صفحة الكاتب : عادل علي عبيد

وحدة الموت ثنائية المصير
عادل علي عبيد
 فاتحة :
 
((أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب ))
 
مدخل المسمى :
 
نبط / همع / رمد / أم قشعم / حمام / فوت / زؤام / ذعاف / حجاف ...
 
فقس / فطس / عضد / طن / لعق إصبعه / رق بنفسه / حرض بريقه / آثر الله به / انحل تركيبه / مضى لما خلق له / أتاه ما كان يحذر / دعاه ما كان يخبر / شرب الدهر عليه واكل / أملت حريضا / أفضه شعوب / وجبت نفسه / نضب ظله / قرض رباطه ووصل به إلى ابي يحيى .......
 
قاموس يزخر بغرابة يفصح عنها الموت ، ولكن بعجمة بائنة متلعثمة لطالما اصطدمت بفصيح اللغة ، فراحت تبحث عن معنى ! او لنقل إن المعنى قائم ، ولكن القناعة تغادرنا . فالموت متجدد فينا ، ولكن غرابته تهزمنا ، وتترك فينا سيولا من أسئلة جريئة لطالما تحرت اجوبتنا المتوارية ، فرحنا نكرر أسئلة أجاب عنها هاجس راح يكرر أصواته الممزوجة بتصورات وأصوات وأشباح ما زلنا نراها ونبصرها ونجدها قريبة منا ، ولكنها تنأى عن أفكارنا التي تأبى أن تموت ، او حتى ترفض أن تفكر بالموت .
 
 
 
إذن هي يا صاحبي  سلسلة طويلة من توصيفات وأسماء الموت لم يتوصل إلى حقيقتها عقلك ، فرحت تتخبط بتسمياتها ومسمياتها ، وضاع الوصف والتحديد ، مثلما ضاع خيط طائرتك الورقية التي كنت تنقش عليها قصيدتك المهاجرة ، من محلة الجمهورية الثانية إلى سوق البنات  . وهمت في فضاءات النفس تحث خطاك المترددة ، وآنت تبحث عن ذاتك التي غادرتك مذ ألف عام .
 
مهيمنة الموت سيدة المواقف ، فارسها الأول هادم اللذات ، وغرابتها هي غربتها التي تجعلك تمتطي الظن وتغلب احتمالات المكان ، وكأنك منسلخ عن عالمك ، تهاجر في مدن  منسية دارسة ، إلى مدن تعتمر العافية وتعشق الشمس .
 
 فضاعة مشهد الموت تجعلك متعثرا بحساباتك ، تنظر إلى أحبة كانوا جزءا من عالمك ، ولكنهم الآن يرهبونك بسطوة سكوتهم  ، أجسادهم الساكنة ورممهم الملقية هناك بلا حركة ، مثلما لعب الأطفال المملة . هكذا هي دار دخلناها من باب وخرجنا من باب أخرى ، ونحن نزيد من التفاتاتنا إلى عالم لطالما ضج بأحبابنا قبل أن يضج بنا .. هكذا هو الارتحال يتجدد بنا ، ونحن لم نتنعم بمشهد باق ، فسرعان ما يحفل بالتغيير ، لتتراقص صورته بيننا ، ونحن نستحضر بداياته قبل نهاياته التي كنا فرسان رواياتها .
 
 
 
سطوة الرمم :
 
((ميتا خلقت ولم أكن قبلها     شيئا يموت فمت حين حييت ))
 
ديارك الخالية عامرة بالبلى ، والعطل البين صورتها  ، الصمت كلامها الخراب ، المنتشر بأوساطها ، والدمار الذي يلف طولها وعرضها ، عمرانها الذي ولى ، وبناؤها الذي تقزم ، فما عاد للحركة من مكان ، ولا للسنين من زمان ، فكل شيء خمد ، وكل حراك جمد ، فلم يعد في وسعك الطواف ، ولم يكن للصوت من هتاف ، الدموع عليك انهمار ، والليل تباكى والنهار .
 
حج إلى الشمس :
 
الحدباء التي حملتك تأرجحت على روحك الغضة ، والأعواد التي ركبتها غدت جسرا لك لتعبر إلى الضفاف الأخرى ، حيث يستقر السمر في مقاهي الزبير ، فهناك ينتظرك الأحبة ، وأنت تواظب على مرورك بمدينة الرمل قادما من بيوت الجامعة في (كرمة علي ) . ما هي إلا سويعات يحتدم بها نقاش الأدب والثقافة والحياة ، وسط قرقعة أكواب الشاي المدخنة كما القلوب ، كنت تصل أعتاب الآخرين من دون زورق يتهادى ، او جمل يترنح ، او عجلة تمخر فضاء الزحام المتلبس بالنفوس الغرثى ، فما اقصر المسافة بين الميلاد وبين الأجل المحتوم ، وما ابعد اللقاء بين الغياب والأفول .
 
عشق الرمل :
 
لطالما تساءلنا اهو الوفاء سيدي ، تختزل مسافة الحب لتصل إلى حيث ما تستقر الذكرى ، وتعود بعد الغروب ونحن نشايعك بإكبار شخصك النافد بنا ، لتعود مبتسما . أي وفاء تسمو به نفسك وأنت تكرر أسماء أحبتك  : عمر محمود صليبي ، عبد الستار عبد ثابت ، ثامر العساف ، جبار حمدان شاهين ، حميد بلاسم ، ناهي عبد السادة ، سامي تومان ... عشرات بل مئات من الأسماء الذاوية إليك ، العجيب انك كنت تحتويهم ويحتوونك ، بفيض مشاعرك التي تبث دفئا لطالما بقي ملتزما بطقوس حرارته .
 
أفول الشراع :
 
نومك الطويل أطال المقام هذه المرة ، وانتفضت أحلامك فراحت تشير عليك ، وأنت تعتمر صهوة الغياب وتشق نياسم الصباحات الحالمة من دون الحضور ، المنية التي تخجل منك راحت تسهم في آجال الآخرين من دون أن تتوقف بساحة السؤال ، فهناك الكثير ممن يفيض بالعتب ويقول : طهران لم يمت ، لأنه يعيد علينا ميتته القديمة ، فكم قال لنا إنني ميت من ذي قبل ، ولكنه وجودا وقحا كان يهاجر حيث يلتقي الأحبة .
 
عندما يسمو اليباب :
 
في ذلك اليباب المنتشر حيث تسمو كهولة الأرض ، وتغادر خضرتها ، كان مسلم سيد زيارة يمطرك بوابل قصيده ، ويستجلب القوافي الشاردة ليصب رائعته المؤجلة إليك ، ولكنك كنت توغل في الأفول الذي لفك ، لتصبح كما الأشباح المتراقصة في حلم الشاعر ، فهي تتحرى طيفه قبل أن يفيق من وجومه المطبق .
 
شاهدة البحر :
 
كنا في (أمواج والمجلة البحرية  ) قبل دخولنا مهزلة المصير ، نتبارى على موضوعات البحر ، ونقتسم ملاحمه ، ولا يفصل أكاديمية الخليج العربي عن مركز علوم البحار ، سوى حاجز من نهير مندرس ، تسكنه سناجب النخل . أتذكر انك أمسكت بواحد راح يستدر شهامتك ، فضحكت وأطلقته إلى عالمه الطيني ، قلت لي في حينه : (عادل ، لطالما أبصره ، كان يلوح لي بعبارة الشكر من بعيد ، كنت اقرأ ذلك في عينيه )  . كنا نعيد أغنية السندباد ونكررها ، لا بشعر محمد الفايز وانما بصوت شادي الخليج : ( البحر أجمل ما يكون لولا شعوري بالضياع ) ونكرر مخاضات أبناء السندباد لالن فلييرز ،  تلح عليّ أن اعد اليّ حكايتك المكرورة عن البحار الأديب جوزيف كونراد مؤلف (مرآة البحر ) ،  فأعيد إليك حكايته منتشيا ، نعم ، فهو الابن الوحيد الذي يهتم بشيئين من شئون الحياة : تحرير بلاده من الحكم الروسي ، وحب الأدب والأدباء . كنا نستعرض رحلات (القوص ) عذرا (الغوص) ، وضحكت فيها ، كنت بنكتتك المعهودة الغريبة تضرب على وتر قديم ، ونستعرض ما ركبه الطواشون في ذلك اليم المديد ، وذلك البحر الرهيب : البغلة والبدن والبوم والجلبوت والسمبوك والشوعي والزاروك ... وكل ما خرج من كتابي الذي كنت تحتفظ به ، على الرغم من ضياعه مني لمرات : (المعارك البحرية في الإسلام ) قلت لي يوما : انه مصدر لي لطالما اعتمده ، وتشيد بمقدمة الراحل حامد البازي وتضحك : ان كيف فرضوه على كل كابتن من العسكر والمدني ، وأجيبك : أنا تخلصت من كتابي (اللعنة ) فتخلص انت من اسمك (النقمة) فنضحك حدّ البكاء .
 
عودة البحار :
 
ها هي السفن تعود وثمة أغنية متهادية مع الريح تردد :
 
اصعدي عاليا أيتها العارضة !
 
لا تظني أن باستطاعتك ان تستريحي !
 
انتشر أيها الشراع الكبير ،
 
وضم إلى صدرك
 
الريح التي يبعث بها الله ،
 
لأننا متجهون إلى الوطن
 
 
 
ستعود ، لا بد أن تعود ، محملا بحبالك وعدة البحر التي تهد أكتافك ، النوارس التي تشايعك تنشد مع الموج اناشيد الوداع ، جيوبك خالية من الدر ، فاللؤلؤ خلق لغيرك ، والجواهر تأبى أن تحط رحالها في جيوبك المثقوبة ، وأنت كما الطين يسمو متقزما ليعود منتشيا إلى الطين .
 
خاتمة :
 
لأول مرة اقرأ في الدموع المنهمرة عليك اشرافات الابتسامة الطافحة من العيون ، الليل الذي اشتملك لم يحلم بالنهار، نجوم باكيات يشاطرن القفار النحيب ، فللصحارى أصداء تمتزج مع العويل ، وتسابق ذلك النشيج البطيء . قد تغور الكواكب في تلك الكثبان الحامية  ، وتؤشر على داركم الملأى بالشعر ، كان الشعر هويتكم ، زادكم وشرابكم الذي ترك ملح قصائده في قلوب الزبيريين ، فما زالت قصائد داركم عامرة بالطين الذي يسابق الرمل ، ويرسم أسطورة التوحد سامقة على الرمال الشاهدة عليك ، الرمال الواشية بنا .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل علي عبيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/20



كتابة تعليق لموضوع : وحدة الموت ثنائية المصير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net