهه المبتسمة ، رغم إصفرارها!. 

نظرت إليه دون أن أسكب دمعة ، حيث كنت أُؤمّل نفسي - لعله يكون حلم - لكن هيهات ، فلون الدم القاني يفسد الأحلام .. فتمنيت أن يصحى من رقدته ولو لدقيقة واحدة فقط ، حتى أحظى بعناق أخير، وقبلة، ووصية.

نزل ياسين مسرعاً من ركب الدنيا ، ليلتحق بركب الأبرار شهيداً ، فيكفيه فخراً ، أن العدو قتله غيلةً وغدراً ، بعد أن أتم واجبه ، بحماية ما أؤتمن عليه ، وإنقاذ من كان بتلك الباصات ، بعد أن قطع إرهابيوا منطقة الفضل في الباب المعظم الطريق عليهم ، بسيارة مفخخة، وكانت الغاية أن يُذبحَ من في تلك الباصات لأسباب طائفية.

فأنقذهم ، وبعدها بدقائق رصاصة القناص إخترقت قلبه.

لم تكن المرة الأولى التي يغادرنا ياسين للموت ، ولا المرة الأولى التي يترك فيها أجمل ما لديه ، من أهل، وطفلة كانت لا تزال جنين في رحم أمها ، وصداقات ، فحينها كان يومياً يلامس الموت ، كتجربة ، ويضحك قائلاً : اليوم چا متت إلا شوية! لكني لم أتوقع أن رحيله هذا هو الأخير ، رحل ياسين ، رحل وأخذ مني كل شيء ، عدا أنفاسي.

أشتاق إلى ياسين بقدر ما ناحت عليه أُمي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى المياحي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/14



كتابة تعليق لموضوع : ياسين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net