صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

قنبلة غزة الموقوتة وحرب إسرائيل الموعودة
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا يكاد يمر يومٌ دون أن نسمع تصريحاتٍ إسرائيلية من مستوياتٍ مختلفةٍ، تتباكى على أوضاع قطاع غزة، وتبدي حزنها وأسفها على ما يلاقيه السكان، وما يواجهه المواطنون من معاناةٍ وألمٍ، وضيقٍ وشدةٍ وعدمٍ، وكربٍ وهمٍ وحَزَنٍ، وجوعٍ وحصارٍ وبطالةٍ، ومرضٍ وموتٍ وقسوة حياة، واصفين الأوضاع العامة في القطاع بأنها كارثية ومأساوية، وأنها تنبئ بانفجارٍ قريبٍ وثورةٍ آتيةٍ لا محالة، وهي أشبه ما تكون بالأوضاع العامة التي سبقت الحروب الأخيرة عليه وكانت سبباً فيها، ويحذرون بعالي الصوت من مغبة الصمت على أوضاع غزة المزرية، ومشاكله المزمنة، وهمومه المقعدة، وتركه وسكانه على هذا الحال، إذ لا متنفس لهم إن استمرت أوضاعهم بهذا الشكل إلا الانفجار باتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية.

يرى بعض الإسرائيليين أنه لا يوجد في قطاع غزة ما يشغل السكان، ولا ما يلهيهم عن الاهتمام بالمقاومة، وسبل القتال والمواجهة، فهم يتوالدون بكثرة، ويزدادون بسرعة، ونسبة الذكور بينهم عالية، وفئة الشباب فيهم كبيرة، في الوقت الذي تتجمد فيه الأوضاع الاقتصادية، وتنعدم أسباب الرفاهية، فلا عمل ولا تجارة، ولا مصانع ولا معامل، ولا مؤسسات ولا مزارع، ولا وقود يشغل الآليات ويحرك السيارات، ولا شئ من مظاهر الحياة الطبيعية، وذلك بسبب الحصار المفروض على القطاع، والإغلاق المحكم عليهم، والموت والمرض المنتشر بينهم، الأمر الذي يجعل من الصعب تنشيط الحياة الاقتصادية، وخلق دورة رأس مالٍ كاملة بين السكان، بما يوفر فرص عملٍ جديدة، ويفتح الآفاق أمام وظائف وأعمال تشغل المواطنين، وتفرغ طاقتهم في غير التفكير في المقاومة وحمل السلاح، ولعل الأطفال الصغار باتوا يقلدون الرجال الكبار، فيحملون البندقية، ويلوحون بالعصا ويشهرون السكين والخنجر.

يقول الإسرائيليون لبعضهم بكلماتٍ صريحةٍ وصوتٍ مسموع، ونقدٍ مباشرٍ لسياسة حكومتهم وممارسات وزير حربهم وقيادة أركان جيشهم، الذين يفرضون طوقاً محكماً على قطاع غزة، ويجبرون السكان على العيش معاً في مربعاتٍ صغيرة، وكانتوناتٍ ضيقةٍ، يتعثرون ببعضهم لكثرتهم وضيق مساحة بلداتهم ومخيماتهم، في الوقت الذي يحرمونهم من كل أساسيات الحياة وضرورات العيش، أن هذه السياسة خاطئة وتضر بهم، وتعرض أمنهم وسلامتهم للخطر، وتدفع الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر والمضيق عليه، والمحروم من أبسط الحقوق، للتفكير في وسائل أخرى، واللجوء إلى أشكالٍ لا تبدو للمجتمع الإسرائيلي جميلة، بل إنها في العرف الدولي مشروعة وفي القانون مباحةٌ.

ويضيف آخرون ماذا ننتظر من سكان قطاع غزة، الذين لا يجدون الكهرباء التي تشغل حواسيبهم الشخصية، وتشحن هواتفهم الذكية، وتنير بيوتهم الصغيرة وحواريهم الضيقة، وتجعلهم يقضون الساعات الطويلة أمام أجهزة التلفزيون، لمتابعة المسلسلات والمباريات الرياضية، وغيرها من البرامج الأسرية والعائلية، التي تضيع الوقت، وتبدد الجهد، وتضعف الطاقة، ولكنها تبعد عنا الخطر، وتجعل حياتنا أكثر أمناً وأحسن حالاً.

ترى أهم خائفون على الفلسطينيين في قطاع غزة، وقلقون على أحوالهم وتزعجهم ظروفهم القاسية، وتحزنهم معاناتهم الدائمة وشكواهم اليومية، وتبكي عيونهم لما يشاهدون من مآسيهم وما يرون من همومهم ومشاكلهم، وأنهم فعلاً يبحثون عما يسعدهم ويساعدهم، وما يخفف ويسري عنهم، ويحاولون ما استطاعوا أن يجعلوا حياتهم ممكنة، وعيشهم كريم، ومستقبلهم أفضل، وأنهم يتمنون لهم رغد العيش ورفاهية الحياة، ويحاربون كل ما ينغص عيشهم، ويعقد حياتهم، وأنهم يقدمون لهم العون، ويذللون الصعاب أمامهم، ويزيلون العقبات من طريقهم، ويهيئون لهم حوائجهم، ويسهلون إدخال نواقصهم، ولا يعترضون عما يمكن أن ينفعهم وينهض بأوضاعهم ويحسن ظروفهم.  

إن على من يحزن على الفلسطينيين ويخاف عليهم، ويتمنى مساعدتهم ويرغب في تخفيف العبء عنهم، أن يرحل عن بلادهم، وأن يخرج من أوطانهم، وأن يتوقف عن قتل أبنائهم واعتقال رجالهم، وأن يقلع عن اقتحام بلداتهم وانتهاك حرمة مناطقهم، وأن يخلي سبيل أسراهم، وألا يتدخل في شؤونهم الخارجية أو في علاقاتهم البينية، وأن يعيد إليهم ما اغتصب من حقوقٍ وما صادر من أراضٍ، وأن ينهي كل مظاهر الظلم وأشكال الاحتلال التي يمارسها، وأن يترك الفلسطينيين وشأنهم، ويدعهم يقررون وحدهم في مستقبلهم، ويحددون بأنفسهم مصيرهم، بعيداً عن الاحتلال وتدخلاته، وإلا فهو كاذبٌ مدعي، ومخادعٌ مخاتلٌ، وماكرٌ خبيثٌ.

يتشدق الإسرائيليون بهذه الأماني الكاذبة والأحلام الزائفة، ويحاولون أن يظهروا أنفسهم أمام الرأي العالمي بأحسن صورةٍ وأجملِ مظهرٍ، وهم يبرزون إنسانيتهم، ويسلطون الضوء على ضمائرهم، ويظهرون استنكارهم لمعاناة الفلسطينيين، ورفضهم التضييق عليهم، ويدعون المجتمع الدولي للتعاون معهم، والوقوف إلى جانبهم في مشاريعهم الإنسانية والتشغيلية، والعمرانية والمدنية، من أجل النهوض بأوضاع السكان، وخلق فرصِ عملٍ جديدةٍ لهم، وكأنهم ليسوا السبب الأساس في معاناة قطاع غزة وأهله، وأنهم براءٌ من السياسات التي يفرضونها، والممارسات التي يتبعونها، وأنهم لا يتحملون الوزر أو المسؤولية، وكأن الفلسطينيين يحبون تعذيب أنفسهم، والتضييق على بعضهم، وأنهم كانوا السبب وراء حصار قطاعهم وتجويع شعبهم.

إنهم يبعدون الخطر عن أنفسهم، ويحاولون اتقاء غضبة المواطنين وانتفاضة المحرومين، ويريدون أن يشغلوا الفلسطينيين بالرخاء، وأن ينسوهم حقوقهم بالنعمة، وأن يبعدوهم عن أهدافهم الحقيقية بمشاغل وهميةٍ، ومتعٍ آنيةٍ، ومصالح شخصية، ومنافع فردية، يصعب التفريط فيها أو التخلي عنها، ولا يكون من السهل المغامرة بها أو المقامرة بوجودها، إذ أنهم يعتقدون أن إشغال المواطنين يجعلهم أقرب إلى الدعة والراحة، وأدعى إلى الركون والهدوء، وأبعد ما يكونون عن الثورة والغضب، أو الانتفاضة والحرب، وما علموا أن هذا الشعب العظيم الذي أقسم على الانتصار، يقاتل غنياً وفقيراً، وسعيداً وحزيناً، وراضياً وبائساً، وشبعاناً وجائعاً، وهادئاً وغاضباً، وساكناً وثائراً، ورجالاً وركباناً، وصغاراً وكباراً، ومسلحين وعزلاً، طالما أنه يسعى لأجل حقه، ويقاوم لاسترداد أرضه وتحرير وطنه، فهذا شعبٌ لا يطغيه الرخاء، ولا تغريه الوعود، ولا تفسد أخلاقه النعم، ولا تتعسه المعاناة، ولا ييأسه الألم، ولا يثنيه عن عزمه الجهد والتعب.

بيروت في 8/3/2017

https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi

moustafa.leddawi@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/08



كتابة تعليق لموضوع : قنبلة غزة الموقوتة وحرب إسرائيل الموعودة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net