قوانين بلا معايير...أي حديث عن القوانين العملية؟
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الهروب من الأسس المعيارية للخطاب القانوني والتضخيم المفتعل للوضعية الإجرائية للقوانين شكل من الهروب من المدرسة..هذا مع أنّ التّمردّ حاجة تاريخية لإبداع الأشكال الأكثر حيوية في حياة النّوع..إنّ بجاحة إنسان النهضة قادته إلى اعتماد الهندسة مثالا ومعيار خالدا..سبق وقلنا أنّ هذه البجاحة هي من قاد فولتير يوما للتأكيد على وحدة الأخلاق بناء على وحدة الهندسة..وهذا مثال نضربه على صحّة الاستنتاج وخطأ المقدّمات، لكن ماذا لو صحّت المقدّماتوأخطأت النتيجة.هناك شيء مؤلم في تاريخ الأفكار..هو ذلك الخلط الكبير بين السياقات والموضوعات..اختار القانون الفيزياء مثالا..قوانين الفيزياء كنموذج لقوانين المجتمع..الحياد الميكانيكي الذي كرسه المفهوم التّاريخي للعدالة..ومع أننا حتى في الفيزياء لا نقف على اليقين والدّقة، فإنّ القوانين في مجال البيولوجيا هي أقرب إلى القوانين المتعلقة بالجسم الاجتماعي..فإذن الحاجة ملحة للحديث عن بيولوجيا اجتماعية حيث هنا كل شيء وارد، والقوانين محتملة..انظر تجد الإشكال ماثلا في موضوع العدالة الجنائية..فليس كل المجرمين سواء..ولا تأويل المسؤولية سواء..ولا مفهوما الجريمة والعقاب سواء..المأزق الإبستيمولوجي لا يستثني القانون..وإذن ما هو الضامن يا ترى إن تمّ نسف الأصول المعيارية للعدالة وأصبح الحديث فقط عن إجراءات تدور حول عدالة التوزيع ويحددها التشكل الوهمي للحاجات والمتطلبات..هل يا ترى يمكن اعتبار التسوية في توزيع المكاسب غير المشروع عدلا؟ هذا ما تفعله المافيا وفق مفارقة تقاسم المسروق بمروءة وفضيلة الوفاء..
سأعيد طرح السؤال بكثير من الجرأة: ما هو الشّكل النموذجي للعدالة بينما القوانين نفسها لا تعترف بأي وفاء لأي قيمة معيارية؟..فالتوزيغ يدور حول الخير..ولكن الخير هنا له مدلول اختزالي يستقي معناه من الاقتصاد القياسي..أين العدالة في مستوى توزيع الحقيقة والحقوق؟..ولنكن أكثر عمليين: ماذا يعني إقحام تكافؤ الفرص في أساس المجتمع الذي يقوم نظامه على الإنصاف؟ هذا مع أنّ إقرار المساواة الأساسية من دون تمكين المجتمع هو أشبه بمنح التسوية وتكافؤ الفرص الأساسية في سباق بين الذئب والحمل..هذه التسوية لا تقع إلاّ في مخيّلة الأطفال..سأل الراعي ولده بعد أن استخلفه في حراسة القطيع..عن شاة مفقودة..قال لولده : أين الشاة يا ولدي؟ قال الولد: لا أدري ولكني رأيتها تطارد الذئب..قال الوالد: دعك الآن من قضية: من يطارد من,,اخبرني فقط في أي اتجاه ذهبا؟ في نظر الولد، فإنّ مطاردة الشاة للذئب أو العكس سيان..وكذلك تكافؤ الفرص في مجتمع ليبرالي متفاوت الفرصة في بنية النظام..وإذن ماذا في وسع العدالة الإجرائية أن تفعل في غياب الضامن من روح القوانين؟ القوانين تعالج نقائصها ونقائضها في نقاش مفتوح تمنحه الديمقراطية مشروعية الوسيلة الوحيدة للتوافق..ولكن المصهر الجماعي يغلي بالنزاعات والحروب والموت السريع والمرعب..هناك النقاش العمومي حول أفضل القوانين يأحذ طابع الفولكلور الديمقراطي..يوجد قانون..ودائما كان يوجد القانون..ولكن المشهد عبارة عن رمال متحركة..قدم ترفع وقدم تغرق في انتظار الغرق....
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ادريس هاني

الهروب من الأسس المعيارية للخطاب القانوني والتضخيم المفتعل للوضعية الإجرائية للقوانين شكل من الهروب من المدرسة..هذا مع أنّ التّمردّ حاجة تاريخية لإبداع الأشكال الأكثر حيوية في حياة النّوع..إنّ بجاحة إنسان النهضة قادته إلى اعتماد الهندسة مثالا ومعيار خالدا..سبق وقلنا أنّ هذه البجاحة هي من قاد فولتير يوما للتأكيد على وحدة الأخلاق بناء على وحدة الهندسة..وهذا مثال نضربه على صحّة الاستنتاج وخطأ المقدّمات، لكن ماذا لو صحّت المقدّماتوأخطأت النتيجة.هناك شيء مؤلم في تاريخ الأفكار..هو ذلك الخلط الكبير بين السياقات والموضوعات..اختار القانون الفيزياء مثالا..قوانين الفيزياء كنموذج لقوانين المجتمع..الحياد الميكانيكي الذي كرسه المفهوم التّاريخي للعدالة..ومع أننا حتى في الفيزياء لا نقف على اليقين والدّقة، فإنّ القوانين في مجال البيولوجيا هي أقرب إلى القوانين المتعلقة بالجسم الاجتماعي..فإذن الحاجة ملحة للحديث عن بيولوجيا اجتماعية حيث هنا كل شيء وارد، والقوانين محتملة..انظر تجد الإشكال ماثلا في موضوع العدالة الجنائية..فليس كل المجرمين سواء..ولا تأويل المسؤولية سواء..ولا مفهوما الجريمة والعقاب سواء..المأزق الإبستيمولوجي لا يستثني القانون..وإذن ما هو الضامن يا ترى إن تمّ نسف الأصول المعيارية للعدالة وأصبح الحديث فقط عن إجراءات تدور حول عدالة التوزيع ويحددها التشكل الوهمي للحاجات والمتطلبات..هل يا ترى يمكن اعتبار التسوية في توزيع المكاسب غير المشروع عدلا؟ هذا ما تفعله المافيا وفق مفارقة تقاسم المسروق بمروءة وفضيلة الوفاء..
سأعيد طرح السؤال بكثير من الجرأة: ما هو الشّكل النموذجي للعدالة بينما القوانين نفسها لا تعترف بأي وفاء لأي قيمة معيارية؟..فالتوزيغ يدور حول الخير..ولكن الخير هنا له مدلول اختزالي يستقي معناه من الاقتصاد القياسي..أين العدالة في مستوى توزيع الحقيقة والحقوق؟..ولنكن أكثر عمليين: ماذا يعني إقحام تكافؤ الفرص في أساس المجتمع الذي يقوم نظامه على الإنصاف؟ هذا مع أنّ إقرار المساواة الأساسية من دون تمكين المجتمع هو أشبه بمنح التسوية وتكافؤ الفرص الأساسية في سباق بين الذئب والحمل..هذه التسوية لا تقع إلاّ في مخيّلة الأطفال..سأل الراعي ولده بعد أن استخلفه في حراسة القطيع..عن شاة مفقودة..قال لولده : أين الشاة يا ولدي؟ قال الولد: لا أدري ولكني رأيتها تطارد الذئب..قال الوالد: دعك الآن من قضية: من يطارد من,,اخبرني فقط في أي اتجاه ذهبا؟ في نظر الولد، فإنّ مطاردة الشاة للذئب أو العكس سيان..وكذلك تكافؤ الفرص في مجتمع ليبرالي متفاوت الفرصة في بنية النظام..وإذن ماذا في وسع العدالة الإجرائية أن تفعل في غياب الضامن من روح القوانين؟ القوانين تعالج نقائصها ونقائضها في نقاش مفتوح تمنحه الديمقراطية مشروعية الوسيلة الوحيدة للتوافق..ولكن المصهر الجماعي يغلي بالنزاعات والحروب والموت السريع والمرعب..هناك النقاش العمومي حول أفضل القوانين يأحذ طابع الفولكلور الديمقراطي..يوجد قانون..ودائما كان يوجد القانون..ولكن المشهد عبارة عن رمال متحركة..قدم ترفع وقدم تغرق في انتظار الغرق....
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat