من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 7 )
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ومن العلماء الذين عثرنا على تأييدهم لنظرية الصادر الوحيد (الواحد لا يصدر منه الا واحد): الشيخ محمد مهدي النراقي صاحب "جامع السعادات" في كتابه "شرح الالهيات من كتاب الشفاء"[1]، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه "الفردوس الاعلى"[2] .
فقد قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء منظّراً لـ (الحقيقة المحمدية): "اوجد عز شأنه ذلك الصادر الاول الجامع لجميع الكائنات والوجودات الممكنات ، اوجده بمحض المشيئة ، وصرف الارادة في أزل الآزال الى ابد الآباد [وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ] والتشبيه من ضيق نطاق الالفاظ ، وإلا فالحقيقة أدق وارق من ذلك وهو المثل الأعلى الحاكي بنوع من الحكاية عن تلك الذات المقدّسة المحتجبة بسرادق العظمة وجبروت وغيب الغيوب (يا من لا يعلم ما هو الا هو) وذلك العقل الكلي أو الصادر الاول (ما شئت فعبّر) أو الحقيقة المحمدية متصلة بمبتدئها غير منفصلة عنه ، لا فرق بينك وبينها ألا انهم عبادك وخلقك ، بدؤها منك وعودها إليك ، (أنا اصغر من ربي بسنتين) والكل وجود واحد ممتد بلا مدة ولا مادة ، من صبح الأزل الى عشية الأبد بلا حد ولا عد ، ولا بداية ولا نهاية ، ومن المجاز البعيد ، وضيق خناق الألفاظ قولنا: هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وجوده قبل القبل في أزل الآزال ، وبقائه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال"[3].
وقال الشيخ جعفر سبحاني متحدثا عن اصالة الوجود وإنّه مما يترتب عليها امور منها: "توحيد الافعال قد أثبت البرهان على أنّه لا يصدر من الواحد إلا الواحد ، فالله سبحانه هو الواحد لا يصدر منه إلا واحد)[4] !
وقال سيد كمال الحيدري وقد سُئِلَ عن القاعدة الفلسفية الواحد لا يصدر عنه الا واحد: (القاعدة ليس للمتكلمين وإنما هذه القاعدة للفلاسفة هذه القاعدة أعزائي من القواعد الاساسية والمهمة في المعارف الفلسفية ومنظومة الفكر الفلسفي وخصوصاً طبعا هذه موروثة من ارسطوا منذ الفين وخمسة مئة عام والى يومنا هذا وهي أيضا من القواعد المعروفة في كلمات العرفاء وخصوصا في موروثات شيخ العرفاء ابن عربي وتلامذة الشيخ ابن عربي وهذه القاعدة أعزائي وان وردت في كلمات الفلاسفة وأهل الحقيقة وأهل الصوفية بأنها الواحد لا يصدر منها إلا واحد أو الواحد لم يصدر منه إلا واحد إلا انه بحسب النصوص الروائية عندنا تطبقها ومصداقها هذا الواحد الصادر هو من؟ هو نور نبينا لأنه من الخاتم بأنه البعد المادي المقصود الحقيقة فهناك واقعا تشابك حقيقي بين الروايات التي قالت أول ما خلق نور نبيكم التي إن شاء الله سنقف عندها أين قاعدة الواحد يعني من حاول ان ينكر قاعدة الواحد على الفلاسفة والعرفاء والصوفية واقعا لم يلتفت إلى ان الروايات التي قالت أول ما خلق نور نبيكم بيان لمصداق قاعدة الواحد وهذا هو الذي أنا ادعوا إليه أقول ان عالم الدين انظروا إذا لم يكن واقفاً على مباني الفلسفية لم يكن واقفاً على مباني الصوفية العرفاية عندما يأتي إلى هذه الروايات لا يستطيع ان يفهمها جيداً والعكس كذلك إذن اعزائي الفقهية القرآني يختلف عن الفقهية الاصطلاحي وعندما أقول اصطلاحي يعني الذي يحاول الاقتصار على جزء معين من الدين العالم الديني أو الفقيه القرني هو الذي يستوعب هذه الحقيقة نعم هناك ترابط وثيق بين قاعدة الواحد وبين أول ما خلق نور نبينا)[5].
وقال سيد حسين نصر: "ان انتشار عقائد ابن عربي في الشرق يرجع اغلب ما يرجع الى صدر الدين القونوي .. احد تلامذة الشيخ وشارحي عقائده" ... "وقد طرح ابن عربي التطابق بين (الحقيقة المحمدية) التي اشارت اليها الاحاديث: (اول ما خلق الله نوري) او ما يسمى بــ (النور المحمدي) وبين العقل الكلي او الفيض الاول ، وهذا هو رأي كبار المتصوفة أيضاً"[6].
والملفت للنظر ان الربط بين احاديث اول ما خلق الله نور نبينا وبين "الواحد لا يصدر عنه الا واحد" هو ربط ساذج والاستدلال على صحة هذه القاعدة الفلسفية بتلك الاحاديث الشريفة لا يصح لأن معنى الصدور في القاعدة المذكورة يختلف عن معنى الخلق. فالفلاسفة لا يقولون بأن الواحد لا يمكنه ان يخلق الا واحد بل يتحدثون عن صدور عن الواحد وذلك الصدور يحمل معاني اخرى غير الخلق كما هو واضح من كلام الفلاسفة ! ومن جهة اخرى فإنه اذا كان اول ما خلق الله هو نور النبي (صلى الله عليه وآله) فإن ذلك لا يمنع من وجود ثاني ما خلق وثالث ما خلق الخ ... فالاحاديث الشريفة لا تتحدث عن خلق وحيد بل عن اول المخلوقات وهو نور النبي (صلى الله عليه وآله) والعقيدة الاسلامية لا تمنع من خلق كائنات اخرى بعده بخلاف القاعدة الفلسفية المذكورة. ولا ادري هل فات ذلك سيد كمال الحيدري ام أغفله انتصاراً لمذهبه (الفلسفي- الصوفي) !؟
ولقيت نظرية الصادر الوحيد (الواحد لا يصدر منه الا واحد) رفضاً من كبار مراجع واساطين علماء الشيعة الامامية ، فهذا السيد الخوئي (رض) وقد وُجِّهَ له السؤال التالي:"هل ان قاعدة (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد) ثابتة لديكم ن واذا كانت ثابتة أو غير ثابتة فهل ان الصادر الاول هو النبي محمد صلى الله عليه وآله"؟ فكان جوابه قُدّسَ سرّه: (هذه القاعدة اسسها اهل المعقول لاثبات وحدة الصادر الاول وهي غير تامة عندنا ، وعلى تقدير تماميتها لا تجري في خلق الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه فاعل بالاختيار وتلك القاعدة موردها الفاعل بالجبر ، والمقام لا يتسع التفصيل ، والله العالم) [7].
ولقد اجاد السيد الخوئي (قدس سره) في مباحثه الاصولية حيث قال: إن ارتباط المعلول بالعلة الطبيعية يفترق عن ارتباط المعلول بالعلة الفاعلية في نقطة ويشترك معه في نقطة ، اما نقطة الافتراق فهي: أن المعلول في العلل الطبيعية يرتبط بذات العلة وينبثق من صميم كيانها ووجودها ، ومن هنا قلنا ان تأثير العلة في المعلول يقوم على ضوء قانون التناسب. واما المعلول في الفواعل الارادية فلا يرتبط بذات الفاعل والعلة ولا ينبثق من صميم وجودها ، ومن هنا لا يقوم تأثيره فيه على أساس مسالة التناسب ، نعم يرتبط المعلول فيها بمشية الفاعل وإعمال قدرته ارتباطاً ذاتياً يعني يستحيل انفكاكه عنها حدوثاً وبقاءاً ، ومتى تحققت المشية تحقق الفعل ومتى انعدمت انعدم. وعلى ذلك فمرد ارتباط الاشياء الكونية بالمبدأ الازلي وتعلقها به ذاتاً الى ارتباط تلك الاشياء بمشيته وإعمال قدرته ، وإنها خاضعة لها خضوعاً ذاتياً ، وتتعلق بها حدوثاً وبقاءاً فمتى تحققت المشية اللإلهية بإيجاد شيء وجد ، ومتى انعدمت انعدم ، فلا يعقل بقاؤه مع انعدامها ، ولا تتعلق بالذات الازلية ولا تنبثق من صميم كيانها ووجودها كما عليه الفلاسفة[8].
وكذلك جواب للسيد ابو القاسم الخوئي (رض) فنّد فيه نظرية الصادر الاول ، حيث تم توجيه السؤال التالي اليه: "أرجو بيان ماهيّة الحقيقة المحمدية والعلوية والفاطمية على الترتيب وهل هي موجودة أم من الامور التي تدخل في الشرك ؟" فكان جوابه (قدّس سره الشريف): (لا نعلم من حقيقتهم إلا أنّ انوارهم مخلوقة من الاول وأجسادهم باقية على حالها مفارقة لأرواحهم ، والله العالم)[9]. وفيه تصريح بان انوارهم (صلوات الله عليهم) مخلوقة ، وليست صادرة عن الله تبارك وتعالى كما يظن اتباع الحكمة المتعالية صدور افاضة بلا خلق !!
وقال الميرزا جواد التبريزي (رض): (ولا يخفى أنّ القاعدة المشار اليها بأصلها وعكسها (أصل القاعدة: "الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد" ، وعكس القاعدة: "الواحدلا يصدر الا عن الواحد") أسسها أهل المعقول لإثبات وحدة الصادر الاول من المبدأ الاعلى. وقد ذكر في محله أنها على تقدير تماميّتها لا تجري في الفعل بالإرادة ، بل موردها الفعل بالايجاب ، لإمكان صدور فعلين عن فاعل بالارادة مع كونهما من مقولتين ، وبما ان الصادر من المبدأ الاعلى يعدُّ من الفعل بالارادة قلا شهادة لها بوحدة الصادر الاول)[10].
وقال (رض) في موضع آخر: (ان ما اشتهر من "أنّ الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد" وهي القاعدة التي أسسها أهل المعمول لإثبات وحدة الصادر الاول عنه (سبحانه وتعالى) لا تجري في الفاعل المختار من ممكن الوجود فضلاً عن الفاعل الغني القادر العالم بالذات فهذه القاعدة لا ترتبط بالمقام)[11].
وممن انتقد نظرية الصادر الاول والوحيد على المستوى العقائدي: العلامة الحلي (قدس سره) في كتاب "كشف المراد"[12] ، وكذلك في كتابه (مناهج اليقين في اصول الدين)[13] ، والمولى محمد صالح المازندراني في شرحه للكافي[14] رغم انه من اهل العرفان ولكنه لا يتبع تراث ابن عربي ومدرسة الحكمة المتعالية فيما يبدو. والعلامة المجلسي (رض) في بحار الانوار[15] ، والشيخ البهائي العاملي في كتابه "الحبل المتين"[16].
ويبدو ان الشيخ نصير الدين الطوسي (قدس سره) هو اول فيلسوف شيعي يعارض هذه الفرضية[17] ، حيث نجده يقول: (قالت الفلاسفة: الواحد لا يصدر عنه الا واحد. وكل شبهة لهم على هذه الدعوى (هي) في غاية الركاكة ولذلك قالوا: لا يصدر عن الباريء تعالى بلا واسطة الا عقل واحد والعقل فيه كثرة ، هي الوجوب والامكان وتعقّل الواجب وتعقّل ذاته ونفس وفلك مركب من الهيولي والصورة ويلزمهم أن أيّ موجودين فرضنا (وجودهما) في العالم ، كان احدهما (ضرورة) علّة للآخر بواسطة أو بغيرها. وأيضاً: التكثرات التي في العقل ، ان كانت موجودة صادرة عن الباريء لزم صدورها عن الواحد وان صدرت عن غيره لزم تعدد الواجب وإنْ لم تكن موجودة لم يكن تأثيرها في الموجودات معقولاً)[18].
وفي كتابه "قواعد العقائد" يقول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي ما نصّه: (فصل: قالت الحكمـاء: الواحد لايصدر عنه من حيث هو واحد إلاّ شيء واحد، وذلك لأنّه إن صدر عنه شيئان، فمن حيث [انه] صدر عنه أحدهما لم يصدر عنه الآخر، وبالعكس، فإذن صدرا عنه من حيثيتين، والمبدأ الأوّل تعالى واحد من كل الوجوه ، فأوّل ما يصدر عنه لايكون إلاّ واحداً. ثمّ إنّ ذلك الواحد يلزمه أشياء، إذ له اعتبار من حيث ذاته، واعتبار بقياسه إلى مبدئه، واعتبار للمبدأ بالقياس إليه، وإذا تركّبت الاعتبارات حصلت اعتبارات كثيرة، وحينئذ يمكن أن يصدر عن المبدأ الأوّل بكلّ اعتبار شيء واحد ، وعلى هذا الوجه تكثّرت الموجودات الصادرة عنه تعالى. واما المتكلمون فبعضهم يقولون إنّ هذا إنّما يصحّ أن يقال في العلل والمعلولات، أمّا [في] القادر أعني الفاعل المختار، فيجوز أن يفعل اشياء من غير تكثر الاعتبارات ومن غير ترجيح بعضها على بعض. وبعضهم ينكرون وجود العلل والمعلولات أصلاً ، فيقولون بأنّ لامؤثّر إلاّ اللّه [تعالى] ، وأنّه تعالى إذا فعل شيئاً، [كالإحراق] مقارناً لشيء كالنار على سبيل العادة، ظنّ الخلق أنّ النّار علّة ، والإحراق أثره ومعلوله، وذلك الظنّ باطل)[19].
وقال الشيخ عبد الله نعمة: (ومن آثارهم البارزة ان بعض فلاسفتهم ومنهم (نصير الدين الطوسي) قد اتى على نظرية الصدور والعقول العشرة يهدمها من اساسها. ونظرية العقول العشر لتعليل كيفية صدور الكثير من الواحد البسيط وتفسير صدور المخلوقات الكثيرة المتضادة عن المبدأ الاول ، كانت هي النظرية البارزة التي اخذ بها الفلاسفة الاسلاميون امثال الفارابي وابن سينا. وهي نظرية اغريقية نمت في احضان الصابئة الحرانيين ، وتلقفها عنهم الاسلاميون باعجاب وتقدير. اما فيلسوفنا الطوسي فقد اثبت بالبرهان المنطقي انها غير صحيحة وخاصة في "الفاعل المختار")[20].
وبيّن الشيخ ماجد الكاظمي بقوله: (فما عليه المحقق نصير الدين الطوسي (ره) في تجريده من بطلان قاعدة "الواحد لا يصدر منه إلا واحد" ، هو الحق الذي لا محيص عنه)[21].
وقال الشيخ الكاظمي ايضاً في معرض جوابه عن سؤال: (هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد): (والجواب عن السؤال الاخير وهو هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد؟ فنکتفي بجواب المحقق البهبهاني قدس سره حيث قال: (ان قاعدة الواحد لايصدر منه الا واحد تبتني على مسألة السنخيّة بين العلة والمعلول وهي باطلة من وجوه ثلاثة:
الاول: انها لو صحت فموردها العلة الموجبة لا الفاعل المختار والله جل وعلا فاعل مختار وعلى هذا الاساس فلا تحقق للسنخيّة اصلاً. ومن جهة اخرى ان الله جل وعلا لا شبيه ولا نظير له والسنخيّة تحتاج الى شبيه ولذا فهي محالة في حقه جل وعلا.
الثاني: ان وحدة الباري تختلف عن وحدة الممكنات فان وحدته غير عددية بمعنى انه لا شبيه له ولانظير في حين ان وحدة العالم من قبيل الوحدة العدديّة فلا سنخيّة ولا تناسب بين الوحدتين.
الثالث: اصلاً واساساً لايوجد موجود له وحدة حقيقّية الا الله جل وعلا وذلك فان كل ممكن فهو مركب من الوجود والماهيّة ولذا قالوا «كل ممكن زوج تركيبي وكل زوج تركيبي ممكن» وذلك فان كل وجود لوكان وجوداً فقط فلا امتياز له مع باقي الموجودات، وامتياز كل موجود عن سائر الموجودات دليل على تركبه من الوجودِ والماهية ) انتهى ما افاده قدس سره.
و لا يخفی ان رؤية الاسلام حول هذه القاعدة المزعومة واضحة حيث يقول تعالی: في سورة الرعد ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار. و ان الله تعالی فعال لما يريد و ان امره اذا اراد شيئاً انما هو کن فيکون لاانه يخلق الخلائق بواسطة الصادر الاوّل و نکتفي من الروايات الدالة علی بطلان هذه القاعدة بما رواه الصدوق عن ياسر الخادم قال قلت للرضا (ع) ما تقول في التفويض؟فقال (ان الله تبارك وتعالى فوضّ الى نبيه (ص) امر دينه فقال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال (ع) ان الله عزوجل يقول الله خالق كل شيء ويقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) فان قوله ˜ (ان الله خالق کل شيئ) بعد نفي الخالقية التفويضية فضلاً عن الاستقلالية بيان صريح لعدم وجود اي واسطة في البين لخالقتيه تعالی للمخلوقات و حتی جريان المعجزة علی يد الانبياء و الائمة عليهم السلام لم يکن بالاستقلال و لا بالتفويض و الذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (ره) في الرد علی المفوضة بعد قوله اولاً { والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم السلام الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار و ان الله تعالی فعال لما يريد و ان امره اذا اراد شيئاً انما هو کن فيکون لاانه يخلق الخلائق بواسطة الصادر الاوّل و نکتفي من الروايات الدالة علی بطلان هذه القاعدة بما رواه الصدوق عن ياسر الخادم قال قلت للرضا (ع) ما تقول في التفويض؟فقال (ان الله تبارك وتعالى فوضّ الى نبيه (ص) امر دينه فقال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال (ع) ان الله عزوجل يقول الله خالق كل شيء ويقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) فان قوله (ان الله خالق کل شيئ) بعد نفي الخالقية التفويضية فضلاً عن الاستقلالية بيان صريح لعدم وجود اي واسطة في البين لخالقتيه تعالی للمخلوقات و حتی جريان المعجزة علی يد الانبياء و الائمة عليهم السلام لم يکن بالاستقلال و لا بالتفويض و الذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (ره) في الرد علی المفوضة بعد قوله اولاً {والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم السلام الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار حكم فيهم اميرامؤمنين(ع) بالقتل والتحريق بالنار وقضت الائمة (ع) عليهم بالاكفار والخروج عن الاسلام}: والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الائمة وخلقهم ونفي القدم عنهم واضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم ودعواهم ان الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة وانه فوّض اليهم خلق العالم بمافيه وجميع الافعال)[22].
وقال الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني في رد فرضية الصادر الاول والوحيد: (ان من كمال الابداع التكويني صدور الكثرة من الواحد ولا يستلزم الاشكال اصلاً في خصوص ذات الواجب وإنما الاشكال يمكن تصويره بالقياس الى الممكنات التي في واقعها الفقر الذاتي دون الغناء الذاتي. وبهذا العرض يتنور لديك حقيقة الامر بأنه لسنا في حاجة الى التمسك بأن المعلول الصادر من قبل مبدأ العلة الاولى ان يكون المعلول واحداً لكفاءة العلة وصلاحيتها ان توجد عدة معاليل في عرض واحد من غير حاجة الى الطولية بالقياس الى المطلق وإنْ كان الاشكال محققاً في جانب الممكنات)[23].
وقال السيد قاسم علي الاحمدي في رد فرضية الصادر الاول والوحيد: (حيث ان فاعليته تعالى ليست على نحو الفيضان والتنزل بل هي على نحو الابداع لا من شيء ، فلا يمتنع منه ايجاد المركب أو الاشياء الكثيرة كائنة ما كانت في رتبة واحدة. فإن الفطرة والعقل كما أشرنا يحكمان بأن الموجود القادر على إبداع الحقائق والاشياء لا من شيء أشرف وأكمل من الموجود الذي تكون فاعليته وقادريته بفياضيته من ذاته. وهذا النحو من الفاعلية هو من كمالاته وخصائص ذاته تعالى شأنه وليس كمثله شيء ، والذين ذهبوا الى خلاف ذلك ما قدروا الله حق قدره)[24].
قال الشيخ محمد الخالصي: (روّج مذهب التفويض في العصر الاخير ثلاثة نفر: الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي والحاج كريم خان الكرماني ، وزادوا فيه واوغلوا في الغلو حتى زعموا استحالة ان يكون الله خالقاً ورازقاً وانما الخلق والرزق للحقيقة المحمدية)[25]. فأين انت يا شيخ محمد الخالصي (رحمك الله) من مدرسة الحكمة المتعالية التي التزمت فرضية الحقيقة المحمدية وروّجت لها بأشد مما روجت له الشيخية ؟!!
وقال السيد محمد حسن آل الطالقاني: (والحقيقة ان الغلو ليس مما ابتليت بع بعض فرق الشيعة وحدها ، فهو صفة عامة لكل من حاول أن يجمع بين الدين والفلسفة الافلاطونية الحديثة)[26]. وقد وردت عدة احاديث عن الائمة الاطهار (عليهم السلام) في النهي عن الغلو ، منها قول الصادق (عليه السلام): (اللهم لا تليق الربــوبـيــة إلا بـك ولا تـصـلـــح الالوهيــــة إلا لك) ، (والتفـويـض مـن اقـســـام الغلـو ، وهـو الاعتقاد بأن محمداً (صلى الله عليه وآله) أو علياً (عليه السلام) أو احـد الائمة المعصومين (عليهـم السـلام) يخلــق أو يــرزق أو يحيي او يميـت بالاستقـلال عـن الله أو التفويض إليه او الشراكة معه او نحو ذلك. قال الشيخ المفيد: "والمفوضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الائمة (عليهم السلام) وخلقهم ونفي القدم عنهم وغضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم. ودعواهم ان الله تفرّد بخلقهم خاصة وانه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الفعال" ...)[27].
قال المولى محمد صالح المازندراني: ( (وهو جل وعز لا يشبه جسما) وكذا لا يشبه جسمانيا (ولا روحا) لتنزهه عن الجسمية ولواحقها وعن التشبه بالخلق المحتاج (وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أمر ولا سبب ، هو المتفرد بخلق الأرواح) السماوية والحيوانية (والأجسام) الأرضية والفلكية ، وفيه رد على من نسب خلقها إلى العقول المردة والمبادي العالية زعما منهم أنه تعالى واحد لا يصدر عنه إلا واحد ، وتنبيه على استحالة مشابهته بمخلوقاته الحادثة (فإذا نفي عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح) يمكن إدراج الأجسام والجسمانيات كلها في الأبدان وإدراج المجردات ولواحقها كلها في الأرواح للاشتراك في علة النفي فيكون المراد حينئذ نفي مشابهته عن جميع ما سواه)[28].
وحول "الحقيقة المحمدية" يقول الشيخ محمد جواد مغنية: "(( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ)) ، ابداً لا احد يملك مع الله شيئاً حتى الانبياء ، ((وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ)) ، إنما الغيب لله ، ((وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ)) ، وهكذا يحدد محمد (ص) نفسه في انه يقف مع كل الناس أمام سلطان الله وقدرته على قدم المساواة ، فأين مكان الحقيقة المحمدية في كتاب الله ، وانها الروح الذي سرى في جميع الكائنات والنور الذي خلق الله منه جميع الموجودات؟ وأعظم ما في محمد وآل محمد الاطهار أنهم بلغوا من كمال البشرية وجلالها الغاية والنهاية بحيث لا موجود فوقهم إلا خالق الوجود وخالقهم وكفاهم بذلك عظمة ، ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)) ، ابداً لا أحد يقاس بمحمد وآل محمد ، فهم المطهرون من الرجس والدنس تطهيراً بإرادة الله ، ومودتهم حق وفرض على الناس في كتاب الله"[29].
________________________________________
الهوامش:
[1] شرح الالهيات من كتاب الشفاء / ملا محمد مهدي النراقي - ج1 ص257.
[2] الفردوس الاعلى / الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ت1373هـ – ص32 و205.
[3] الفردوس الاعلى / الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ت1373هـ – ص207.
[4] تذكرة الاعيان / الشيخ جعفر سبحاني – ص311.
[5] حوار مع سيد كمال الحيدري منشور في موقعه الالكتروني تحت عنوان (الرسول الاعظم في التراث الاموي والتراث الاسلامي القسم الرابع عشر).
[6] ابداعات صدر الدين الشيرازي الفلسفية ، النفس نموذجاً / صادق المسلم – ص33.
[7] صراط النجاة / فتاوى السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره الشريف) ، مع تعليق الميرزا جواد التبريزي (رض) – ج3 ص423.
[8] وجود العالم بعد العدم عند الامامية / السيد قاسم علي الاحمدي - ص158.
[9] صراط النجاة / السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (رض) – بتعليق الميرزا التبريزي – ج5 ص269 ، سؤال رقم (880).
[10] دروس في مسائل علم الاصول / الميرزا جواد التبريزي (رض) – ج1 ص5.
[11] المصدر السابق – ج2 ص372.
[12] كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحلي (قدس سره) / تحقيق السيد ابراهيم الموسوي الزنجاني – ص185 و186.
[13] مناهج اليقين في اصول الدين / العلامة الحلي (رض) – ص227.
[14] شرح اصول الكافي / المولى محمد صالح المازندراني ت1081هـ / تعليقات الميرزا ابو الحسن الشعراني – ج3 ص93.
[15] بحار الانوار / العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (رض) ت1111هـ / تحقيق يحيى العابدي الزنجاني / مؤسسة الوفاء في بيروت ، الطبعة الثانية المصححة 1983م – ج8 ص328.
[16] الحبل المتين / الشيخ محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي البهائي العاملي ت1031هـ – ص192.
[17] وهو أيضاً اول فيلسوف من علماء الشيعة الامامية.
[18] جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر الآملي - ص482.
[19] رسالة قواعد العقائد / الشيخ المحقق نصير الدين الطوسي ت672هـ – ص67 و68.
[20] فلاسفة الشيعة / الشيخ عبد الله نعمة – ص38 و39.
[21] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص129.
[22] مقال بعنوان (هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد؟) ، الشيخ ماجد الكاظمي ، منشور في مدونة عين الحياة.
[23] نقد المذهب التجريبي / محمد محمد طاهر آل شبير الخاقاني - ص232.
[24] وجود العالم بعد العدم عند الامامية / السيد قاسم علي الاحمدي - ص171 وما بعدها.
[25] الشيخية / السيد محمد حسن آل الطالقاني – ص285.
[26] المصدر السابق – ص281.
[27] الشيخية / السيد محمد حسن آل الطالقاني – ص283.
[28] شرح اصول الكافي / المولى محمد صالح المازندراني – ج3 ص81.
[29] التفسير المبين / الشيخ محمد جواد مغنية ت1400هـ – ص169.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نبيل محمد حسن الكرخي

ومن العلماء الذين عثرنا على تأييدهم لنظرية الصادر الوحيد (الواحد لا يصدر منه الا واحد): الشيخ محمد مهدي النراقي صاحب "جامع السعادات" في كتابه "شرح الالهيات من كتاب الشفاء"[1]، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه "الفردوس الاعلى"[2] .
فقد قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء منظّراً لـ (الحقيقة المحمدية): "اوجد عز شأنه ذلك الصادر الاول الجامع لجميع الكائنات والوجودات الممكنات ، اوجده بمحض المشيئة ، وصرف الارادة في أزل الآزال الى ابد الآباد [وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ] والتشبيه من ضيق نطاق الالفاظ ، وإلا فالحقيقة أدق وارق من ذلك وهو المثل الأعلى الحاكي بنوع من الحكاية عن تلك الذات المقدّسة المحتجبة بسرادق العظمة وجبروت وغيب الغيوب (يا من لا يعلم ما هو الا هو) وذلك العقل الكلي أو الصادر الاول (ما شئت فعبّر) أو الحقيقة المحمدية متصلة بمبتدئها غير منفصلة عنه ، لا فرق بينك وبينها ألا انهم عبادك وخلقك ، بدؤها منك وعودها إليك ، (أنا اصغر من ربي بسنتين) والكل وجود واحد ممتد بلا مدة ولا مادة ، من صبح الأزل الى عشية الأبد بلا حد ولا عد ، ولا بداية ولا نهاية ، ومن المجاز البعيد ، وضيق خناق الألفاظ قولنا: هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وجوده قبل القبل في أزل الآزال ، وبقائه بعد البعد من غير انتقال ولا زوال"[3].
وقال الشيخ جعفر سبحاني متحدثا عن اصالة الوجود وإنّه مما يترتب عليها امور منها: "توحيد الافعال قد أثبت البرهان على أنّه لا يصدر من الواحد إلا الواحد ، فالله سبحانه هو الواحد لا يصدر منه إلا واحد)[4] !
وقال سيد كمال الحيدري وقد سُئِلَ عن القاعدة الفلسفية الواحد لا يصدر عنه الا واحد: (القاعدة ليس للمتكلمين وإنما هذه القاعدة للفلاسفة هذه القاعدة أعزائي من القواعد الاساسية والمهمة في المعارف الفلسفية ومنظومة الفكر الفلسفي وخصوصاً طبعا هذه موروثة من ارسطوا منذ الفين وخمسة مئة عام والى يومنا هذا وهي أيضا من القواعد المعروفة في كلمات العرفاء وخصوصا في موروثات شيخ العرفاء ابن عربي وتلامذة الشيخ ابن عربي وهذه القاعدة أعزائي وان وردت في كلمات الفلاسفة وأهل الحقيقة وأهل الصوفية بأنها الواحد لا يصدر منها إلا واحد أو الواحد لم يصدر منه إلا واحد إلا انه بحسب النصوص الروائية عندنا تطبقها ومصداقها هذا الواحد الصادر هو من؟ هو نور نبينا لأنه من الخاتم بأنه البعد المادي المقصود الحقيقة فهناك واقعا تشابك حقيقي بين الروايات التي قالت أول ما خلق نور نبيكم التي إن شاء الله سنقف عندها أين قاعدة الواحد يعني من حاول ان ينكر قاعدة الواحد على الفلاسفة والعرفاء والصوفية واقعا لم يلتفت إلى ان الروايات التي قالت أول ما خلق نور نبيكم بيان لمصداق قاعدة الواحد وهذا هو الذي أنا ادعوا إليه أقول ان عالم الدين انظروا إذا لم يكن واقفاً على مباني الفلسفية لم يكن واقفاً على مباني الصوفية العرفاية عندما يأتي إلى هذه الروايات لا يستطيع ان يفهمها جيداً والعكس كذلك إذن اعزائي الفقهية القرآني يختلف عن الفقهية الاصطلاحي وعندما أقول اصطلاحي يعني الذي يحاول الاقتصار على جزء معين من الدين العالم الديني أو الفقيه القرني هو الذي يستوعب هذه الحقيقة نعم هناك ترابط وثيق بين قاعدة الواحد وبين أول ما خلق نور نبينا)[5].
وقال سيد حسين نصر: "ان انتشار عقائد ابن عربي في الشرق يرجع اغلب ما يرجع الى صدر الدين القونوي .. احد تلامذة الشيخ وشارحي عقائده" ... "وقد طرح ابن عربي التطابق بين (الحقيقة المحمدية) التي اشارت اليها الاحاديث: (اول ما خلق الله نوري) او ما يسمى بــ (النور المحمدي) وبين العقل الكلي او الفيض الاول ، وهذا هو رأي كبار المتصوفة أيضاً"[6].
والملفت للنظر ان الربط بين احاديث اول ما خلق الله نور نبينا وبين "الواحد لا يصدر عنه الا واحد" هو ربط ساذج والاستدلال على صحة هذه القاعدة الفلسفية بتلك الاحاديث الشريفة لا يصح لأن معنى الصدور في القاعدة المذكورة يختلف عن معنى الخلق. فالفلاسفة لا يقولون بأن الواحد لا يمكنه ان يخلق الا واحد بل يتحدثون عن صدور عن الواحد وذلك الصدور يحمل معاني اخرى غير الخلق كما هو واضح من كلام الفلاسفة ! ومن جهة اخرى فإنه اذا كان اول ما خلق الله هو نور النبي (صلى الله عليه وآله) فإن ذلك لا يمنع من وجود ثاني ما خلق وثالث ما خلق الخ ... فالاحاديث الشريفة لا تتحدث عن خلق وحيد بل عن اول المخلوقات وهو نور النبي (صلى الله عليه وآله) والعقيدة الاسلامية لا تمنع من خلق كائنات اخرى بعده بخلاف القاعدة الفلسفية المذكورة. ولا ادري هل فات ذلك سيد كمال الحيدري ام أغفله انتصاراً لمذهبه (الفلسفي- الصوفي) !؟
ولقيت نظرية الصادر الوحيد (الواحد لا يصدر منه الا واحد) رفضاً من كبار مراجع واساطين علماء الشيعة الامامية ، فهذا السيد الخوئي (رض) وقد وُجِّهَ له السؤال التالي:"هل ان قاعدة (الواحد لا يصدر عنه الا الواحد) ثابتة لديكم ن واذا كانت ثابتة أو غير ثابتة فهل ان الصادر الاول هو النبي محمد صلى الله عليه وآله"؟ فكان جوابه قُدّسَ سرّه: (هذه القاعدة اسسها اهل المعقول لاثبات وحدة الصادر الاول وهي غير تامة عندنا ، وعلى تقدير تماميتها لا تجري في خلق الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه فاعل بالاختيار وتلك القاعدة موردها الفاعل بالجبر ، والمقام لا يتسع التفصيل ، والله العالم) [7].
ولقد اجاد السيد الخوئي (قدس سره) في مباحثه الاصولية حيث قال: إن ارتباط المعلول بالعلة الطبيعية يفترق عن ارتباط المعلول بالعلة الفاعلية في نقطة ويشترك معه في نقطة ، اما نقطة الافتراق فهي: أن المعلول في العلل الطبيعية يرتبط بذات العلة وينبثق من صميم كيانها ووجودها ، ومن هنا قلنا ان تأثير العلة في المعلول يقوم على ضوء قانون التناسب. واما المعلول في الفواعل الارادية فلا يرتبط بذات الفاعل والعلة ولا ينبثق من صميم وجودها ، ومن هنا لا يقوم تأثيره فيه على أساس مسالة التناسب ، نعم يرتبط المعلول فيها بمشية الفاعل وإعمال قدرته ارتباطاً ذاتياً يعني يستحيل انفكاكه عنها حدوثاً وبقاءاً ، ومتى تحققت المشية تحقق الفعل ومتى انعدمت انعدم. وعلى ذلك فمرد ارتباط الاشياء الكونية بالمبدأ الازلي وتعلقها به ذاتاً الى ارتباط تلك الاشياء بمشيته وإعمال قدرته ، وإنها خاضعة لها خضوعاً ذاتياً ، وتتعلق بها حدوثاً وبقاءاً فمتى تحققت المشية اللإلهية بإيجاد شيء وجد ، ومتى انعدمت انعدم ، فلا يعقل بقاؤه مع انعدامها ، ولا تتعلق بالذات الازلية ولا تنبثق من صميم كيانها ووجودها كما عليه الفلاسفة[8].
وكذلك جواب للسيد ابو القاسم الخوئي (رض) فنّد فيه نظرية الصادر الاول ، حيث تم توجيه السؤال التالي اليه: "أرجو بيان ماهيّة الحقيقة المحمدية والعلوية والفاطمية على الترتيب وهل هي موجودة أم من الامور التي تدخل في الشرك ؟" فكان جوابه (قدّس سره الشريف): (لا نعلم من حقيقتهم إلا أنّ انوارهم مخلوقة من الاول وأجسادهم باقية على حالها مفارقة لأرواحهم ، والله العالم)[9]. وفيه تصريح بان انوارهم (صلوات الله عليهم) مخلوقة ، وليست صادرة عن الله تبارك وتعالى كما يظن اتباع الحكمة المتعالية صدور افاضة بلا خلق !!
وقال الميرزا جواد التبريزي (رض): (ولا يخفى أنّ القاعدة المشار اليها بأصلها وعكسها (أصل القاعدة: "الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد" ، وعكس القاعدة: "الواحدلا يصدر الا عن الواحد") أسسها أهل المعقول لإثبات وحدة الصادر الاول من المبدأ الاعلى. وقد ذكر في محله أنها على تقدير تماميّتها لا تجري في الفعل بالإرادة ، بل موردها الفعل بالايجاب ، لإمكان صدور فعلين عن فاعل بالارادة مع كونهما من مقولتين ، وبما ان الصادر من المبدأ الاعلى يعدُّ من الفعل بالارادة قلا شهادة لها بوحدة الصادر الاول)[10].
وقال (رض) في موضع آخر: (ان ما اشتهر من "أنّ الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد" وهي القاعدة التي أسسها أهل المعمول لإثبات وحدة الصادر الاول عنه (سبحانه وتعالى) لا تجري في الفاعل المختار من ممكن الوجود فضلاً عن الفاعل الغني القادر العالم بالذات فهذه القاعدة لا ترتبط بالمقام)[11].
وممن انتقد نظرية الصادر الاول والوحيد على المستوى العقائدي: العلامة الحلي (قدس سره) في كتاب "كشف المراد"[12] ، وكذلك في كتابه (مناهج اليقين في اصول الدين)[13] ، والمولى محمد صالح المازندراني في شرحه للكافي[14] رغم انه من اهل العرفان ولكنه لا يتبع تراث ابن عربي ومدرسة الحكمة المتعالية فيما يبدو. والعلامة المجلسي (رض) في بحار الانوار[15] ، والشيخ البهائي العاملي في كتابه "الحبل المتين"[16].
ويبدو ان الشيخ نصير الدين الطوسي (قدس سره) هو اول فيلسوف شيعي يعارض هذه الفرضية[17] ، حيث نجده يقول: (قالت الفلاسفة: الواحد لا يصدر عنه الا واحد. وكل شبهة لهم على هذه الدعوى (هي) في غاية الركاكة ولذلك قالوا: لا يصدر عن الباريء تعالى بلا واسطة الا عقل واحد والعقل فيه كثرة ، هي الوجوب والامكان وتعقّل الواجب وتعقّل ذاته ونفس وفلك مركب من الهيولي والصورة ويلزمهم أن أيّ موجودين فرضنا (وجودهما) في العالم ، كان احدهما (ضرورة) علّة للآخر بواسطة أو بغيرها. وأيضاً: التكثرات التي في العقل ، ان كانت موجودة صادرة عن الباريء لزم صدورها عن الواحد وان صدرت عن غيره لزم تعدد الواجب وإنْ لم تكن موجودة لم يكن تأثيرها في الموجودات معقولاً)[18].
وفي كتابه "قواعد العقائد" يقول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي ما نصّه: (فصل: قالت الحكمـاء: الواحد لايصدر عنه من حيث هو واحد إلاّ شيء واحد، وذلك لأنّه إن صدر عنه شيئان، فمن حيث [انه] صدر عنه أحدهما لم يصدر عنه الآخر، وبالعكس، فإذن صدرا عنه من حيثيتين، والمبدأ الأوّل تعالى واحد من كل الوجوه ، فأوّل ما يصدر عنه لايكون إلاّ واحداً. ثمّ إنّ ذلك الواحد يلزمه أشياء، إذ له اعتبار من حيث ذاته، واعتبار بقياسه إلى مبدئه، واعتبار للمبدأ بالقياس إليه، وإذا تركّبت الاعتبارات حصلت اعتبارات كثيرة، وحينئذ يمكن أن يصدر عن المبدأ الأوّل بكلّ اعتبار شيء واحد ، وعلى هذا الوجه تكثّرت الموجودات الصادرة عنه تعالى. واما المتكلمون فبعضهم يقولون إنّ هذا إنّما يصحّ أن يقال في العلل والمعلولات، أمّا [في] القادر أعني الفاعل المختار، فيجوز أن يفعل اشياء من غير تكثر الاعتبارات ومن غير ترجيح بعضها على بعض. وبعضهم ينكرون وجود العلل والمعلولات أصلاً ، فيقولون بأنّ لامؤثّر إلاّ اللّه [تعالى] ، وأنّه تعالى إذا فعل شيئاً، [كالإحراق] مقارناً لشيء كالنار على سبيل العادة، ظنّ الخلق أنّ النّار علّة ، والإحراق أثره ومعلوله، وذلك الظنّ باطل)[19].
وقال الشيخ عبد الله نعمة: (ومن آثارهم البارزة ان بعض فلاسفتهم ومنهم (نصير الدين الطوسي) قد اتى على نظرية الصدور والعقول العشرة يهدمها من اساسها. ونظرية العقول العشر لتعليل كيفية صدور الكثير من الواحد البسيط وتفسير صدور المخلوقات الكثيرة المتضادة عن المبدأ الاول ، كانت هي النظرية البارزة التي اخذ بها الفلاسفة الاسلاميون امثال الفارابي وابن سينا. وهي نظرية اغريقية نمت في احضان الصابئة الحرانيين ، وتلقفها عنهم الاسلاميون باعجاب وتقدير. اما فيلسوفنا الطوسي فقد اثبت بالبرهان المنطقي انها غير صحيحة وخاصة في "الفاعل المختار")[20].
وبيّن الشيخ ماجد الكاظمي بقوله: (فما عليه المحقق نصير الدين الطوسي (ره) في تجريده من بطلان قاعدة "الواحد لا يصدر منه إلا واحد" ، هو الحق الذي لا محيص عنه)[21].
وقال الشيخ الكاظمي ايضاً في معرض جوابه عن سؤال: (هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد): (والجواب عن السؤال الاخير وهو هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد؟ فنکتفي بجواب المحقق البهبهاني قدس سره حيث قال: (ان قاعدة الواحد لايصدر منه الا واحد تبتني على مسألة السنخيّة بين العلة والمعلول وهي باطلة من وجوه ثلاثة:
الاول: انها لو صحت فموردها العلة الموجبة لا الفاعل المختار والله جل وعلا فاعل مختار وعلى هذا الاساس فلا تحقق للسنخيّة اصلاً. ومن جهة اخرى ان الله جل وعلا لا شبيه ولا نظير له والسنخيّة تحتاج الى شبيه ولذا فهي محالة في حقه جل وعلا.
الثاني: ان وحدة الباري تختلف عن وحدة الممكنات فان وحدته غير عددية بمعنى انه لا شبيه له ولانظير في حين ان وحدة العالم من قبيل الوحدة العدديّة فلا سنخيّة ولا تناسب بين الوحدتين.
الثالث: اصلاً واساساً لايوجد موجود له وحدة حقيقّية الا الله جل وعلا وذلك فان كل ممكن فهو مركب من الوجود والماهيّة ولذا قالوا «كل ممكن زوج تركيبي وكل زوج تركيبي ممكن» وذلك فان كل وجود لوكان وجوداً فقط فلا امتياز له مع باقي الموجودات، وامتياز كل موجود عن سائر الموجودات دليل على تركبه من الوجودِ والماهية ) انتهى ما افاده قدس سره.
و لا يخفی ان رؤية الاسلام حول هذه القاعدة المزعومة واضحة حيث يقول تعالی: في سورة الرعد ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار. و ان الله تعالی فعال لما يريد و ان امره اذا اراد شيئاً انما هو کن فيکون لاانه يخلق الخلائق بواسطة الصادر الاوّل و نکتفي من الروايات الدالة علی بطلان هذه القاعدة بما رواه الصدوق عن ياسر الخادم قال قلت للرضا (ع) ما تقول في التفويض؟فقال (ان الله تبارك وتعالى فوضّ الى نبيه (ص) امر دينه فقال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال (ع) ان الله عزوجل يقول الله خالق كل شيء ويقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) فان قوله ˜ (ان الله خالق کل شيئ) بعد نفي الخالقية التفويضية فضلاً عن الاستقلالية بيان صريح لعدم وجود اي واسطة في البين لخالقتيه تعالی للمخلوقات و حتی جريان المعجزة علی يد الانبياء و الائمة عليهم السلام لم يکن بالاستقلال و لا بالتفويض و الذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (ره) في الرد علی المفوضة بعد قوله اولاً { والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم السلام الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار و ان الله تعالی فعال لما يريد و ان امره اذا اراد شيئاً انما هو کن فيکون لاانه يخلق الخلائق بواسطة الصادر الاوّل و نکتفي من الروايات الدالة علی بطلان هذه القاعدة بما رواه الصدوق عن ياسر الخادم قال قلت للرضا (ع) ما تقول في التفويض؟فقال (ان الله تبارك وتعالى فوضّ الى نبيه (ص) امر دينه فقال ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فاما الخلق والرزق فلا ثم قال (ع) ان الله عزوجل يقول الله خالق كل شيء ويقول الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون) فان قوله (ان الله خالق کل شيئ) بعد نفي الخالقية التفويضية فضلاً عن الاستقلالية بيان صريح لعدم وجود اي واسطة في البين لخالقتيه تعالی للمخلوقات و حتی جريان المعجزة علی يد الانبياء و الائمة عليهم السلام لم يکن بالاستقلال و لا بالتفويض و الذي ذهب اليه علماؤنا ونطقت به الاخبار انما هو من باب استجابة الدعاء يقول الشيخ المفيد (ره) في الرد علی المفوضة بعد قوله اولاً {والغلاة من المتظاهرين بالاسلام هم الذين نسبوا امير المؤمنين والائمة من ذريته عليهم السلام الى الالوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا الى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار حكم فيهم اميرامؤمنين(ع) بالقتل والتحريق بالنار وقضت الائمة (ع) عليهم بالاكفار والخروج عن الاسلام}: والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الائمة وخلقهم ونفي القدم عنهم واضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم ودعواهم ان الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة وانه فوّض اليهم خلق العالم بمافيه وجميع الافعال)[22].
وقال الشيخ محمد طاهر آل شبير الخاقاني في رد فرضية الصادر الاول والوحيد: (ان من كمال الابداع التكويني صدور الكثرة من الواحد ولا يستلزم الاشكال اصلاً في خصوص ذات الواجب وإنما الاشكال يمكن تصويره بالقياس الى الممكنات التي في واقعها الفقر الذاتي دون الغناء الذاتي. وبهذا العرض يتنور لديك حقيقة الامر بأنه لسنا في حاجة الى التمسك بأن المعلول الصادر من قبل مبدأ العلة الاولى ان يكون المعلول واحداً لكفاءة العلة وصلاحيتها ان توجد عدة معاليل في عرض واحد من غير حاجة الى الطولية بالقياس الى المطلق وإنْ كان الاشكال محققاً في جانب الممكنات)[23].
وقال السيد قاسم علي الاحمدي في رد فرضية الصادر الاول والوحيد: (حيث ان فاعليته تعالى ليست على نحو الفيضان والتنزل بل هي على نحو الابداع لا من شيء ، فلا يمتنع منه ايجاد المركب أو الاشياء الكثيرة كائنة ما كانت في رتبة واحدة. فإن الفطرة والعقل كما أشرنا يحكمان بأن الموجود القادر على إبداع الحقائق والاشياء لا من شيء أشرف وأكمل من الموجود الذي تكون فاعليته وقادريته بفياضيته من ذاته. وهذا النحو من الفاعلية هو من كمالاته وخصائص ذاته تعالى شأنه وليس كمثله شيء ، والذين ذهبوا الى خلاف ذلك ما قدروا الله حق قدره)[24].
قال الشيخ محمد الخالصي: (روّج مذهب التفويض في العصر الاخير ثلاثة نفر: الشيخ احمد الاحسائي والسيد كاظم الرشتي والحاج كريم خان الكرماني ، وزادوا فيه واوغلوا في الغلو حتى زعموا استحالة ان يكون الله خالقاً ورازقاً وانما الخلق والرزق للحقيقة المحمدية)[25]. فأين انت يا شيخ محمد الخالصي (رحمك الله) من مدرسة الحكمة المتعالية التي التزمت فرضية الحقيقة المحمدية وروّجت لها بأشد مما روجت له الشيخية ؟!!
وقال السيد محمد حسن آل الطالقاني: (والحقيقة ان الغلو ليس مما ابتليت بع بعض فرق الشيعة وحدها ، فهو صفة عامة لكل من حاول أن يجمع بين الدين والفلسفة الافلاطونية الحديثة)[26]. وقد وردت عدة احاديث عن الائمة الاطهار (عليهم السلام) في النهي عن الغلو ، منها قول الصادق (عليه السلام): (اللهم لا تليق الربــوبـيــة إلا بـك ولا تـصـلـــح الالوهيــــة إلا لك) ، (والتفـويـض مـن اقـســـام الغلـو ، وهـو الاعتقاد بأن محمداً (صلى الله عليه وآله) أو علياً (عليه السلام) أو احـد الائمة المعصومين (عليهـم السـلام) يخلــق أو يــرزق أو يحيي او يميـت بالاستقـلال عـن الله أو التفويض إليه او الشراكة معه او نحو ذلك. قال الشيخ المفيد: "والمفوضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الائمة (عليهم السلام) وخلقهم ونفي القدم عنهم وغضافة الخلق والرزق مع ذلك اليهم. ودعواهم ان الله تفرّد بخلقهم خاصة وانه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الفعال" ...)[27].
قال المولى محمد صالح المازندراني: ( (وهو جل وعز لا يشبه جسما) وكذا لا يشبه جسمانيا (ولا روحا) لتنزهه عن الجسمية ولواحقها وعن التشبه بالخلق المحتاج (وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أمر ولا سبب ، هو المتفرد بخلق الأرواح) السماوية والحيوانية (والأجسام) الأرضية والفلكية ، وفيه رد على من نسب خلقها إلى العقول المردة والمبادي العالية زعما منهم أنه تعالى واحد لا يصدر عنه إلا واحد ، وتنبيه على استحالة مشابهته بمخلوقاته الحادثة (فإذا نفي عنه الشبهين : شبه الأبدان وشبه الأرواح) يمكن إدراج الأجسام والجسمانيات كلها في الأبدان وإدراج المجردات ولواحقها كلها في الأرواح للاشتراك في علة النفي فيكون المراد حينئذ نفي مشابهته عن جميع ما سواه)[28].
وحول "الحقيقة المحمدية" يقول الشيخ محمد جواد مغنية: "(( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ)) ، ابداً لا احد يملك مع الله شيئاً حتى الانبياء ، ((وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبَ)) ، إنما الغيب لله ، ((وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ)) ، وهكذا يحدد محمد (ص) نفسه في انه يقف مع كل الناس أمام سلطان الله وقدرته على قدم المساواة ، فأين مكان الحقيقة المحمدية في كتاب الله ، وانها الروح الذي سرى في جميع الكائنات والنور الذي خلق الله منه جميع الموجودات؟ وأعظم ما في محمد وآل محمد الاطهار أنهم بلغوا من كمال البشرية وجلالها الغاية والنهاية بحيث لا موجود فوقهم إلا خالق الوجود وخالقهم وكفاهم بذلك عظمة ، ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)) ، ابداً لا أحد يقاس بمحمد وآل محمد ، فهم المطهرون من الرجس والدنس تطهيراً بإرادة الله ، ومودتهم حق وفرض على الناس في كتاب الله"[29].
________________________________________
الهوامش:
[1] شرح الالهيات من كتاب الشفاء / ملا محمد مهدي النراقي - ج1 ص257.
[2] الفردوس الاعلى / الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ت1373هـ – ص32 و205.
[3] الفردوس الاعلى / الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ت1373هـ – ص207.
[4] تذكرة الاعيان / الشيخ جعفر سبحاني – ص311.
[5] حوار مع سيد كمال الحيدري منشور في موقعه الالكتروني تحت عنوان (الرسول الاعظم في التراث الاموي والتراث الاسلامي القسم الرابع عشر).
[6] ابداعات صدر الدين الشيرازي الفلسفية ، النفس نموذجاً / صادق المسلم – ص33.
[7] صراط النجاة / فتاوى السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره الشريف) ، مع تعليق الميرزا جواد التبريزي (رض) – ج3 ص423.
[8] وجود العالم بعد العدم عند الامامية / السيد قاسم علي الاحمدي - ص158.
[9] صراط النجاة / السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (رض) – بتعليق الميرزا التبريزي – ج5 ص269 ، سؤال رقم (880).
[10] دروس في مسائل علم الاصول / الميرزا جواد التبريزي (رض) – ج1 ص5.
[11] المصدر السابق – ج2 ص372.
[12] كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحلي (قدس سره) / تحقيق السيد ابراهيم الموسوي الزنجاني – ص185 و186.
[13] مناهج اليقين في اصول الدين / العلامة الحلي (رض) – ص227.
[14] شرح اصول الكافي / المولى محمد صالح المازندراني ت1081هـ / تعليقات الميرزا ابو الحسن الشعراني – ج3 ص93.
[15] بحار الانوار / العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي (رض) ت1111هـ / تحقيق يحيى العابدي الزنجاني / مؤسسة الوفاء في بيروت ، الطبعة الثانية المصححة 1983م – ج8 ص328.
[16] الحبل المتين / الشيخ محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي البهائي العاملي ت1031هـ – ص192.
[17] وهو أيضاً اول فيلسوف من علماء الشيعة الامامية.
[18] جامع الاسرار ومنبع الانوار / سيد حيدر الآملي - ص482.
[19] رسالة قواعد العقائد / الشيخ المحقق نصير الدين الطوسي ت672هـ – ص67 و68.
[20] فلاسفة الشيعة / الشيخ عبد الله نعمة – ص38 و39.
[21] الرؤية الفلسفية / الشيخ ماجد الكاظمي - ص129.
[22] مقال بعنوان (هل ان الواحد لايصدر منه الا واحد؟) ، الشيخ ماجد الكاظمي ، منشور في مدونة عين الحياة.
[23] نقد المذهب التجريبي / محمد محمد طاهر آل شبير الخاقاني - ص232.
[24] وجود العالم بعد العدم عند الامامية / السيد قاسم علي الاحمدي - ص171 وما بعدها.
[25] الشيخية / السيد محمد حسن آل الطالقاني – ص285.
[26] المصدر السابق – ص281.
[27] الشيخية / السيد محمد حسن آل الطالقاني – ص283.
[28] شرح اصول الكافي / المولى محمد صالح المازندراني – ج3 ص81.
[29] التفسير المبين / الشيخ محمد جواد مغنية ت1400هـ – ص169.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat