ما مصير الفلسفة في زمن التساؤلات الضّحلة؟
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ارتبط التفكير الفلسفي اليوم بالتّوتر الجماعي الذي تخلفه آثار الأنماط السوسيو ـ اقتصادية..تحولت الأسئلة الأنطولوجية إلى أسئلة سوسيولوجية..وهذا يعني أنّ الفلسفة فقدت بعضا من محدّداتها التقليدية: البحث في الوجود..وقد طغت السوسيولوجيا في اهتماماتها القياسية لتستبعد الأسئلة الوجودية مما أوجد شرخا بين أسئلة الوجود النوعي وأسئلة الوجود الجماعي..طغيان المؤسسة على الشخصانية..يتجاهل السوسيولوجي جذور الأزمة التي تبدأ من استبعاد السؤال الأنطولوجي..ذلك لأنّ الأزمة الوجودية في نهاية المطاف تنعكس على الأنماط السوسيولوجية..هذه الأخيرة آلت إلى وضعية الضحالة التي لا تكتفي باستبعاد السؤال الوجودي بل باتت وضعية تعاند ضدّ السؤال لتفسح المجال أمام الإخضاع عبر المؤسسة..تكرّس السوسيولوجيا الإحساس الجماعي بقدرية المؤسّسة.. مصير الفلسفة في مشهد تهيمن عليه السوسيولوجيا القياسية والاقتصاد القياسي هو مصير مجهول..
لكن ما حظّ العرب من الفلسفة وقد تدهورت أسئلتها حين باتت الفلسفة تكرارا واسترجاعا وتزييفا للسؤال؟..خرائط التفكير العربي تقع خارج السؤال الفلسفي لأنها منهمكة في أجوبة تستقوي بالمدد الأيديولوجي..الأيديولوجيا العربية فكّت آخر أواصرها مع المعرفة وهي تعيش على ما تبقّى من آثارها..لا يتعلق الأمر بنهاية الأيديولوجيا بل بنهاية العلاقة بين الأيديولوجيا والمعرفة مما نتج عنه تورّم أيديولوجي أصاب المعرفة بالشّلل النّصفي..أسئلة الفلسفة العربية لا زالت تدور مدار الجدل التاريخي المزمن حول الحداثة..يفكر الغربيون في تجاوز الحداثة والبحث عن وجهها الآخر، بينما لا زال العقل العربي في قاعة انتظار تنزيل الحداثة في بيئة تعيش حداثة مفرغة من روحها..أسئلة الفلسفة المعاصرة في الغرب ارتبطت بمعطيات التقدم العلمي والتقني، لكنها في البلاد العربية هي تساؤلات تتعلق بالتأخر لا بأزمة التّقدم..عند المقارنة تشعر بالإفلاس..وكأنّ العقل العربي كفّ عن إبداع تساؤلات جذرية خارج منظومة التبعية التي أصابت العقل العربي في الصميم..
ماذا في وسع الفيلسوف ومن يمتهن الفلسفة في المجال العربي أن يفعل إزاء التحدّي الذي تفرضه المسافة الحضارية بين العرب والغرب؟
عند تقييم الحصيلة الفلسفية العربية في العشرية الأخيرة على الأقل، كنّا أمام تشغيب وحجاج أقحم الفلسفة في إنشاء ينزاح بها عن تساؤلاتها الثورية..أصبحت أسئلة الفلسفة هي نفسها أسئلة الأيديولوجيا: أسئلة تهدف إلى الضبط والإخضاع والتزييف..وباتت وظيفة المفاهيم الفلسفية أن تقدّم شهادة زور لتعزيز صرح الأيديولوجيا العربية المعاصرة التي لازالت على ذمّة التقسيم الأثير للعروي، حصيلة تنازع بين الشيخ والتكنوقراط والسياسي..ومع هذا الثلاثي قد يصبح السؤال الفلسفي حرجا..أدخل العروي استحقاقات الأسئلة التاريخية والسوسيولوجية في قلب السؤال الفلسفي..لكن سيأتي الجابري ليقحم أسئلة السلفية في صميم السؤال الفلسفي فيأتي طه عبد الرحمن ليقحم أسئلة التصوف/السلفي وليس العرفاني في صلب السؤال الفلسفي..في هذه الأمثلة ارتهن السؤال الفلسفي لهواجس تاريخية وسوسيولوجية وعقائدية، على حساب السؤال الأنطولوجي الذي غاب غيابا حرجا في المجال العربي..
إنّ الخطاب الفلسفي العربي يعيش نكسة حقيقية، لأنه بات خطابا يفترض حلولا خارج أسئلة الفلسفة نفسها..إنّ منتهى ما وصل إليه حال الفلسفة العربية، أنها تبحث عن حلولها في المسند التّيمي..إنّها ردّة فلسفية مأساوية تلك التي سقط فيها العرب..فالزمن العربي اليوم تسلفن سوسيولوجيا وأيديولوجيا وفلسفيا..إنّ حركة إحياء لابن تيمية تنطلق من داخل الدرس الفلسفي لهي أزمة حقيقية في الخطاب الفلسفي العربي..
لم يعد للفلسفة أسئلة عالمية بل باتت لها أسئلة قبلية ومبلقنة..أي معنى ليوم عالمي للفلسفة، بعد أن تنكرت هذه الأخيرة لأسئلة الوجود الذي كان يعزز كونيتها وعالميتها..
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ادريس هاني

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat