صفحة الكاتب : عبد الصاحب الناصر

ما بعد داعش، مرحلة النضج السياسي
عبد الصاحب الناصر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ النظام الملكي، ثم ثورة تموز المجيدة ، و الى هذه الأيام كان يحسب اي تطلع وطني لأي من الناس فيسبغ هذا الانسان بالسياسي . هذا في رأي المتواضع خطأ نقع فيه جميعا ، و هذا ما حصل بعد التغيير و الغاء النظام الشمولي البعثي، و ربما سيستمر لأجيال قادمة .ففي زمن النضال الوطني كانت كل الجهود محترمة و مكرمة ، لكن و من اجل الاستقرار الاجتماعي في اي بلد ناشئ يتطلع للبناء و التطور ،  يحب فرز الحالات و عزل الاهداف و حتى التطلعات. لا باس بمواصلة الحس الوطني عند كل الناس المخلصين ، و هذه ستبقى كدرع و جدار يحمي البلد و مستقبله . لكن التطلعات للعمل السياسي يجب ان يستقر على خطة واضحة و ان يكون لمن يريد العمل كسياسي ذو استراتيجية  واضحة و مبادئ  تتوخى البناء القادم لهدا البلد الكريم .  سنحتاج الى عقود من الوقت قد تصل الى ثلاثة او اربعة اجيال لتبرز قيادات سياسية جديدة . و  لاننا لا نعرف حاليا اي نظام احسن او ارقي من النظام الديمقراطي بديلا. فالديمقراطية تربية و تعليم و اصالة و عفة، بالاضافة الى الحس الوطني .  والشعور بالانتماء للوطن، و قد يكون الحس الوطني في اسفل مستلزمات و طبقات البناء الديمقراطي، لان الديمقراطية تربية عائلية و محلية و مدرسية، ومجتمعية، و تنمو مع الاختلاط الذي يؤسس للاعتراف بالآخر مع تقبل كل الاختلافات في الاراء و الاتجاهات والانتماءات الثانوية .

 

دخل الامريكان و احتلوا العراق بعد طرد جرذ ابن العوجة وهم لا يملكون اية خطة بعد الاحتلال لتطوير العراق او لبناء الديمقراطية التي يتبجحون بها ، فاول ما اسسوا ما سمي بمجلس الحكم فشكله  من تجمعات عرقية و طائفية ، واستمر الى هذه الايام ، بل استحسنه الكثير ممن لم يكن عندهم او في حسبانهم اي تطلع سياسي قيادي . حتى الاحزاب السياسية لم تهيئ من قياديها رجال مرحلة البناء الديمقراطي كسياسيين و كقادة دولة، و اكثر من استغل هذه المرحلة هم ذوي الانتماء الديني، و من كل الاطراف سنية و شيعيه و كردية .كذلك لم تهيئ الاحزاب العلمانية رجال سياسة و قادة دولة ، بل صبغت من تبقى من اعضائها على قيد الحياة ليكون رجل سياسه و بناء في نفس الوقت  .و جعلت الكتل السياسية قياديها من اعضائها بغض النظر عن ملاءمتهم او معرفتهم بالعمل السياسي جعلت منهم قادة لبناء البلد ، ناهيك عن القادة المتوارثين قيادتهم عن ابائهم و عوائلهم . مثلا مسعود و عمار و مقتدى و حتى النجيفي و العيساوي . الا اياد علاوي. وهذا الرجل ذو هوس باسترجاع التنظيم البعثي  ليقود العراق بقيادته كبديل عن حزب البعث الصدامي، و لأنه اخطأ كما يخطئ دائما لانه تصور ان اعضاء حزب البعث ذو مبادئ اشتراكية و حرية   وحدوية . كان عليه ان يعرف ان صدام امتلك الحزب و غيره من خارطة الانتماء الحزبي الي انتماء عائلي ثم عشائري و انتها بالانتماء الطائفي .

اما السياسيين من الكتل الاسلامية وغير الاسلامية و من غير اتباع العوائل ، فانهم اعتمدوا على الطائفة و المذهب و الدين، ثم العرق ليحتموا بهم و ليحكموهم .لذلك نرى العراق متشتت و متناقض ، و متنافس فيما بين ابنائه بعض النظر عن عائديتهممن هنا اتت الحاجة لحكونة " تكنوقراط " .

ثم جاء الاحتلال الفاشي الداعشي المتطرف لقسم كبير من الارض العراقية . و جاءت معه الدعوة المقدسة التي اطلقتها المرجعية الحكيمة، و استجابت لها الالاف من ) المتطوعين ( بدون اي مقابل ، فقلبت عليهم كل حساباتهم و تغيرت كل الاوضاع  السياسية ، هي  حركة تأسست على الحس الوطني  الصادق ، حركة مباركة لم تكن متوقعا و بهذه السرعة . و لكن و مع كل الاسف ، رافقت دعوات الحشد الشعبي، دعوات اقل ما يقال عنها أنها دعوات احترازيه مريبة متخوفة و متعاكسة مع الحس الوطني . فتباعدت الاهداف الوطنية التي يحملها الحشد الشعبي عن الاهداف التي يحملها كثير من السياسيين" القدماء" المخضرمين تاريخيا ، فوصلت الى النكران ، اي نكران الاخر ، بل وصلت حتى الي التخوف من ذكر اسم " الحشد الشعبي". كما  كتب قيادي سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ينتقدني لاني لمته لعدم تسمية الحشد الشعبي ضمن التشكيلات الوطنية التي تقاتل الارهاب الداعشي في العراق، و تحجج بانهم ،  و لا اعرف ان كان يتكلم ) باسم الحزب الشيوعي (و بانهم !، يعتمدون مصطلح " المتطوعين" لانه الاشمل لكل القوات التي تقاتل داعش، حسب إدعائه . فوقع الاخ في ورطة من صنعه ،لانه تناسى ان في دعوتهم للاستعداد لتحرير الموصل و في السطر الاول  و في صدر المقال ، قد ذكروا مع كلمة " المتطوعين " ذكروا كل المشاركين ، مثل ابناء العشائر و البيشمركة و حتى قوات التحالف الدوليإالا اسم الحشد الشعبي؟.انقل عبارة الأخ مفيد الجزائري حرفيا :-

) تحرز قواتنا المسلحة و القوى  والتشكيلات الداعمة لها من المتطوعين والبيشمركة وابناء العشائر والتحالف الدولي ( .

و علل ذلك هكذا:-

)” فاننا نرى ان كلمة “المتطوعين” ادق تعبيرا، لانها تشمل منتسبي التشكيلات المنضوية تحت لواء مؤسسة الحشد، كما تشمل منتسبي التشكيلات التي بقيت خارجه، مثل “سرايا السلام”.( .

و هذا ما اكتب عنه  و اسميه ،) بعدم النضح السياسي ( لان الاخ مفيد الجزائري كان عضو سابقا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي .فاذا كانوا  قياديين يتصرفون بهذا المستوى ضد مصالح احزابهم ، اذ ما الضرر من  ذكر كلمة الحشد الشعبي ، حتى لو مجاملة أو تبجحا او استرضاء .

كذلك الوضع عند بعض قادة الاحزاب الاسلامية . مثلا السيد  النائب على العلاق ، القيادي في حزب الدعوة و قائد حملة تنصيب السيد العبادي .

يقول العلاق انهم في كتلة دولة القانون اعطينا المالكي ثمان سنوات ليبين مقدرته الادارية . و اقول للعلاق: اين اصوات الناس الذين انتخبوا المالكي إذاً ؟. ليس دفاعا عن المالكي فعنده من نفس الاخطاء ما اوقعته في اشكالات بسبب من يحيطون به ، لكن المناصب يعطيها الشعب في عملية انتخاب ديمقراطية و ليس كرما منك ومن رجال الدين ، مهما كانت مكانتهم الدينية ، لانها لا تعلوا علي اصوات الشعب ، بل لن تعلوا ابدا .

كتبتُ عن هذين المثالين ليس للانتقام من احد او للتسقيط ، حاشا ، بل للإشارة إلى عدم النضج السياسي  عند كثير من السياسيين العراقيين و حتى من هم في مواقع القيادة، الامر الذي نحتاجه بعد تحرير الموصل وطرد الدواعش، و في بناء عراق حر ديمقراطي يفتخر به ابناءه و يفتخر الوطن بابنائه .

ثم قضية اقليم كردستان العراق و الذي هو جزء عزيز من العراق مهما حاول الآخرون فصله بعملية جراحية أو قصابية. و عن سيطرة عائلة  ال برزان و ال زيباري ، كانت مرحلة مقاتلة النظام السابق ربما تتطلب الاستعانة بأبناء العشائر تلك ، لكن الاقليم استقل تقريبا منذ سنة ٩١ .و يمكن بناء بلد ما في ) ال ٢٥(  سنة الماضية ، لا ان تنهب الاموال بحيث لم يبقى مال  لتسليح البيشمركة  او لدفع رواتب الموظفين . بماذا سيحتج السيد مسعود بعد تحرير الموصل و العراق من الدواعش؟. هل سيترك لقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني  من غير ابنائه ليديروا  امور الاقليم بالمساهمة مع بقية الاحزاب الكردية ؟ ام  سيبقي برلمان الاقليم موصود الابواب، و حكومته متشردة لا تعقد الا لمن هم من عائلة ال برزان ؟.

 

المستقبل في رأي المتواضع ايضا ، هو بيد الشباب العراقي ممن هب و ساند و اشترك و تطوع ضمن القوات العراقية التي قاتلت الدواعش من ابناء الحشد الشعبي و ابناء العشائر و البيشمركة و من فصائل الشباب التركمان و الشباب المسيحيين و من المتطوعين الإيزيديين  والشبك .هؤلاء هم قادة العراق القادم ، سيتطلب الامر الى وقت طويل، لكن المسيرات تبدأ بالخطوات الاولى، و ليس بمن تخمرت  عندهم الصورة المشوهة للوطنية ففسدت و فسدوا معها .

حتى نحن ) القدماء ( من نكتب عن الوطنية و عن الديمقراطية و عن العراق العزيز، علينا ان نشجع و نستحسن ما سيقوم به شباب العراق لأنهم هم اعرف بلدهم من الداخل وعلينا ان نشجعهم ، و لا باس من ابداء الاراء  فقط لنعطيهم الثقة بالنفس و ليس بالكتابه لتهبيط العزائم . لان هؤلاء الشباب قد  خلقوا لزمان غير زماننا .

عن الامام على عليه السلام

 :-"لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"

 

لندن في 21/10/2016


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الصاحب الناصر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/21



كتابة تعليق لموضوع : ما بعد داعش، مرحلة النضج السياسي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net