شباب العراق والحقوق الضائعه
جعفر المهاجر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جعفر المهاجر

لايمكن لأمة من الأمم على هذه الأرض صغيرها وكبيرها غنيها وفقيرها أن تخطو خطوة واحدة في مجالات العلم والمعرفة وكل مجالات الحياة الحيوية بمعزل من طاقات الشباب وقدراتهم العقلية والفكرية والجسمية وهذه حقيقة ثابتة لايستطيع نكرانها أي أنسان. وأمة لاتهتم بشبابها ولا تضع الخطط الآنية والمستقبلية لأستثمار قدراتهم وأمكاناتهم الهائلة أمة ضعيفة منهكة متخلفة لاتستطيع أن تحتل مكانتها تحت الشمس حتى لو ملكت خزائن الدنيا كلها وتسعى بظلفها نحو الأنكماش والشيخوخة والأضمحلال. فالشباب هم العمود الفقري الذي تستند عليه الأمه. وهم أكسير الحياة ورمز التقدم والنهوض والتطور. لأنهم الدم المتجدد في شرايينها ومصدرقوتها الحقيقية وحصنها الحصين الذي يقيها شر الأعداء وعواصف الزمن. وهم مصابيح حاضرها ومستقبلها ولابد من النظر أليهم في مفهوم هذا الأطار ومن يغفل عن هذه الحقيقة من أصحاب القرار في أية دولة من الدول فقد تعامى عن الحقيقة وأهدر طاقة هائلة لايمكن أن تعوض وبالتالي ألحق أفدح الأضرار بشعبه وأمته. لذا نرى أن الشغل الشاغل للأمم التي تقودها عقول نيرة مدركة لأهمية دور الشباب هو وضع الخطط والدراسات لآستيعاب الشباب وطاقاتهم في برامجها ومراكز بحوثها وجامعاتها لأعوام طويلة. بحيث تتوافق تلك الخطط مع طموحات شبابها ورغباتهم التي يسعون أليها في أطار خدمة وطنهم وأمتهم ومدهم بالمزيد من القدرات العلمية والمعرفية في عصر تتسابق فيه الدول تسابقا لانظير له في هذا العصر الذي يشهد تحولات هائلة ويكتشف فيه الأنسان على مدار الأيام والأشهر آفاقا جديدة في مجالات العلم والتكنولوجيا في مختلف شؤون الحياة.
لكن الذي يحزن الروح ويدمي القلب ماكنا نراه في السنين السابقة ومانراه اليوم في عراق الفجائع والجراح والحروب من شباب ضائع يائس محبط يعيش مستقبلا غامضا مجهولا نتيجة توالي أنظمة فاسدة جائرة تنخرها أنانية الحكام وسعيهم الحثيث في الحصول على مغانمهم وكراسيهم وبناء قصورهم الفارهة لهم ولأولادهم وأحفادهم وجمع العائلة والأقرباء والعشيرة حولهم في ظل أنظمة دكتاتورية مخابراتية جائرة لاتقيم لحياة الأنسان وزنا ولا يهمها من جاء ومن ذهب من تلك الأجيال الضائعة التي عاشت على هامش الحياة وأهدر حكام الظلم والظلام كل طاقاتها دون أن يفسحوا لها أية فرصة للأستقرار ولتكوين أسرة تضمها دار صغيرة وتسودها روح المحبة والوئام ولها ثقة بمستقبلها في وطن يعتبر من أغنى دول الأرض.
لقد زج النظام البعثي الصدامي الجائر الذي يتباكى عليه أيتامه المتسكعين اليوم على أعتاب حكام الظلم والوراثة والفساد في دمشق وعمان وقطر ويهددون بالعودة والأنتقام من جديد أجيالا من الشباب في حروب دموية مهلكة خاوية أفقرت العراق وأوصلته ألى شفير الهاوية وصادر كل أحلامهم وتطلعاتهم من خلال تلك الجيوش التي أسماها ب (جيش القادسية) و (جيش القدس) و (فدائيي صدام) وزرع في نفوس الملايين من الشباب روح التعطش ألى الحروب والأنتقام والغزو والدمار وانتزع من أرواحهم روح الميل ألى البناء والولوج ألى عالم العلم والمعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجي لبناء قاعدة صناعية زراعية قوية يتباهى بها العراق على الأمم الأخرى بالأضافة ألى تقوية القدرات الدفاعية للوطن ضد الأخطار الخارجية من غير الأعتداء وغزو أراضي الآخرين وقد كان العراق مؤهلا لكل هذا لو وضعت تلك الأنظمة الجائرة الأستبدادية قدرات الشباب في مكانها الصحيح ولكن الحرف (لو) لم يعد مجديا بعد فوات الأوان ووقوع الفاس في يافوخ الرأس. وبعد خراب البصرة كما تقول الأمثال.
لقد كانت مؤسسات التصنيع العسكري التي يشرف عليها صهر الطاغية المقبور العريف الأمي حسين كامل عبارة عن أماكن مغلقة تتكدس فيها أسلحة القتل والدمار المستوردة بمليارات الدولارات التي اشتراها من دول الشرق والغرب تلك الأموال الطائلة التي سرقها النظام من قوت الشعب وسخرها لبناء مجده الشخصي وكانت تلك المؤسسات الزائفة أماكن يهان ويذل فيها شباب العراق ويسمعون فيها أبشع الكلمات والشتائم وأحيانا الجلد والضرب بالصوندات ووسائل التعذيب الأخرى من ذلك العريف الأمي الذي استيقظ ذات صباح ووصلت أليه رتبة فريق ركن من سيده وعمه صاحب الكرم الحاتمي في منح الرتب العسكرية لأبنائه وأقربائه وجلاوزته ويوهمون الشعب بأنهم قد ولجوا عالم الأختراعات العسكرية ووصلوا ألى قمة العلم والتكنولوجيا وما كانت تلك الأدعاءات ألا وهما وكذبة كبرى روجها ذلك النظام القمعي البوليسي وأجهزته الدموية لتغليف نفسه بهالة زائفة من الهيبة وزرع الخوف في نفوس أبناء الشعب العراقي في الوقت الذي كان فيه العراق يستورد السيارة والماكنة الزراعية والأدوات الكهربائية والملابس وحتى أبرة الخياطة وعلب الكبريت وأقلام الرصاص من الدول الأخرى. وسيق خريجو كليات الطب والهندسة والعلوم ألى معسكرات التدريب وزجوا في تلك الحروب العبثية بدم بارد وضاعت آمالهم في خدمة وطنهم وتحولوا ألى جثث هامدة في أتون تلك الحروب الظالمة التي أشعلها النظام تندب عليهم أمهاتهم ويملأ الحزن والكمد قلوب آبائهم الذين بذلوا الغالي والرخيص لكي يروا أبناءهم وقد انخرطوا في خدمة وطنهم العراق ومن ثم تكوين أسر آمنة مطمئنة تكون نواة للمجتمع العراقي ولم تقرتلك الأعين و تبخرت كل تلك الأحلام وتحولت ألى هشيم محترق. أما من بقي سالما فقد أنهكته متاعب الحروب وأهوالها بعد بقائه لفترة طويلة في الجيش وصلت ألى 20 عاما وبعد تسريحهم وجدوا أنفسهم مرميين على الرصيف دون أن يقول لهم أحد من مشعلي تلك الحروب من أنتم ولماذا أنتم تجوبون الشوارع طولا وعرضا وأين سترسو بكم سفينة الحياة? لكن تنظيمهم في حزب البعث الفاشي لتسميم أفكارهم وزرع الروح الطائفية والعنصرية المقيتة في نفوسهم كان أهم من كل شيئ بعد أن رحل الشباب عنهم. تلتها بعد ذلك أثنا عشر عاما من الحصار عزل فيه العراق عن كل وسائل الحضارة والمدنية ولحق الضرر الكبير بكافة شرائح المجتمع العراقي ومنهم شريحة الشباب وتوقفت معظم المصانع عن العمل. وسادت الأمراض المختلفة بين أوساط الشعب وخاصة الأطفال والشباب وكذلك الشيوخ.
واليوم وبعد حوالي سبع سنوات ونصف من سقوط صنم الظلم والأستبداد لم يلمس شباب العراق الذين يعدون بالملايين أية تغيرات أيجابية في حياتهم وظلت حقوقهم مهدورة ضائعة حيث يتخرج سنويا عشرات الآلاف من هؤلاء الشباب من مختلف الكليات والمعاهد ليجدوا أنفسهم ضائعين في شوارع العراق وأزقته يعانون من البطالة المكشوفة والمقنعة نتيجة غياب الخطط والدراسات وفي أحسن الأحوال يصبح هذا الشاب الذي قضى نصف عمره في الدراسة والسعي سائق تكسي أذا جمعت عائلته كل ماتبقى لها من متاع العمرلشراء تلك السيارة (التعبانة) أحيانا وفي أكثر الأحوال يكون بائعا متجولا تطارده البلدية من مكان ألى مكان وكأنه دخيل على هذا الوطن! وأعمال أخرى بسيطة يضطر لممارستها لكي يحصل على لقمة العيش في أتون هذا الغلاء الفاحش الذي يتصاعد بمرور الأيام في الغذاء والملبس والحاجيات الضرورية الأخرى. أما الزواج وتكوين أسرة فقد أصبح في خبر كان لايدركه ألا ذو حظ عظيم وقد قال الله في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا أليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.) 21 - الروم وهذه الآية العظيمة تبين الحالة التي تجعل من الشاب عنصرا خيرا وفاعلا ومنتجا ومطمئنا وبعيدا عن الأنزلاق في المسالك الخطرة عليه وعلى مجتمعه في دولة تهيئ له سبل الأستقرار وتساعده على اجتياز مصاعب الحياة وتذليلها في حالة الزواج. وهذا حق ألهي مشروع للشاب. ولكن كيف يتحقق ذلك أذا كان الصراع بين أقطاب السياسة من أجل الحصول على المغانم بعيدا عن مشروع بناء الدوله ومن أهم هذا المشروع الأهتمام بالشباب ورعايتهم ووضعهم في أماكن يستحقونها فأين الدولة العراقية الحالية من كل هذا وقد قدر الخبراء أن أكثر من ثلاثين ألف مصنع قد تعطلت في العراق في ظل فوضى الأستيراد العشوائية الرهيبة التي حولت المجتمع ألى مستهلك للبضاعة
الأجنبية والتي تدخل للعراق دون ضوابط وتدهورت الزراعة تماما وشهد الريف هجرة واسعة متعاقبة منذ عقود ولم توضع الحلول للحد منها فاين سيجد الشاب فرصته ليحصل على ماينتجه عقله وما تصنعه أنامله وعرق جبينه على لقمة عيش هانئة يستطيع من خلالها بمساعدة الدولة من اختيار شريكة حياته و في هذه الفوضى الخلاقة التي خلقها الأحتلال? وكيف سينتشل الشباب من هذا الوضع البائس ويتم التخفيف من البطالة التي ستجلب الكوارث تلو الكوارث لهذا الوطن بعد انتشار حالات الأحباط واليأس والقنوط بين أوساط الشباب وبعد أن سلك البعض منهم طرقا غير شرعية وغير أخلاقيه لأثبات وجودهم في ظل سلطة تتجاهل طموحاتهم وأحلامهم وحقوقهم ولا أبالغ أذا قلت أن الكثيرين من هؤلاء الشباب قد انخرطوا في عصابات الجريمة المنظمة والأرهاب وميليشيات الأحزاب المتصارعة ليؤذوا شعبهم ووطنهم بدل أن يكونوا قوة بناء يمد الوطن بأكسير الحياة ويمضي به ألى شاطئ الحياة الحرة الكريمة بعد أن يتم أشباع رغباته المادية والروحية من قبل من بيده القراروهذا مالم يحصل لحد اليوم في ظل وطن مزقه السياسيون وأصروا واستكبروا على أن يكون قرارهم مستمدا من خارج الحدود وتزداد صراعاتهم وتصريحاتهم المتشنجة المخزية والمخجلة بحق بعضهم البعض أكثر فأكثر دون أن يلوح بصيص ضوء في الأفق. بعد أن أدخلت الفوضى الخلاقة للأحتلال كل وسائل أفساد الشباب لأبعادهم عن الهدف الأسمى الذي ينتظرهم لبناء وطنهم حيث المخدرات والأفلام الأباحية وغيرها من الوسائل الخبيثة لتحطيم الشباب والتي تعمل عليها جهات معادية للعراقولا يمكن تبرئة الكيان الصهيوني من هذا الهدف الذي يثلج قلبه . لقد شاهدت بعيني مجموعات كبيرة من الشباب يعانون البطاله وهم ناقمون جدا على حكومتهم وعلى تصرفات السياسيين الذين أهملوهم تماما وقد هاجر الكثير منهم ألى دول مجاورة أقل شأنا بكثير من أمكانات العراق المادية ليبحثوا عن عمل.! ولقد سمعت مسميات غريبة عن تأريخ العراقيين يتداولها الشباب فيما بينهم في أحاديثهم ك (الكبسله) و (الذباحه) و (العلاسه) وغيرها من المسميات الغريبة نتيجة هذه الأوضاع الشاذة والخطيرة التي يعيشها العراق اليوم وأقول بملء فمي ومن أعماقي: أيها السياسيون الطامحون ألى قيادة الشعب العراقي في المرحلة القادمة لاتجعلوا من شباب العراق يشعرون بالغربة في وطنهم نتيجة الحرمان الذي يعصف بهم و الذي تراكم على كواهلهم لعقود طويلة وهم الشريحة الأكثر استعدادا للتغيير من السلبية ألى الأيجابية أذا أحسوا أن الدولة مهتمة بطموحاتهم المشروعة والعكس بالعكس صحيح لقد أصبح واضحا لكل ذي بصر وبصيرة أن هناك حملات أعلامية مشبوهة ومحمومة لجعل شباب العراق أداة لتنفيذ مآرب جهنميه مستغلة وضعهم المأساوي الحالي الذي يعيشونه وأهمها نسف هويتهم الأسلامية الحقة وانتزاع روح الرجولة والشهامة والقيم الفاضلة من أعماقهم لكي يسهل تغييبهم وقتل أحاسيسهم وما يحدث لوطنهم وأذا تلوثت صفوة الحياة وهم الشباب فقد أصيبت الأمة في الصميم وعلى الوطن السلام وهذا مايسعى أليه أعداء العراق اليوم. أن الأخطار كبيرة وأوسع من مساحة العراق وعلى السياسيين أن يدركوا ذلك قبل فوات الأوان أذا مابقيت لهم ضمائر حية والعراق يستطيع أن يستوعب شبابه في كافة مجالات الحياة لو كان هناك حرص على هذه الشريحة المهمة والحيوية من أبناء العراق من عقول نيرة وكفوءة يزخر بها العراق لوضع الخطط والدراسات وأيجاد الحلول الناجعة لأنتشال شباب العراق مما هم فيه والذي فات فات وعلى الحكومة القادمة أن تدرك ذلك تماما وعليها تقع المسؤولية التأريخية والأخلاقية للأهتمام بشريحة الشباب وأنهاء الحرمان الذي يعصف بهم بعد أن شبع هؤلاء الشباب أطنانا من الوعود طيلة عقود مضت ولم يتحقق منها شيئ وأخيرا أقول عسى ولعل وربما وكما قال الشاعر:
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل فهل من مجيب? والله من وراء القصد.
جعفر المهاجر / السويد في 17/10/2010 م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat