تسييس اللغة ولغونة السياسة
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قد تكون تلك هي مشكلة سائر اللغات، ولكنها في اللغة العربية أكثر..أعني اللغة حينما تصبح تداولا طرفا في تشكيل العقل المفارق..في لحظة التأسيس الأكبر لمنظومة الإنحاء والبلاغة العربية كان لا شكّ هناك ما يوحي باختلالات في التأصيل كما هو الأمر بالنسبة للتاريخ..فاللغة انتظمت وفق ترجيحات كان لها وصل مشهود مع الإرادة السياسية أيضا..وهذا حديث يطول في مسارات تشكل الخطاب اللغوي العربي..إنّما ازداد تأثير السياسة على اللغة فجاوز الألفاظ إلى المفاهيم..وهكذا ساهمت الميديا في تكريس خطاب لغوي يحيل إلى عالم سياسي يفتقر إلى الابتكار..لغة صراعية، استسلامية، اختزالية، التباسية، تستهين بمنطق اللغة وتمسك بناصية ما كرّسه التداول ليس بقوة التخاطب وجمالية المجاز التداولي بل بقوة الميديا التي يتحكّم بها عقل سياسي فاقد للمبدئية والرشد..
تنظيف اللغة من آثار السياسة ومقتضياتها أمر بالغ الصعوبة، لكن وحدها الثقافة وتثقيف السياسة جديرة بأن تخلق التوازن..وبما أنّ خلف الميديا والوسائط المتحكم في المنطق التداولي للغة توجد إرادات مفيوزية، فلا غرابة أن لغتنا تحولت إلى لغة المافيا وباتت وسيلة تواصلية تفرض النفاق..هنا تنهض العلاقة بين اللغة والقيم..وتصبح اللغة بقوة التداول المفروض وسيلة تربوية خطيرة تؤسس لذات يخترقها النفاق من لغتها الموبوءة..
لقد أصبح السياسي والسياسوي يرهن اللغة لمزاجه..قبل أيام مارس عليّ صديق مخضرم (يستغلّ نزعتي إلى عدم التواقح والجدل في الكلام) لغة المفارقة كعادته، مبرزا عضلاته السوسيو ـ لغوية في أمر يجهل فيه كوعه من بوعه، وذلك حينما قال ببجاحة: الثقافة ليست هي الفولكلور..لكنني لم أستسلم للعبة التّأستذ الفارغة لأقول له، إن كنت تتبنّى فكرة العروي عن الثقافة واستهجانه للفولكلور فهو أولا لا يعني أن الفولكلور ليس ثقافة، كما أنه مصاب بعقدة نفسية مزمنة، أو حالة من التثبيت الطفالي حين كان يجوب ساحة الفنا بمراكش وهو يمتعض من الفولكلور..قال صديقي: الثقافة هي المكتوبة..قلت له: ومن قال؟ قال ليقي ستراوس..تبين أن صديقي الذي يزايد علي بليفي ستراوس لم يفهم ليفي ستراوس..قلت له : الرجل قام بانقلاب كبير في صميم الأنتربولوجيا الثقافية ، واهتم بالثقافة غير المكتوبة ومنهحها قوام الثقافة العقلانية ثم أنت تقول كيت وكيت..أف..وقس على ذلك مفاهيم أخرى أخضعها صاحبي لمزاجه السياسوي المتقلب..قلت: إن طه عبد الرحمن اللغوي المتين لم يقنعني بألاعيبه اللغوانية فكيف بسياسوي يمارس أشكالا من علم النفس النازي على اللغة..هذه مشكلة المثقف الألعبان..وما أكثرهم في مزرعتنا..هشاشة سوسيولسانية وأنتروبو ـ ثقافية ولكن لعبة التمركش وبهلوانيات جامع الفنا تقزّزني في المعاش اليومي وفي العلم..الحلقة مثال هنا عن حجاج بليد بشروط التخاطب القردي القائم على النّط والقفزات والأكروباتية..المشكلة ليست في الجهل البسيط بل في الجهل المركب..فيمن يصرّ أن يفرض المزاج على اللغة والمفاهيم ويرسم خرائط طريق بهلوانية للمعرفة..صاحبي جاهل بالمفاهيم بله ابتكارها..ولكن المشهد المتخم بالفوضى يمنح الشجاعة من أجل الجهل..
إننا نحاول أن نحلّ مشاكل السياسة باللغة بينما نجهل أنّ اللغة هي ضحية السياسة أيضا...إنّنا نحكي لغة تحدّد نحوها وتقنية حجاجها على أصول السياسة......ولكن العلم اعتزل عن السياسة لا بل اعتزل العلم العلم أيضا..وبتنا نتحدث محفوظات العلم لا العلم.....
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ادريس هاني

قد تكون تلك هي مشكلة سائر اللغات، ولكنها في اللغة العربية أكثر..أعني اللغة حينما تصبح تداولا طرفا في تشكيل العقل المفارق..في لحظة التأسيس الأكبر لمنظومة الإنحاء والبلاغة العربية كان لا شكّ هناك ما يوحي باختلالات في التأصيل كما هو الأمر بالنسبة للتاريخ..فاللغة انتظمت وفق ترجيحات كان لها وصل مشهود مع الإرادة السياسية أيضا..وهذا حديث يطول في مسارات تشكل الخطاب اللغوي العربي..إنّما ازداد تأثير السياسة على اللغة فجاوز الألفاظ إلى المفاهيم..وهكذا ساهمت الميديا في تكريس خطاب لغوي يحيل إلى عالم سياسي يفتقر إلى الابتكار..لغة صراعية، استسلامية، اختزالية، التباسية، تستهين بمنطق اللغة وتمسك بناصية ما كرّسه التداول ليس بقوة التخاطب وجمالية المجاز التداولي بل بقوة الميديا التي يتحكّم بها عقل سياسي فاقد للمبدئية والرشد..
تنظيف اللغة من آثار السياسة ومقتضياتها أمر بالغ الصعوبة، لكن وحدها الثقافة وتثقيف السياسة جديرة بأن تخلق التوازن..وبما أنّ خلف الميديا والوسائط المتحكم في المنطق التداولي للغة توجد إرادات مفيوزية، فلا غرابة أن لغتنا تحولت إلى لغة المافيا وباتت وسيلة تواصلية تفرض النفاق..هنا تنهض العلاقة بين اللغة والقيم..وتصبح اللغة بقوة التداول المفروض وسيلة تربوية خطيرة تؤسس لذات يخترقها النفاق من لغتها الموبوءة..
لقد أصبح السياسي والسياسوي يرهن اللغة لمزاجه..قبل أيام مارس عليّ صديق مخضرم (يستغلّ نزعتي إلى عدم التواقح والجدل في الكلام) لغة المفارقة كعادته، مبرزا عضلاته السوسيو ـ لغوية في أمر يجهل فيه كوعه من بوعه، وذلك حينما قال ببجاحة: الثقافة ليست هي الفولكلور..لكنني لم أستسلم للعبة التّأستذ الفارغة لأقول له، إن كنت تتبنّى فكرة العروي عن الثقافة واستهجانه للفولكلور فهو أولا لا يعني أن الفولكلور ليس ثقافة، كما أنه مصاب بعقدة نفسية مزمنة، أو حالة من التثبيت الطفالي حين كان يجوب ساحة الفنا بمراكش وهو يمتعض من الفولكلور..قال صديقي: الثقافة هي المكتوبة..قلت له: ومن قال؟ قال ليقي ستراوس..تبين أن صديقي الذي يزايد علي بليفي ستراوس لم يفهم ليفي ستراوس..قلت له : الرجل قام بانقلاب كبير في صميم الأنتربولوجيا الثقافية ، واهتم بالثقافة غير المكتوبة ومنهحها قوام الثقافة العقلانية ثم أنت تقول كيت وكيت..أف..وقس على ذلك مفاهيم أخرى أخضعها صاحبي لمزاجه السياسوي المتقلب..قلت: إن طه عبد الرحمن اللغوي المتين لم يقنعني بألاعيبه اللغوانية فكيف بسياسوي يمارس أشكالا من علم النفس النازي على اللغة..هذه مشكلة المثقف الألعبان..وما أكثرهم في مزرعتنا..هشاشة سوسيولسانية وأنتروبو ـ ثقافية ولكن لعبة التمركش وبهلوانيات جامع الفنا تقزّزني في المعاش اليومي وفي العلم..الحلقة مثال هنا عن حجاج بليد بشروط التخاطب القردي القائم على النّط والقفزات والأكروباتية..المشكلة ليست في الجهل البسيط بل في الجهل المركب..فيمن يصرّ أن يفرض المزاج على اللغة والمفاهيم ويرسم خرائط طريق بهلوانية للمعرفة..صاحبي جاهل بالمفاهيم بله ابتكارها..ولكن المشهد المتخم بالفوضى يمنح الشجاعة من أجل الجهل..
إننا نحاول أن نحلّ مشاكل السياسة باللغة بينما نجهل أنّ اللغة هي ضحية السياسة أيضا...إنّنا نحكي لغة تحدّد نحوها وتقنية حجاجها على أصول السياسة......ولكن العلم اعتزل عن السياسة لا بل اعتزل العلم العلم أيضا..وبتنا نتحدث محفوظات العلم لا العلم.....
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat