صفحة الكاتب : اسعد الحلفي

قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )
اسعد الحلفي

 

تناول ممثل المرجعية العليا سماحة السيد الصافي في خطبة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف (بتاريخ 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016) بعضاً من فقرات رسالة الحقوق لمولانا الامام زين العابدين (ع) مُذكراً بها الناس والذكرى تنفع المؤمنين ، ولو تأملنا في تلكم المقاطع لوجدناها قد سُردت وفق نظام مُحكم اراد ان يوصل بها رسالة مهمة لتُعالج الادواء التي بُليت بها مجتمعاتنا حتى وصل الامر الى تفتيت الاُسر وذلك مؤشر خطير ينُذر بدمار المجتمع لأن الاسرة وحدة بناءه فإذا فسدت الخلية فسد المجتمع ..

إليكم هذا المقطع من الخطبة :
[ باعتبار ان هذا الشهر الشريف (شهر رمضان) هو شهر مبارك وشهر كريم، نحتاج فيه ان نقف مع انفسنا، ونعرف هذه الحقوق .. اقرأ مقاطع متفرقة منها (اي من رسالة الحقوق) :
قال (عليه السلام) :
(اما حق أمك؛ فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحدٌ أحداً، ووقتْك بجميع جوارحها، ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك، وتهجر النوم لأجلك، ووقتْك الحر والبرد .. لتكون لها، فانك لا تطيق شكرها الاّ بعون الله تعالى وتوفيقه..).
حقيقة للذين عندهم امهات عليهم ان يستغلوا ذلك ما دامت امهم على قيد الحياة..
(وأما حق ابيك فان تعلم أنه أصلك، فأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك؛ فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه.. فاحمد الله واشكره على قدر ذلك..).
وللذي عنده اب يتنفس ايضاً عليه ان يبرّه ..
(وأما حق ولدك فان تعلم أنه منك، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجل، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم انه مثاب على الاحسان اليه، معاقب على الاساءة إليه..) ]
 
نلاحظ ان ممثل المرجعية العليا سماحة السيد الصافي قد بدأ بحقوق الاسرة ودخل في اجزاءها الرئيسة ومن اعلى مرتبة فيها واقدس مكانة في منظومتها ألا وهو حق الاُم والاب وابتدأ بالاُم ليقول لنا ان الام لها النصيب الاكبر من البر ليُعرفنا بعظيم منزلتها وعلوّ مكانتها في الاسلام فالبر للأم يتقدم على البر للأب بثلاث مراتب!
فقد جاء رجل إلى النبي (صلوات الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله من أبر؟
قال (صلى الله عليه وآله): أمك.
قال: ثم من؟
قال(صلى الله عليه وآله): أمك.
قال: ثم من؟
قال (صلى الله عليه وآله): أمك.
قال: ثم من؟
قال (صلى الله عليه وآله): أباك
من هنا تبدأ مداركنا بمسك خيط من الدقة التي  نُظمت بها خطبة المرجعية العليا على لسان ممثلها سماحة السيد الصافي ليعصف اذهاننا بحزمة كبيرة من المعلومات التي تدور حول حق الابوين ويقرع جرس الانذار في اذهان الغافلين ليعوا كلام رسول الله (صلوات الله عليه وآله) حيث يقول: (( أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين )) .
 
ثم انتقل بعد ذلك الى حق الولد وقال: [ (وأما حق ولدك فان تعلم أنه منك، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجل، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم انه مثاب على الاحسان اليه، معاقب على الاساءة إليه..) ]
 
ليذكر الناس بحقوق اولادهم وأنهم مسؤولون غداً امام الله عنهم يُثابون إن احسنوا لهم ويعاقبون إن اساءوا إليهم ، مُخاطباً إياهم بقول امير المؤمنين (ع) حيث يقول لولده الحسن (عليهما السلام) (فإني رأيتك بعضي .. بل كلّي) فما اعظمها من كلمة لمَن تأمل فيها ، فهل ياترى يدرك الاباء خطورة هذه المسألة ؟!
هل حرصوا على تربية ابناءهم واعطوهم الاهتمام الكافي وسلكوا السُبل الصحيحة والطرق السليمة لتحقيق ذلك؟ هل ادركوا خطورة ان ينغمس اولادهم في التكنلوجيا الحديثة وزخم التقنيات التي اجتاحت البيوت والانفتاح اللامنتهي على العالم السقيم فضلاً عن هجمة الثقافات المسمومة التي افسدت عقول وقلوب الكثيرين من الشبان وسلبتهم دينهم وانخرطوا في تيارات منحرفة مختلفة الالوان وحقيقتها واحدة .
 
ثم انتقل سماحته الى حق الاخ قائلا: [ (وأما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك، وعزّك، وقوتك، فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله، ولا عدّة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوه، والنصيحة له، فان أطاع الله.. والا فليكن الله اكرم عليك منه..) كذلك لمن له عنده اخ ايضاً عليه ان يلتفت لهذه الوصايا ] .
 ليُبين للناس ان من حق الاخ ان لا يُتخذ سلاحاً على معصية الله ولا عدة للظلم لخلق الله وكأنه يُشير الى مشكلة مجتمعية اصبحت من ابرز المشاكل في وقتنا الحالي حيث النزاعات العشائرية التي بلغت حداً لا يُطاق من سفكٍ للدماء ودمار للعوائل حيث تبدأ بفرد واحد فينصره اخوه بالباطل وكذا ابن عمه او عصبة ابناء العشيرة ولو كان الاخ ناصحاً محتوياً للخلاف حيث النصح من (حق الاخ) لما توسعت الدائرة وارتفعت السنة النيران والدي بدورها تُحرق البيوت بمن فيها ..
 
ثم اختتم تلك الخطبة المحكمة بحق الجار قائلاً :
[ وأما حق الجار فحفظه غائباً، وكرامته شاهداً، ونصرته ومعونته في الحالين جميعا، لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها، فان عرفتها منه من غير ارادة منك ولا تكلّف؛ كنت لما علمت حصناً حصيناً، وستراً ستيراً، لو بحث الأسنة عنه ضميراً لم تصل اليه لانطوائه عليه، لا تسمّع عليه من حيث لا يعلم، لا تسلمه عند شديدة، ولا تحصده عند نعمة، تقيل عثرته، وتغفر زلته، ولا تدخر حلمك عنه اذا جهل عليك، ولا تخرج ان تكون سلماً له.. ترد عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا حول ولا قوة الا بالله..).
وهذا الجار وكلنا عنده جار ] 
والمتأمل في هذا المقطع والمقاطع السابقة يلاحظ ان سماحته في هذا المقطع قد انتقل من الاسرة الى دائرة اوسع وهي دائرة المجتمع كذلك يلاحظ هناك ترابط دقيق بين المقاطع التي ذُكرت في الخطبة كما سيجد المتابع لخطب المرجعية في صلاة الجمعة سيجد هناك علاقة كبيرة بين هذه الخطبة وبعض الخطب اللاحقة والتي تتناول الاسرة والمجتمع وتنذر بخطر ازدياد حالات الطلاق ومشكلة التفكك الاسري والكثير من النتائج السلبية التي ينتظهرها مجتمعنا .
وفي هذا المقطع تظهر سماحة الدين الحنيف وعظمة التعاليم الاسلامية وجمال الاخلاق المحمدية التي لا يجدها البشر بغير الاسلام ، فهذا الجار هو ذاته الذي قد يختلف يوماً معك فينصرك عليه اخوك وعشيرتك حتى يصل الحال الى هدر الدماء وزهق الارواح وهدم البيوت والذي يسلك طريقاً كهذا في الغالب ستجد له والدٌ يركض امامه وبيده شعلة نار او بندقية !
كما لذلك الجار والذي يليه والذي بعده عرض وحرمة وانتهاكها او التعدي عليها جريمة والعبث في الاعراض مفسدة عظيمة يترتب عليها تفكك اُسر وهتك ستر وخراب بيوت ولا نتكلم هنا عن خيال او محض فرضيات بل نتكلم عن واقع ملموس بات من ابرز مشاكل مجتمعنا وكلما وقعت فسيكون جميع اصحاب الشأن مُسائلين امام الله فسيُسأل الاب والام والابن والبنت والجار عن تقصير كل فرد فيهم ومعطياته التي ادت الى حدوث تلك النتيجة .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد الحلفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/03



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net