صفحة الكاتب : عدوية الهلالي

سهولة ( الشهادة)
عدوية الهلالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
و"لاتدري نفس بأي أرض تموت "، ولايدري العراقي أي موت ينتظره وهو يخرج من بيته ككل يوم ليلتحق بعمله او يقضي أمرا او يتبضع في الاسواق أو يرفه عن نفسه في مقهى ..لقد تساوت الأمور لديه لدرجة انه لايتوانى عن مواصلة حياته العادية بعد كل موت مفاجيء وكأنه كان على موعد مع الموت أو انه رفيقه الدائم الذي لم يعد يخشاه أو يتهيب حضوره ..صاريمكنه ببساطة أن يشهد انفجارا تتساقط فيه عشرات الجثث وتسيل فيه دماء غالية وماان يبتعد عنه قليلا حتى يشغل مذياع السيارة ليستمع الى اغنية راقصة أو يتناول وجبة سريعة ..أما حين يشاهد صور الانفجارفي مواقع التواصل الاجتماعي فيكتفي بالترحم على الموتى والدعاء لهم بالجنة والدعاء على من كان السبب في اضافة يوم دام آخر الى ايام العراق الدامية ...
لم يكن العراقي يوما متبلد الاحساس أو شديد الايمان بالقضاء والقدر فقد كان انسانا طبيعيا كغيره يحلم ويعمل لضمان المستقبل ..يحزن حين يرى الموت ويبكي لبكاء طفل يتيم ، لكن كثرة الموت افقدت العراقي حواسه وصار كل مايفكر فيه هو تحصيل رزقه اليومي لأدامة حياته وحياة اسرته يوما آخر قبل أن يصبح رقما في احصائية قتلى انفجار جديد ..يدرك العراقي انه سيحمل وقتها صفة (شهيد )  وهي ارقى بكثير من صفة قتيل او متوفى لكن الشهادة ذاتها فقدت معناها منذ ان صارتحصيلها اسهل بكثير من الخروج الى الجهاد او الدفاع عن أرض او عرض ، اذ باتت وجها       آخر للموت المتربص بالعراقيين في كل مكان ..
بعد أن انكشفت لعبة (السونار ) القذرة وتبين ان عشرات السيارات المفخخة مرت بسهولة أمام عينيه وراح ضحيتها مئات العراقيين ، ظهرت كذبة نصب كاميرات المراقبة في الشوارع لتحظى بسخرية العراقيين فالسيارات المفخخة مازالت تجوب الشوارع بثقة والانتحاريون يواصلون اختيار الاماكن الأشد ازدحاما لتحقيق موت اكثر دسومة ، وفي الوقت الذي تنتعش فيه جيوب المسؤولين بمثل هذه الصفقات حتى يحل يوم انكشاف ماخفي وراءها والذي يمر بدوره بدون حساب ، يتواصل مسلسل الموت اليومي وتتزايد الأيام الدامية ويصبح الموت رفيقا أليفا لايخشاه العراقيون ...
بعد حادث الكرادة الرهيب والشهير ، لم يتوخى العراقيون الحذر من أماكن التسوق والترفيه وواصلوا التواجد فيها في المناسبات وسواها فالموت العراقي زائر مفاجيء لايعلن عن موعد مجيئه لكنه متواجد في كل مكان ، لهذا زارمنطقة الحبيبية ليخلف عشرات الضحايا ، ثم انتقل في اليوم التالي بخفة ليزور معارض البيع المباشر للمركبات في منطقة البياع ويمنح صفة الشهادة لأكثر من خمسين روحا بريئة ...
في اليوم التالي ، خرج العراقيون لمواصلة حياتهم دون أن يشغلوا اذهانهم بالحاجة الى تغيير الخطط الامنية او محاسبة القيادات المقصرة وتعزيز الرقابة ، فالمهم لديهم هو تحصيل رزقهم وقضاء حوائجهم والأهم هو اعتياد زيارات الموت المفاجئة والتوقف عن انتقاد السياسيين الذين استورددوا لهم الموت المجاني مع الديمقراطية المستوردة ويكفيهم أن يطالب مجلس النواب رئيس الوزراء باعلان الحداد الرسمي العام على ارواح شهداء الحبيبية والبياع ، فهذا اكبر دليل على ان المسؤولين العراقيين ليسوا متبلدي الاحساس وان موت العراقيين يعني لهم الكثير !!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدوية الهلالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/20



كتابة تعليق لموضوع : سهولة ( الشهادة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net