عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (12 ، 13 )
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
(١٢)
نـــــــــزار حيدر
في خُطبتهِ الثّانيةِ التي أَلقاها في يَوْمِ عَاشُورَاءَ، قال الحُسينُ السّبطِ (ع) مُخاطِباً جيشَ البَغي {وَيْلكُم ما عَلَيكُم أنْ تُنْصِتُوا لِي فَتَسْمَعُوا قَوْلي، وَإنَّما أَدعُوكُم إلى سبيلِ الرّشَادِ، فَمَنْ أَطَاعَنِي كانَ من المُرشَدينَ، ومَن عَصَانِي كانَ من المُهْلَكِين وكُلُّكُم عَاصٍ لأَمرِي غيرُ مُسْتَمِعٍ قَوْلي، فَقَدْ مُلِئَتْ بُطُونُكُم مِنَ الحَرَامِ وطُبِعَ عَلى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم، أَلَا تَنصِتُونَ؟ أَلَا تَسْمَعُونَ؟}.
فما علاقةُ عدمِ الاصغاءِ للموعظةِ والذِّكرى والكلمةِ الطَّيبةِ بأكلِ الحرامِ؟! ولماذا كانَ الحُسين (ع) مُصراً على تبليغِ رسالتهِ لمُتلقّين كالّذينَ تجَمهروا في كربلاء في يَوْمِ عَاشُورَاءَ لقتالِهِ، إِنتُزِعت من قلوبِهِمُ الرّحمة ومِن رؤوسهِمُ العقلَ ومن ضميرهِمُ الدّين والقيم والاخلاق وكلّ شَيْءٍ؟!.
وقبلَ هذا وذاك، ما علاقةُ أَكلِ الحرامِ بمشروعِ الاصلاحِ الذي قادهُ الامامُ (ع) ونهضَ من أَجلهِ؟!.
أَولاً؛ وقبل كلِّ شَيْءٍ يجب أن نفهمَ انَّ أَكل الحرامِ يعني انَّ الفسادَ أَصاب جذورَ المجتمعِ فعمَّ فِيهِ ولم يقتصِر على السّلطةِ الحاكمةِ مثلاً أو على طبقةِ الاثرياءِ مثلاً الّذين يصفهُم القرآن الكريم بقولهِ {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ} فلم يعُد بالامكانِ إِصلاحهُ الّا بقُدرةِ قادرٍ، وبِمِبضَعِ جرّاحٍ حاذقٍ مُستعدّ لأَن يُضحّي بكلِّ شَيْءٍ من أَجل إِعادةِ صياغةِ الانسان الذي دمّر شخصيّتهُ الفساد مرّةً أُخرى.
وليس المقصودُ هنا بأَكل الحرامِ ما ذكرهُ اللهُ تعالى في آية التّحريمِ بقولهِ عزَّ وجلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ} لا أَبداً فقد يكون كلّ ذلك لا يُمثّلُ شيئاً أَمامَ الفسادِ الحقيقيِّ الذي يدفع بالنّاسِ في المجتمعِ الواحد الى أَن يأكلوا حقوقَ بعضهِم البعضِ الآخر، ويتجاوزونَ على المالِ العام ويسرقونَ مال اليتيم ويُفسدونَ إدارياً فيعتدون على حقوق الآخرين في التمتُّع بفرصِ الخير عندما تستأثرُ بها زُمرةً قليلةً لصالحِها ولصالح أَبنائِها وأقاربِها وعشيرتِها وأمثالهم! ويسرقونَ من وقتِ الدّوام الرّسمي ولا يؤدُّون واجباتهم الوظيفيّة على ما يُرام! وأَمثالَ ذلك!.
وبقراءةٍ سريعةٍ لحالِ المجتمعِ (المُسلم) في تلك الفترةِ الزّمنيّةِ التي سبقت خروج الحُسين السّبط (ع) فسنجد انّ كلّ هذه الحقائق وأكثر كانت هي السِّمةِ البارزةِ والهويّةِ الحقيقيّة للنّاس، فلقد اختلطَ الحلالُ بالحرامِ لتمتلئ بُطُون النّاسِ بالحرامِ لدرجةٍ أَنّهم طُبِعَ على قلوبهِم والعياذُ بالله، ولذلك كانوا يرفضونَ حتّى الاصغاءِ الى خطابِ الامامِ (ع) وكيفَ يصغونَ اليهِ اذا كانوا مِصداقاً مُباشراً لقولِ الله تعالى {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.
وعندما يمتنعُ المجتمع من الاصغاءِ الى النّصيحةِ والموعظةِ الحسنةِ، يمونُ قد وصلَ الى مرحلةِ اليأسِ من الاصلاحِ، وهي المرحلةِ التي لم يبقَ من علاجٍ ينفعُ معها الّا الكيّ.
يحدّثنا القرآن الكريم عن هذه المرحلةِ البائسةِ في معرضِ حديثهِ عن قصّة نبيَ الله نوحٌ (ع) ومعاناتهِ مع قومهِ بالقولِ {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}.
وهي الحالة البائِسة التي وصلَ اليها اليوم السياسيّون والزّعماء والقادة في العراق، فلم يعودوا يسمعونَ لنُصحِ ناصحٍ ولا لرأي حكيمٍ ولا لنقدِ حريصٍ ولا لفكرةِ باحثٍ أَبداً، بعد ان امتلأت بطونُهم بالسُّحتِ الحرامِ الذي سرقوهُ من خزينةِ الدّولةِ ومن المالِ العام، وتجاوزوا على حقوقِ الشّعبِ واستولَوا على كلّ مشاريعِ التّنميةِ لينهبوها واستأثَروا بالفُرصِ حتّى باتَ الأصلُ هو [الرّجلُ غَيْرِ المناسِبِ في المكانِ غيرِ المناسبِ].
تخيّل مثلاً انّهم لم يقدِّموا لحدّ الآن [عِجلاً سميناً] واحداً على الأقلِّ للقضاءِ ليقفَ خلفَ القُضبان! على الرّغمِ من كلّ هذا الفساد والفشل المُريع الذي يعترفونَ بهِ هم أنفُسهُم وعلى أَلسنتهِم! وذلك على الرّغم من مرورِ عامَينِ تقريباً على الخِطابِ المرجعي الذي دعاهُم للضّربِ بيدٍ من حديدٍ على رؤوس الفاسدين!.
وإِنّما عادوا بِنَا الى المربّع الأوّل عندما اعتبرت المحكمة العُليا المسيّسةِ لصالحِ [العِصابةِ الحاكمةِ] انّ حُزمة الإصلاحاتِ الحكوميّة تتعارض مع الدّستور! وكأنّها تُشرعنُ الفسادَ والفشل! وتُبدي ندمَها وأسفها على خُطواتِ الاصلاحِ على الرّغمِ من انّها كانت متواضِعةً جدّاً!.
امّا التّحالف الوطني، فهو الآخر قرّر ان يلتئم لتسويقِ وإعادةِ تأهيلِ نَفْسِ الوجوهِ الكريهةِ والمحروقةِ التي لم تجلب الخيرَ للعراقِ على حدِّ وصفِ الخطاب المرجعي!.
إِنَّهُم يشنّون حربهُم هذه المرَّةِ على المرجعيّة الدينيّةِ مُباشرةً!.
فهل يُلامَ الشّعبُ اذا قلبَ الطّاوِلةَ المستديرة على رؤوسهم غير مأسوفٍ عليهِم؟!.
( 13 )
عندما يعُمُّ الفساد المالي والاداري في المجتمع ولم يعُد مقتصِراً على الطّبقةِ الحاكمةِ مثلاً أَو على السياسيّين، يكون من أولى واجباتِ المصلحِ هو محاربة هذا الفساد ليزيلَ الرَّينُ من على قلوبِ النّاسِ ليفسحَ المجال لمواعظهِ بالتّسلُّل الى عقولهِم وقلوبهِم وضمائرهِم، بالضَّبط كما لو أَنَّك أَردتَ ان تكتبَ شيئاً على اللّوحةِ، فلابدَّ لَكَ ان تتأَكّدَ أَولاً انّها نظيفةٌ خاليةٌ من أَيّةِ كتابةٍ أُخرى أَو انّها نظيفةٌ من كلِّ ما يحولُ بينها وبينَ الكتابةِ، ومن بعدِ ذَلِكَ تشرعُ بالكتابةِ عليها!.
انّ الفساد الذي يُنتجُ أكل الحرامِ يحولُ بين المرءِ والإصغاءِ الى النّصيحةِ وبينهُ وبينَ التأثُّر بالموعظةِ، ولذلكَ رفضَ القومُ الاصغاءِ الى الحُسين السّبط (ع) لانّهم في مُستنقعِ الفسادِ والرّذيلةِ الذي ملأ بطونهُم من الحرامِ!.
مهمّة المُصلح الرّسالي، إِذن، ان يُزيلَ أدرانِ الفسادِ من على قلوبِ النّاسِ قبل ان يشرعَ في مشروعهِ الاصلاحي.
ولذلك نُلاحظ انَّ نبيَّ الله يوسُف الصدّيق عليه السّلام شرعَ أَوّل ما شرعَ عندما عيَّنهُ مَلِكُ مِصر وزيراً للماليّة، في محاربةِ الفسادِ المالي والاداري الذي كانَ ينخرُ بمؤسساتِ الدّولةِ واجهزتَها، ليضعَ الحقَّ في نِصابهِ! فاذا فعلَ ذلك فَتحَ الطّريق أمامَ مشروعهِ الاصلاحي.
ولمّا كانت المؤسّسة الدّينيّةِ جزءٌ من مؤسّسات الدّولة الفاسدةِ، لذلك شنّ (ع) حربان في وقتٍ واحدٍ، حَرْبٌ ضدّ الدّولة الفاسدةِ وأُخرى ضدّ المؤسّسة الدّينيّة الفاسدة.
انَّ فسادَ المجتمعِ سببهُ فسادُ أحدُ مؤسَّستَين أَو كِلاهُما؛ المؤسّسة الدّينيّة ومؤسّسة الدّولة، الاولى تُشرعِنُ الفساد (دينيّاً) وفسادها يُفسدُ العقيدة! والثّانية تُشرعنُ الفساد (دستوريّاً) وقانونيّاً وفسادها يُفسدُ السّلوك! وانّ النّاس يتَّبعونَ أَحد إِثنَين إِمّا العُلماء (المؤسّسة الدّينيّة) أَو الملوك (الحُكم والسُّلطة) فاذا أَكل النَّاسُ الحرامَ فتأكّد بأَنَّ هتَين المؤسَّستَين أَو إِحداهُما قد فشا فيها الفساد بدرجةٍ كبيرةٍ جدّاً فاضَ الزّائدُ مِنْهُ على المجتمعِ فأغلقَ كلَّ الأبوابِ أَمامَ النّاس فلجأوا الى الحرامِ.
وبنظرةٍ سريعةٍ لحالِ بلداننا، سنجِد انّها ابتُليَت إِمّا بفسادِ المؤسّستَينِ معاً، كما هو الحالِ في البلادِ التي تُعتبر فيها المُؤَسَّسة الدّينيّة مؤسّسة رسمية تابعة للسُّلطة، وعلى رأس هذه البلدان نُظم القبائل الفاسدة الحاكمة في الجزيرةِ العربيّةِ وقطر وأخواتهما، ولذلك ابتُليت بفسادِ المؤسّستَين ما نتجَ عنهما فساداً اجتماعيّاً فضيعاً نتجَ عَنْهُ العنف والارهاب بآسم الدّين ليجتاحَ العالم بعدَ ان أزكمت أُنوفنا رائحة الفساد المُنبعثةِ من المؤسّستَين السياسيّة والدّينيّة!.
امّا في العراق فبسبب فساد المؤسّسة السياسيّة (الدّولة) وفي مختلف مفاصلها وسلُطاتها الثّلاث، انتشرَ ألْفَسادُ في المجتمع بشكلٍ فضيع ومُخيف! وما لم يتمّ القضاء على الفسادِ المالي والاداري في مؤسّسات الدّولة فانّ من شبهِ المستحيلِ إطلاق المشروع الاصلاحي للقضاءِ على الفساد المُجتمعي!.
ولا ننسى في هذا الاطارِ دور العمائم الفاسدة التي تُمارس السّياسة في الدّولةِ في [تأصيل] و [شرعنةِ] هذا الفسادِ المالي والاداري! ولقد أشارَ الحديث النّبوي الشّريف الى ذلك بقولهِ {إذا فَسَدَ العالِم فَسَدَ العالَم} وهو الواقع المرّ الذي نعيشهُ الآن في بلادِنا التي إبتُلِيَت بعمائم فاسدة تديرُ جانِباً من العمليّة السياسيّة [الفاسدة]!.
وأغربُ ما في الأمر انَّ الفاسدين أنفُسهُم يقودون مشاريعَ الاصلاحِ!.
أُنظروا الى (الاصلاحيّين) تحت قُبّة البرلمان، واطَّلِعوا على سِيَرِهِم الذّاتيّة وعودوا الى تصريحاتهِم السّابقة فسوف تجدونَ انّهم ليسوا أكثر من زُمرةٍ من الفاسدين والفاشلين، غيّروا جلودهُم فقط مع اقترابِ موعدِ الانتخابات النّيابيّة! في محاولةٍ منهم لخداعِ السُّذّج ثانيةً ليكسِبوا أَصواتهم مرّةً أُخرى فيفوزوا بمقاعِدَ في البرلمانِ الجديدِ!.
أَمّا (مُختارُ العصرِ) الذي لازالَ يحلمُ بالولايةِ الثّالثةِ فحدِّث عَنْهُ ولا حرج! فبعدَ كلّ اعترافاتهِ بالفسادِ والفشلِ ومطالباتهِ المتكرّرة باقصاءِ كلّ السياسيّين الحاليّين عن السّاحةِ، بمن فيهم هُوَ كما قالَ أَكثر من مرّةٍ! بسبب فسادهِم وفشلهِم، يعودُ اليوم ليحدِّثنا عن الاصلاحِ! ويدعو الى تقديمِ الفاسدينَ الى القضاء! طبعاً مُستثنياً نفسهُ باعتبارهِ فَوْقَ المساءلةِ، وهو المنهجُ الذي أَسّسَ لهُ الأمويّون، أَمّا أَميرُ المؤمنين (ع) فلقد أصَّلَ لمبدأ [القانون فَوْقَ الجميع] عندما ترافعَ مع مواطنٍ يهوديٍّ أمام قاضي القضاة شُرَيح القاضي! فهو عليه السلام لم يدعُ الآخرين للمثولِ أَمام القضاءِ في حال التّرافع بين خصمَين من دون تمييزٍ أَو تعالٍ الا بعد ان مثُلَ هو اولاً، ليعطي درساً ويُثَبِّت منهجاً! امّا ان تدعو الآخرين للالتزام بقاعدة [القانون فَوْقَ الجَميع] و [المساواة أمامَ القضاءِ] وانتَ أوّلُ من يتجاوز عليها ويضربَها عَرض الحائط فتتستّر على الفاسدين من مُحازبيك وعشيرتك وأهلِ بيتكَ! فذلك هو النّهج الامويّ بعينهِ حتى اذا طبَّرتَ رأسك بالسّيف في عاشوراء الحسين السّبط (ع)! وأغرقتَ نفسكَ بالدماءِ او زحفت الى كربلاء مربوطاً بالسّلاسل والحديدِ او أقمتَ مجلساً في بيتكَ المهجورِ في المنطقةِ الخَضراء!.
انّ أُسس الاصلاحِ والحربِ على الفسادِ والفشل نتعلّمها من عاشوراء وكربلاء والتي رسم خطوطَها بالدّم القاني سيّد الشّهداء (ع) واهلُ بيتهِ وصحبهِ الميامين! امّا أنتم أَيّها (الإصلاحيّون) المزيّفون الذين تُتاجرونَ بشعائرِ الحُسينِ (ع) فإلى أَفَنٍ!.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نزار حيدر

عندما يعُمُّ الفساد المالي والاداري في المجتمع ولم يعُد مقتصِراً على الطّبقةِ الحاكمةِ مثلاً أَو على السياسيّين، يكون من أولى واجباتِ المصلحِ هو محاربة هذا الفساد ليزيلَ الرَّينُ من على قلوبِ النّاسِ ليفسحَ المجال لمواعظهِ بالتّسلُّل الى عقولهِم وقلوبهِم وضمائرهِم، بالضَّبط كما لو أَنَّك أَردتَ ان تكتبَ شيئاً على اللّوحةِ، فلابدَّ لَكَ ان تتأَكّدَ أَولاً انّها نظيفةٌ خاليةٌ من أَيّةِ كتابةٍ أُخرى أَو انّها نظيفةٌ من كلِّ ما يحولُ بينها وبينَ الكتابةِ، ومن بعدِ ذَلِكَ تشرعُ بالكتابةِ عليها!.
انّ الفساد الذي يُنتجُ أكل الحرامِ يحولُ بين المرءِ والإصغاءِ الى النّصيحةِ وبينهُ وبينَ التأثُّر بالموعظةِ، ولذلكَ رفضَ القومُ الاصغاءِ الى الحُسين السّبط (ع) لانّهم في مُستنقعِ الفسادِ والرّذيلةِ الذي ملأ بطونهُم من الحرامِ!.
مهمّة المُصلح الرّسالي، إِذن، ان يُزيلَ أدرانِ الفسادِ من على قلوبِ النّاسِ قبل ان يشرعَ في مشروعهِ الاصلاحي.
ولذلك نُلاحظ انَّ نبيَّ الله يوسُف الصدّيق عليه السّلام شرعَ أَوّل ما شرعَ عندما عيَّنهُ مَلِكُ مِصر وزيراً للماليّة، في محاربةِ الفسادِ المالي والاداري الذي كانَ ينخرُ بمؤسساتِ الدّولةِ واجهزتَها، ليضعَ الحقَّ في نِصابهِ! فاذا فعلَ ذلك فَتحَ الطّريق أمامَ مشروعهِ الاصلاحي.
ولمّا كانت المؤسّسة الدّينيّةِ جزءٌ من مؤسّسات الدّولة الفاسدةِ، لذلك شنّ (ع) حربان في وقتٍ واحدٍ، حَرْبٌ ضدّ الدّولة الفاسدةِ وأُخرى ضدّ المؤسّسة الدّينيّة الفاسدة.
انَّ فسادَ المجتمعِ سببهُ فسادُ أحدُ مؤسَّستَين أَو كِلاهُما؛ المؤسّسة الدّينيّة ومؤسّسة الدّولة، الاولى تُشرعِنُ الفساد (دينيّاً) وفسادها يُفسدُ العقيدة! والثّانية تُشرعنُ الفساد (دستوريّاً) وقانونيّاً وفسادها يُفسدُ السّلوك! وانّ النّاس يتَّبعونَ أَحد إِثنَين إِمّا العُلماء (المؤسّسة الدّينيّة) أَو الملوك (الحُكم والسُّلطة) فاذا أَكل النَّاسُ الحرامَ فتأكّد بأَنَّ هتَين المؤسَّستَين أَو إِحداهُما قد فشا فيها الفساد بدرجةٍ كبيرةٍ جدّاً فاضَ الزّائدُ مِنْهُ على المجتمعِ فأغلقَ كلَّ الأبوابِ أَمامَ النّاس فلجأوا الى الحرامِ.
وبنظرةٍ سريعةٍ لحالِ بلداننا، سنجِد انّها ابتُليَت إِمّا بفسادِ المؤسّستَينِ معاً، كما هو الحالِ في البلادِ التي تُعتبر فيها المُؤَسَّسة الدّينيّة مؤسّسة رسمية تابعة للسُّلطة، وعلى رأس هذه البلدان نُظم القبائل الفاسدة الحاكمة في الجزيرةِ العربيّةِ وقطر وأخواتهما، ولذلك ابتُليت بفسادِ المؤسّستَين ما نتجَ عنهما فساداً اجتماعيّاً فضيعاً نتجَ عَنْهُ العنف والارهاب بآسم الدّين ليجتاحَ العالم بعدَ ان أزكمت أُنوفنا رائحة الفساد المُنبعثةِ من المؤسّستَين السياسيّة والدّينيّة!.
امّا في العراق فبسبب فساد المؤسّسة السياسيّة (الدّولة) وفي مختلف مفاصلها وسلُطاتها الثّلاث، انتشرَ ألْفَسادُ في المجتمع بشكلٍ فضيع ومُخيف! وما لم يتمّ القضاء على الفسادِ المالي والاداري في مؤسّسات الدّولة فانّ من شبهِ المستحيلِ إطلاق المشروع الاصلاحي للقضاءِ على الفساد المُجتمعي!.
ولا ننسى في هذا الاطارِ دور العمائم الفاسدة التي تُمارس السّياسة في الدّولةِ في [تأصيل] و [شرعنةِ] هذا الفسادِ المالي والاداري! ولقد أشارَ الحديث النّبوي الشّريف الى ذلك بقولهِ {إذا فَسَدَ العالِم فَسَدَ العالَم} وهو الواقع المرّ الذي نعيشهُ الآن في بلادِنا التي إبتُلِيَت بعمائم فاسدة تديرُ جانِباً من العمليّة السياسيّة [الفاسدة]!.
وأغربُ ما في الأمر انَّ الفاسدين أنفُسهُم يقودون مشاريعَ الاصلاحِ!.
أُنظروا الى (الاصلاحيّين) تحت قُبّة البرلمان، واطَّلِعوا على سِيَرِهِم الذّاتيّة وعودوا الى تصريحاتهِم السّابقة فسوف تجدونَ انّهم ليسوا أكثر من زُمرةٍ من الفاسدين والفاشلين، غيّروا جلودهُم فقط مع اقترابِ موعدِ الانتخابات النّيابيّة! في محاولةٍ منهم لخداعِ السُّذّج ثانيةً ليكسِبوا أَصواتهم مرّةً أُخرى فيفوزوا بمقاعِدَ في البرلمانِ الجديدِ!.
أَمّا (مُختارُ العصرِ) الذي لازالَ يحلمُ بالولايةِ الثّالثةِ فحدِّث عَنْهُ ولا حرج! فبعدَ كلّ اعترافاتهِ بالفسادِ والفشلِ ومطالباتهِ المتكرّرة باقصاءِ كلّ السياسيّين الحاليّين عن السّاحةِ، بمن فيهم هُوَ كما قالَ أَكثر من مرّةٍ! بسبب فسادهِم وفشلهِم، يعودُ اليوم ليحدِّثنا عن الاصلاحِ! ويدعو الى تقديمِ الفاسدينَ الى القضاء! طبعاً مُستثنياً نفسهُ باعتبارهِ فَوْقَ المساءلةِ، وهو المنهجُ الذي أَسّسَ لهُ الأمويّون، أَمّا أَميرُ المؤمنين (ع) فلقد أصَّلَ لمبدأ [القانون فَوْقَ الجميع] عندما ترافعَ مع مواطنٍ يهوديٍّ أمام قاضي القضاة شُرَيح القاضي! فهو عليه السلام لم يدعُ الآخرين للمثولِ أَمام القضاءِ في حال التّرافع بين خصمَين من دون تمييزٍ أَو تعالٍ الا بعد ان مثُلَ هو اولاً، ليعطي درساً ويُثَبِّت منهجاً! امّا ان تدعو الآخرين للالتزام بقاعدة [القانون فَوْقَ الجَميع] و [المساواة أمامَ القضاءِ] وانتَ أوّلُ من يتجاوز عليها ويضربَها عَرض الحائط فتتستّر على الفاسدين من مُحازبيك وعشيرتك وأهلِ بيتكَ! فذلك هو النّهج الامويّ بعينهِ حتى اذا طبَّرتَ رأسك بالسّيف في عاشوراء الحسين السّبط (ع)! وأغرقتَ نفسكَ بالدماءِ او زحفت الى كربلاء مربوطاً بالسّلاسل والحديدِ او أقمتَ مجلساً في بيتكَ المهجورِ في المنطقةِ الخَضراء!.
انّ أُسس الاصلاحِ والحربِ على الفسادِ والفشل نتعلّمها من عاشوراء وكربلاء والتي رسم خطوطَها بالدّم القاني سيّد الشّهداء (ع) واهلُ بيتهِ وصحبهِ الميامين! امّا أنتم أَيّها (الإصلاحيّون) المزيّفون الذين تُتاجرونَ بشعائرِ الحُسينِ (ع) فإلى أَفَنٍ!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat