:ـ من انت؟
قلت: أنا كاتب قصة، أجوب العالم أبحث عن نماذج إنسانية لها فعل بطولي أنمّيه في خيالي، حتى يصبح بالصورة التي أراها اكتملت، لأقدم هذ الفعل البطولي الى الناس.
هنا اعترض الحاج:ـ لكن عليك ان تعرف اني لست من صنيعة أفكارك، أنا الحاج زامل عبد الحسين الدراجي من اهل ميسان، انسان حر لي كياني الادمي، وموقفي.. اتركني لنفسي وانصرف الى خيالك، انا لست بحاجة الى من ينتقي من فعلي الذي يريده هو.
قلت له: حاج رجاء اهدأ كي افهمك القضية.
صاح غاضباً:ـ انا لا أريد أن استمد حياتي من أفكار احد، كل ما وهبني الله من فرح وألم وحياة هي من صنع الله تعالى، لي حياتي وحكايتي فلا تحشر نفسك وكأنك انت من خلق تلك الأحداث التي عشتها أنا.
نحن ابطال الدفاع المقدس لسنا ابطالا من ورق، نحن ابطال واقع عراقي رشيد لا نحتاج الى تزويق.
قلت: يا حاج، انا كل الذي اريد ان افعله ان اصوغ فعلكم الانساني الى الناس، ففي حياتكم دلالات ومعان نادرة، والانسان المعطاء ليس ملكا لذاته، بل هو ملك امة وسيكون جزءا من تاريخها بدءا من لحظة الفعل.
قال الحاج:ـ هذا يعني اننا نمتلك النموذج الذي ستنقله الى الناس وليس من حقك ايها الكاتب ان تسيرنا حسب اسلوبك.
اذن، اكتب انت وارني ماذا ستكتب.
قلت: حاج ترفق بي فأنا جئت لخدمتك، كتبت في السطر الاول (والحاج يتابع كل كلمة معي).
نظر الحاج زامل الى من حوله في المضيف قائلاً: أعاهدكم اني لن أقول لها شيئاً فاطمئنوا.
اعترض الحاج لكن هذه المرة بهدوء: هل تعرف انها زوجتي وام اولادي، ألا يكفي انها أم خضير، لكن رغم ذلك انا ما عاهدت احدا ان لا اقول لها شيئا بل عندي في صدري كلمة واحدة لابد ان اقولها لها.
قلت:ـ ما هي يا حاج، لقد أخذني الفضول.. قال الحاج: لا أريد أن أقولها إلا لأم خضير ودع أمرك لي، واكتب ما سأرويه لك، قلت:ـ أمرك حاج فقال:ـ اكتب يا بني، تعرضت منطقة الهياكل لهجوم بسيارة مدرعة ومفخخة، كان ذلك في يوم عاصف برياح ترابية مما ادى الى صعوبة استهداف السيارة بصواريخ (الآر بي جي سفن) لانعدام الرؤيا.
كنت اتمنى لو كنت لحظتها قريبا منه، لكني لا املك سوى ان انظر الى المشهد الذي امامي، وإذا بشاب يركض مرتديا العلم العراقي، وقف امام المدرعة واستهدفها بصاروخ فانفجرت.. احسست حينها ان الشاب تعرض لشظايا الانفجار.
قلت مع نفسي: طوبى لهم.. هؤلاء هم شبابنا فيهم اصل من علي الاكبر (عليه السلام)، وقررت في ذات اللحظة ان اذهب اليه واحتضنه كأب غاب عنه ابوه، اقبله اعانق فيه العراق، وإذا بأصدقائه يمنعوني من التقرب اليه.. اتركوني عساي اتعرف عليه، ما دام هو ابن ميسان، دعوني اكون قربه وهو يلفظ انفاسه الاخيرة.
اشتد الموقف، المقاتلون يبكون تحررت منهم، كنت اريد ان اتبارك به، وأسأله: انت ابن من؟ اقتربت اليه وإذا به ابني خضير ولدي الذي تركته يرعى والدته واخوته، اكيد اقنعها ليأتي الجبهة مقاتلا..!
صرخت عاليا: انه ولدي هذا البطل الذي استقبل المدرعة بصدره، ولدي هذا الذي له وثبة علي الاكبر (عليه السلام).
قال وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة:ـ اعذرني جئت للجبهة دون علمك يا ابي، و(العباس اخو زينب) لم استطع ان اقف امام الحسين (عليه السلام)، ارفع رأسي بحضرته لأزور..! كيف لي ان ارى ابي يقاتل وهو ابن الثالثة والستين سنة وانا في البيت، صعبة يا ابي، سامحني، كان صوت الحسين يصرخ بي: هيهات منا الذلة.. ولفظ بين يدي آخر انفاسه، رحم الله ولدي خضير..
نظرت اليه وانا بكامل فضولي: ماذا نويت ان تقول لأم خضير يا حاج بعدما اخفت عليك قضية التحاق ولدها للجبهة، نظر الي الحاج وابتسامة ألم بين شفتيه:ـ هل انت مصر ان تعرفها..؟
قلت:ـ اي والله حاج.
فأجابني:ـ والله كلمة واحدة لا غير.. سأقول لها ان سيدتي ومولاتي زينب (عليها السلام) أنجبت الف زينب في العراق.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat