لم يحظ كتاب عربي بمثل ما حظي به "الأيام" من شهرة ورواج. وقد أتى حين من الدهر كان فيه الشغل الشاغل للصفوة من المتعلمين. حتى أن فصولاً منه كانت مبثوثة في كتب المطالعة المقررة على المدارس الثانوية لدينا. هذا عدا عن انتشاره الواسع في المكتبات الخاصة والعامة في تلك الحقبة.
ولا أعلم على وجه القطع هل كان هذا الكتاب سبباً في ذيوع صاحبه، الدكتور طه حسين، أم العكس. إلا أن من المؤكد أنه أسهم في ازدياد شعبيته لدى السواد الأعظم من الناس. ولم يكن باعثه في البوح بخفايا حياته التحرر أو الخلاص. ولم يصدم القارئ ببعض التفاصيل التي لم يتحرج عن إيرادها الآخرون. لكنه روى ذكرياته بشئ من الانكسار، وحمل قراءه على الانحياز إليه. ولم تظهر في سيرته نزعة الدفاع عن الذات التي انتهجها المشاهير في نشأتهم الأولى. فقد حقق طه حسين نجاحات متتالية وغير مسبوقة. وتقدم في كل مجال وضع أقدامه فيه. وكانت سنوات تكوينه المفعمة بالمعاناة، وفقدانه لبصره، وتفوقه على أقرانه، عوامل جعلت منه نجماً ساطعاً، امتزج الإعجاب به بالمحبة، والإكبار له بالمودة. فأسهم كتاب الأيام بالتفاف الناس حوله، وتفضيلهم له على من سواه.
وكتب السيرة التي سطرها المشاهير في مراحل مختلفة من حياتهم كثيرة ومتنوعة. ولأنهم معروفون وناجحون فقد تلقفها القراء في كل مكان. ولم تزدهم هذه السير انتشاراً، ولكنها أشبعت فضول القراء في معرفة ما خفي عن الأنظار. وكثير منهم لم يجرؤ على البوح بالحقيقة المطلقة. فالسيرة لديهم مرافعة مبهرة ومحام ماهر. والغرض منها تبرير الإخفاقات الكبرى التي ارتكبوها في مراحل مختلفة من حياتهم. وهكذا فإن مذكرات الزعماء التي كتبت بعد مغادرتهم السلطة، تحوي الكثير من الأعذار. ولكنها تكشف في الوقت ذاته عن الكثير من الأسرار، التي بقيت في طي الكتمان مدة غير يسيرة.
وطه حسين لم يحتج إلى مثل هذه التبريرات في سيرته، لأنه لم يكن زعيماً سياسياً أو قائداً عسكرياً. وما تحدث عنه كان سلسلة من نجاحات كبيرة وإخفاقات صغيرة. وكانت مبادرة ذكية منه لكسب تعاطف المجتمع ومحبته، ولاسيما بعد الصراع المرير الذي خاضه مع المؤسسة الدينية التقليدية، والعروبيين المتشددين.
كم أتمنى أن يقرأ شباننا الصغار هذا الكتاب، الذي عاود الظهور على الأرصفة قبل أيام قليلة بعد انقطاع طويل. فما يستخلصه المرء منه، عدا عن لغته الجزلة وأسلوبه العالي، أعظم من أي درس آخر يمكن استخلاصه في هذه الحياة!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
لم يحظ كتاب عربي بمثل ما حظي به "الأيام" من شهرة ورواج. وقد أتى حين من الدهر كان فيه الشغل الشاغل للصفوة من المتعلمين. حتى أن فصولاً منه كانت مبثوثة في كتب المطالعة المقررة على المدارس الثانوية لدينا. هذا عدا عن انتشاره الواسع في المكتبات الخاصة والعامة في تلك الحقبة.
ولا أعلم على وجه القطع هل كان هذا الكتاب سبباً في ذيوع صاحبه، الدكتور طه حسين، أم العكس. إلا أن من المؤكد أنه أسهم في ازدياد شعبيته لدى السواد الأعظم من الناس. ولم يكن باعثه في البوح بخفايا حياته التحرر أو الخلاص. ولم يصدم القارئ ببعض التفاصيل التي لم يتحرج عن إيرادها الآخرون. لكنه روى ذكرياته بشئ من الانكسار، وحمل قراءه على الانحياز إليه. ولم تظهر في سيرته نزعة الدفاع عن الذات التي انتهجها المشاهير في نشأتهم الأولى. فقد حقق طه حسين نجاحات متتالية وغير مسبوقة. وتقدم في كل مجال وضع أقدامه فيه. وكانت سنوات تكوينه المفعمة بالمعاناة، وفقدانه لبصره، وتفوقه على أقرانه، عوامل جعلت منه نجماً ساطعاً، امتزج الإعجاب به بالمحبة، والإكبار له بالمودة. فأسهم كتاب الأيام بالتفاف الناس حوله، وتفضيلهم له على من سواه.
وكتب السيرة التي سطرها المشاهير في مراحل مختلفة من حياتهم كثيرة ومتنوعة. ولأنهم معروفون وناجحون فقد تلقفها القراء في كل مكان. ولم تزدهم هذه السير انتشاراً، ولكنها أشبعت فضول القراء في معرفة ما خفي عن الأنظار. وكثير منهم لم يجرؤ على البوح بالحقيقة المطلقة. فالسيرة لديهم مرافعة مبهرة ومحام ماهر. والغرض منها تبرير الإخفاقات الكبرى التي ارتكبوها في مراحل مختلفة من حياتهم. وهكذا فإن مذكرات الزعماء التي كتبت بعد مغادرتهم السلطة، تحوي الكثير من الأعذار. ولكنها تكشف في الوقت ذاته عن الكثير من الأسرار، التي بقيت في طي الكتمان مدة غير يسيرة.
وطه حسين لم يحتج إلى مثل هذه التبريرات في سيرته، لأنه لم يكن زعيماً سياسياً أو قائداً عسكرياً. وما تحدث عنه كان سلسلة من نجاحات كبيرة وإخفاقات صغيرة. وكانت مبادرة ذكية منه لكسب تعاطف المجتمع ومحبته، ولاسيما بعد الصراع المرير الذي خاضه مع المؤسسة الدينية التقليدية، والعروبيين المتشددين.
كم أتمنى أن يقرأ شباننا الصغار هذا الكتاب، الذي عاود الظهور على الأرصفة قبل أيام قليلة بعد انقطاع طويل. فما يستخلصه المرء منه، عدا عن لغته الجزلة وأسلوبه العالي، أعظم من أي درس آخر يمكن استخلاصه في هذه الحياة!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat