صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 5 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وحدة الوجود والموجود:

وقف العرفاء المؤمنون بوحدة الوجود والموجودات، يقولون: إنّ الوجود أمرٌ واحد وشخصي ، ومن هنا يصبح تقسيم الوجود إلى تام وناقص أو واجب وممكن، أمرٌ لا معنى له ؛ لأنّه لا شيء غير الوجود ؛ ولذلك فجميع الموجودات وظواهر عالم الوجود هي تجلّيات وانعكاسات لذلك الوجود الواحد، بمعنى آخر: كل ما في الكون وحدة محضة، ولا توجد أي علاقة ثنائية بين الموجودات وظواهر العالم. وتنسب هذه النظرية العرفانية إلى ابن عربي ، وهو القائل في فصوصه أنّ وجود الحقّ هو وجود مطلق، وقد أخذ القونوي هذه الفكرة في مفتاح الغيب وطوّرها بقوله: إنّما الوجود هو لله وأسمائه وصفاته وكمالاته، وأنّ عالم الخلق أمرٌ اعتباري لا غير. يصف السبزواري في أسرار الحكم هذه المدرسة بقوله: "الطريق الثاني في التوحيد هي طريقة معظم العرفاء القائلين بوحدة الوجود.. وكذلك وحدة الموجودات، والذين لا يرون للوجود مراتب، ويؤكّدون على أن لا وجود في الواقع إلا وجود الله، وما الكثرة إلا وهم وخيال". ويقول العلامة الشعراني في تعليقته، في إشارة لهذا القول: مراد المؤلف هو طريقة المتوسّطين من المتصوفة، وإلاّ فالعرفاء الأجلاء يقولون بمراتب الوجود وبالكثرة في الوحدة. ينظر العرفاء إلى حقيقة الوجود على أنّها واحدة متفرّدة، وجوهر هذه الحقيقة حصرٌ في الله، بينما جميع الممكنات والخلائق تجلّيات وظهورات لذلك الجوهر الواحد ولتلك الحقيقة المتفرّدة. وهذه الشمولية هي موضع اتفاق مشاهير العرفاء من أمثال ابن عربي، إلى درجة تصير معها عبادة الأصنام وباقي الأجسام في المحصّلة النهائية مظهراً ورمزاً لعبادة الحقّ، ذلك أنّه لمّا كانت ظواهر العالم مجالي ومرايا للحقّ تعالى، فالصنم أيضاً ـ شأنه شأن المظاهر كافّة ـ لا يملك حقيقةً لذاته، بل هو مظهرٌ من مظاهر الوجود، وفي هذا المعنى ينشد العارف محمود الشبستري أبياتاً شعرية رائعة راجعها إن شئت. وهذا بالذات ما جعل المتصوّفة في مرمى سهام القدح والطعن من قبل أهل الشريعة. يذكر المرحوم الآملي صاحب التعليقات على منظومة السبزواري ما يلي: وحدة الوجود والموجودات هو مذهب المتصوّفة، وهم في هذا على طائفتين: طائفة تقول بوجود حقيقة واحدة فقط في عالم خارج الذهن مطابقة لمفهوم الوجود، وأنّ سائر المراتب وهمٌ وخيال. وطائفة أخرى في الصوفية ترى أنّ للحقيقة وجوداً مجرّداً ومستقلاً عن المجالي والصور المتعدّدة للظواهر، ولكنّ الوجود ـ بوصفه حقيقةً جامعة ـ واجبٌ، سواء أكان في مرتبة التجرّد عن المجالي أو في غيرها، وهذه المرتبة في جميع الموجودات هي ذلك الوجود الواحد[1].

ويتحدث الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (وهو من اتباع الحكمة المتعالية ايضاً) عن "وحدة الوجود والموجود" بقوله: "فإن المعقول في باديء النظر وحدة الوجود ، وتعدد الموجود المتحصل من الحدود والقيود والتعينات ، ولكن الذي طفح وطغى في كلمات العرفاء الشامخين ومشايخ الصوفية السالكين والواصلين هو وحدة الوجود ووحدة الموجود أيضاً ، وكانت هذه الكلمة العصماء يلوح بها أكابر العرفاء والأساطين في القرون الاولى كالجنيد والشبلي وابا يزيد البسطامي ومعروف الكرخي وامثالهم حتى وصلت الى الحلّاج وأقرانه الى ان نبغ في القرون الوسطى محي الدين العربي وتلميذاه القونوي والقيصري فجعلوها فناً من الفنون والمؤلفات الضخام كالفتوحات المكية وغيرها ، والمتون المختصرة كالفصوص والنصوص التي شرحها ونقحها صدر الدين القونوي ، وانتشرت ، وعند عرفاء القرون الوسطى من العبر كابن الفارض وابن عفيف التلمساني وغيرهما ، ومن الفرس كثير لا يحصى عددهم كالعطار والهاتف والجامي وأضرابهم وأحسن من أبدع فيها نظماً العارف التبريزي الشبستري في كتابه المعروف (كلشن راز) وخلاصة هذه النظرية ان تلك الطائفة لما أرادوا ان يبالغوا ويبلغوا أقصى مراتب التوحيد الذي ما عليه من مزيد ، وأن لا يجعلوا للحق شريكاً لا في الربوبية كما هو المعروف عند أرباب الأديان بل نفوا الشريك له حتى في الوجود فقالوا لا موجود سوى الحق ، وهذه الكائنات من المجردات والماديات من أرضين وسماوات ، وما فيها من الافلاك والانسان والحيوان والنبات بل العوالم بأجمعها كلها تطوراته وظهوراته وليس في الدار غيره ديار ، وكل ما نراه أو نحس به او نتعقله لا وجود له ، وانما الوجود والموجود هو الحق جل شأنه ، ونحن اعدام وليس وجودنا إلا وجوده"... الى ان يقول: "وقد تفنن هؤلاء العرفاء في تقريب هذه النظرية الى الاذهان وسبحوا سبحاً طويلاً في بحر هذا الخيال ، وضربوا له الأمثال (فصوروه) تارة بالبحر وهذه العوالم والكائنات كأمواج البحر فإنها ليست غير البحر وتطوراته ، وليس الأمواج شيء سوى البحر فإذا تحرك ظهرت ، وإذا سكن عدمت واندحرت ، وهو معنى الفناء المشار اليه بقوله تعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ] يفنى وجه الممكن ويبقى وجه الواجب"... "ومن هذا القبيل التمثيل بالشعلة الجوّالة التي ترسم دائرة نارية من سرعة حركتها وليست هي إلا تلك الشعلة الصغيرة" ... "والوجود واحد والموجود واحد له ظهورات وتطورات ، يترآئى انها كثرت وليست إلا الذات ومظاهر الاسماء والصفات وشؤون الجمال والجلال والقهر واللطف ، وقد رفع الكثير منهم حجب الاستار عن هذه الاسرار حتى ان محي الدين العربي عبّر عن كل هذا بتغيير كلمة في البيت المشهور: (وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد) فقال: (تدل على انه عينه) ثم تحامل وتقحم الى ما هو أصرح وأعظم حيث قال: 

سبحان من حجب ناسوته * نور سنا لاهوته الثاقب

ثم بدا في خلقه بارزاً * بصورة الآكل والشارب"

... الى ان يقول: "لأن الوجود لا يقبل العدم وهو منافر له وضد له بطبيعته ، مع غننا نراها بالعيان توجد وتعدم وتظهر وتفنى فلا محيص من الالتزام بأنها غير موجودة وليس الموجود إلا وجود واجب الوجود الزلي الحق الذي يستحيل عليه العدم بطبيعة ذاته المقدسة وكل ما نراه من هذه الكائنات التي نحسبها بالوهم موجودة هي اطواره ومظاهره يفيضها ويقبضها يبقيها ويفنيها وياخذها ويعطيها وهو المانع والمعطي والقابض والباسط وهو على كل شيء قدير وكل شيء هالك الا وجهه ، وكل الاشياء تجلياته وظهوراته وإشراقاته وأنواره وكل الكائنات والممكنات كلها مضافة إليه بالإضافة الاشراقية لا المقولية أطرافها اثنان لا ثلاثة وسواء قلنا بأن هذا البرهان صخرة صماء لا تمسه أظافر الخدشة أو ان للمناقشة فيه مجال فهو برهان منطقي على أصول الحكمة والمنطق هذا عدا ما يدعونه من الشهود والمكاشفة والعيان الذي هو اسمى من الدليل والبرهان" ... "ومع هذا كله فإن علماء الظاهر وأمناء الشرع يقولون ان سالك هذا الطريق كافر زنديق وهذه الطريقة أعني وحدة الوجود والموجود عندهم زندقة والحاد ، تضاد عامة الشرائع والاديان مهما قام عليها الدليل والبرهان ، إذ حينئذٍ اين الرب والمربوب ، أين الخالق والمخلوق ، وما معنى الشرائع والتكاليف ، وما هو الثواب والعقاب ، وما الجنة والنار ، وما المؤمن والكافر ، والشقي والسعيد ، الى آخر ما هنالك من المحاذير واللوازم الفاسدة ، ولعل هذا هو مدرك ما ذكره السيد الاستاذ (رض) في العروة الوثقى ما نصه: (القائلين بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الاسلام فالأقوى عدم نجاستهم) وإذا أحطت خبراً بما ذكرنا تعرف ما في هذا وامثاله من كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم ، وإني لا أرى من العدل والأنصاف ، ولا من الورع والسداد ، المبادرة الى تكفير من يريد المبالغة في التوحيد وعدم جعل الشريك لله تعالى في كل كمال والكمال والوجود كله لله وحده لا شريك له ، ومع ذلك فهم يؤمنون بالشرائع والنبوات والحساب والعقاب والثواب والتكاليف بأجمعها على ظواهرها فالحقيقة لا تصح عندهم ولا تنفع بدون الطريقة والطريقة لا تجدي بدون الشريعة والشريعة هي الأساس وبها يتوصل ملازم العبادة ، الى اقصى منازل السعادة وعندهم في هذه المسائل مراحل منازل وتحقيقات انيقة وتطبيقات رشيقة ومعارج يرتقي السالك بها الى اسمى المناهج ومؤلفات مختصرة ومطولة فوق حد الاحصاء نظماً ونثراً وأذكار سراص وجهراً ورياضات ومجاهدات لتهذيب النفس وتصفيتها كي تستعد للحوق بالمل الاعلى والمبدأ الاول وهناك من البهجة والمسرة والجمال والجلال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وههنا اسرار عميقة ومباحث دقيقة لا تحيط بها العبارة ولا تدركها الاشارة فلنتركها لأهلها ، ونساله تعالى ان يفيض علينا من فضله بفضلها ، نعم لا ريب ان كل طائفة اندس فيها من ليس من اهلها من الدخلاء ، وأهل الأهواء حتى يكاد ان يغلبوا على اربابها الاصحاء ، فلا ينبغي ضرب الجميع بسهم واحد واخذهم أو نبذهم على سواء كما ان بعض المتطرفين المتوغلين في الغرام والهيام والشوق الى ذلك المقام الاسمى قد توقدت شعلة المعرفة في قلوبهم فلم يستطيعوا ضبط عقولهم وألسنتهم فصدرت منهم شطحات لا تليق بمقام العبودية مثل قول بعضهم (أنا الحق) (وما في جبتي إلا الحق) وأعظم منها في الجرأة والغلظ والشطط قول بعضهم (سبحاني ما أعظم شأني) وهذه الكلمات قد حملها الثابتون منهم على انها صدرت من البعض حالة المحو لا حالة الصحو ، وفي مقام الفناء في الذات ، لا في مقام الاستقلال والثبات ، ولو صدرت في غير هذه الحال لكانت كفراً ، على ان المنقول عن الحلاج انه قال للذين اجتمعوا على قتله اقتلوني فأن دمي لكم مباح لأني قد تجاوزت الحدود ومن تجاوز الحدود (اقيمت عليه الحدود) ولكن العارف الشبستري التمس العذر لهذه الشطحات وجملها على احسن وجه حيث قال:

انا الحق كشف ان اسرار مطلق * بجز حق كيست تاويد انا الحق

روا باشد أنا الحق از درختي * جرا نبود روا از نيك بختي

 

يقول من ذا يستطيع ان يقول أنا الحق وإذا صح وحسن من الشجرة ان تقول أنا الله فلماذا لا يحسن ذلك من العارف الحسن الحظ وحقاً أقول انَّ من أجال فكره وأمعن النظر في جملة من آيات القرآن العزيز زكلمات النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وأدعيتهم وأورادهم سيجد في الكثير منها الإشارة الى تلك النظرية العبقرية ، وقد شاعت كلمة رسول الله (ص) وهي قوله (سلام الله عليه): (أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد): (الا كل شيء ما خلا الله باطل) وقد تضمنت هذه الكلمة في طياتها كل ما قاله العرفاء الشامخون من ان الاشياء اعدام إذ ليس الباطل إلا العدم وليس الحق إلا الوجود فالأشياء كلها باطلة وأعدام وليس الحي والموجود إلا واجب الوجود وهذا كل ما يقوله ويعترض أولئك القوم أفاض الله سبحانه هذه الكلمة على لسان ذلك الشاعر العربي الذي عاش اكثر عمره في الجاهلية وأدرك في أخريات حياته شرف الاسلام فأسلم وقد صدق تلك الجوهرة الثمينة الصادق الامين ومثلها كلمة ولده صادق أهل البيت صلوات الله عليه (العبودية جوهرة كنهها الربوبية) بل لو امعنت النظر في جملة من مفردات القرآن المجيد تجدها وافية بذلك الغرض واضحة جلية مثل قوله تعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ] و[كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ] فان المشتق حقيقة فيمن تلبس بالمبدأ حالاً فكل شيء فان وهالك حالاً لا انه سوف يهلك ويفنى"[2].

وقد نقلنا هذا النص بطوله لأهميته لأنه يكشف عن جانب من فكر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، ذلك الجانب الخفي على الكثير من المؤمنين ، أي جانب اعتقاده لعقيدة وحدة الوجود والموجود ، وكذلك ليتبين للقاريء الكريم الارتباط الوثيق بين مدرسة الحكمة المتعالية وبين التصوّف والصوفية ولاسيما ابن عربي وتراثه.

ولو اردنا تتبع الرد على كل ما ذكره الشيخ في هذا النص الذي نقلنا لطال بنا المقام. ولكن ننبه الى ما ذكرناه في موضع آخر من بحثنا الموسوم (لكي لا يكون ابن عربي امامي) من ان اتباع الحكمة المتعالية والشيخ محمد حسين آل كاشف غطاء منهم ، يعتبرون أنَّ مفهوم ومصداق وجود الله سبحانه وتعالى كمفهوم ومصداق وجود مخلوقاته مع انه تعالى قد قال باللفظ العربي الصريح في سورة الشورى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) فلا هو كسائر الموجودات ، ولا وجوده كوجود المخلوقات من حيث المصداق. وهذه الاية الكريمة تفند كل نظرية وحدة الوجود والموجود.

كما ان استشهاده بشعر لبيد (الا كل شيء ما خلا الله باطل) لم يكن في صالحه في (نظرية وحدة الوجود والموجود) بل هو ضد عقيدته ، فلو كان كل شيء باطل من المخلوقات فكيف يدّعي وحدته مع الحق بنظريتهم البائسة (وحدة الوجود والموجود) !! فالله سبحانه هو الحق ، وهو موجود ومتوحد مع سائر الموجودات التي يدّعي في الشعر انها باطل ، في وحدة واحدة بحسب مزاعمهم ، فكيف تكون تلك الموجودات باطلة !!

ومن جهة اخرى فإن هذا البيت الشعري ايضاً شيء من الاشياء فهل يكون باطلاً أيضاً !! وفي هذا الاطار يقول الشريف المرتضى (رض) بعد ذكره شعر لبيد آنف الذكر: "ولم يرد أن الحق باطل ولا أن شعره هذا الذي قاله باطل ، وقد قال كل شيء وإنما اراد بعض الأشياء ، ويقول القائل (دخلنا السوق فاشترينا كل شيء ورأينا كل شيء حسن) وإنما أراد كل شيء مما اشتروا ، وكل شيء مما رأوا ، وكذا ((خالق كل شيء)) مما خلقه لا مما فعله عباده لأنه لا يجوز أن يفعل العباد خلق رب العالمين"[3].

واما الحديث الذي نسبه للامام الصادق (صلوات الله عليه) على انه قال: (العبودية جوهرة كنهها الربوبية) فهو مروي في كتاب مصباح الشريعة ، وقد بيّنا في الفصل الرابع في بحثنا هذا عدم صحة نسبة هذا الكتاب للأمام الصادق (عليه السلام) وانه ربما كان من كلام شقيق البلخي الصوفي المشهور.

 

خلق ام صدور ام تجلي:

تحدث ابو العلا عفيفي في شرحه للفص العيسوي من فصوص الحكم لابن عربي ، عن فكر ابن عربي حول  تجلي الله سبحانه وتعالى في كل المخلوقات وليس في المسيح عيسى (عليه السلام) وحده ! فقال: "كذلك الحال في ظهور الحق في صورة عيسى فإنه لا يلزم منه أن تكون الالوهية التي هي صفة ذاتية للحق صفة لهذه الصورة الخاصة. أي أن تجلّي الحق في أية صورة من صور الوجود شيء وكونه عين هذه الصورة شيء آخر ، أو أن الالوهية ليست جزءاً من حد الصورة التي يتجلّى فيها الله ، كما أن النفخ ليس جزءاً من حد الصورة البشرية التي ظهر فيها جبريل. كان النفخ إذن من جبريل الروح لا من الصورة التي ظهر فيها ، ولهذا ينسب النفخ إليه لا إليها ، كما أنّ الالوهية تنسب الى الله لا الى الصورة التي يتجلى فيها"[4].

ويقول الشيخ حسن زادة آملي وهو من علماء الحكمة المتعالية: "المعلول هو المخلوق وقد اعتبر في الخلق التقدير فينبغي أن يفرق ويميز في هذا المقام بين اول ما صدر وبين اول ما خلق. أما الصادر الاول فهو نور مرشوش ورق منشور عليها جميع الكلمات النورية الخلقية من العقل الاول الى آخر الخلق. والبحث عن ذلك بالتفصيل والاستيفاء موكول الى محله ، ولعل ما في رسالتنا بالفارسية الموسومة بالوحدة في نظر الحكيم والعارف يجديك في المقام"[5].

وقال ابو العلاء عفيفي متحدثاً عن الفرضيات الفلسفية والعرفانية بشأن الصدور والتجلّي والاختلاف بين الفلاسفة والعرفاء : "يذهب الفلاسفة المسلمون الذين تأثروا بنظرية أفلوطين في الفيوضات الى ان اول ما فاض عن "الواحد" هو "العقل الفعال" ثم توالت الفيوضات بعد ذلك في نظام تنازلي حتى انتهى الامر بالعقل الفعال آخر العقول ومبدأ الحياة الناطقة في كل ما يحتوي عليه فلك ما تحت القمر. فالعقول البشرية في نظرهم ليست سوى تعينات أو صور للعقل الفعال: تهبط على الاجسام وتبقى بها زمناً محدوداً ، فإذا فارقتها رجعت الى اصلها واتصلت به. أما فلاسفة الصوفية فلم يصوروا المسألة هذا التصوير بالرغم من استعمالهم ألفاظ الفيض والصدور وما إليها. فمذهب ابن عربي على الاقل – وهو في مقدمة المذاهب الصوفية الفلسفية في الاسلام – يحمل طابع وحدة الوجود التي لا أرى انها تتفق تماماً مع نظرية الفيوضات الافلوطينية. نعم يستعمل كلمة الفيض وما يتصل بها من اصطلاحات ، وقد يذكر فيوضات افلوطين بأسمائها وعلى النحو الذي ذكره هذا الفيلسوف ، ولكن للفيض عنده معنى يختلف عن معنى اصحاب الافلاطونية الحديثة كما اشرنا الى ذلك من قبل. فالوجود فائض عن "الواحد" – على مذهبه – بمعنى أن "الواحد" متجلّ في صور أعيان الممكنات التي لا تتناهى: كان ذلك منذ الأزل وسيبقى كذلك على الدوام. لم يجد ابن عربي وأصحابه إذت حرجاً – كما وجد الفلاسفة المشاؤن من المسلمين – في القول بأن الكثرة قد صدرت عن الواحد بالمعنى الذي ذكرناه: أي أن الواحد قد ظهر بصور الاعيان المتكثرة في الوجود الخارجي. ولم يأخذ بالقاعدة التي أخذ بها المشّاؤن وجعلوها أساساً لمذهبهم ، وهي أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، بل قال إن الواحد قد صدر عنه العقل الأول كما صدر عنه الأرواح المهيمة وأرواح الكاملين من الخلق كالأنبياء والأولياء ، بل وروح كل موجود (وليس في الوجود إلا ما له روح). بعبارة اخرى صدر عن الواحد الحق كل شيء لأنه حقيقة كل شيء والمتجلّي في كل شيء"[6].

 

 

 

________________________________________

الهوامش:

[1] مقال بعنوان (وحدة الوجود في مدرستي: الفلسفة والعرفان) ، د. يحيى كبير ، منشور في موقع نصوص معاصرة الالكتروني بتاريخ (23 سبتمبر 2014).

[2] الفردوس الاعلى / الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ت1373هـ – ص(207- 214).

[3] رسائل الشريف المرتضى / الشريف المرتضى (رض) ت436هـ – ص221.

[4] فصوص الحكم / ابن عربي / تعليق ابو العلا عفيفي – ج2 التعليقات ، ص185.

[5] كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة الحلي (قدس سره) ت726هـ / تحقيق الشيخ حسن زاده آملي - هامش ص268.

[6] فصوص الحكم / ابن عربي / تعليق ابو العلا عفيفي – ج2 التعليقات ، ص179.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/27



كتابة تعليق لموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 5 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net