اركون و التعدد المناهجي إلى حد الثمالة
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لم يلتزم محمد اركون في تعامله مع النصوص بمنهج واحد فقط ، بل كان طرحه عبارة عن هجين مناهجي ، مكون من عدة مناهج ، إذ لم يلتزم بمنهج واحد خاص به لنعرف من خلاله توجهاته ، فإذا كانت ركائز و منطلقات المشروع الاركوني ـ عموماً ـ ثلاثة ، فإن منهجه في القراءة و التحليل و النقد و التنظير كان خليطاً عجيباً لا يوجد خط بياني واضح له .
ان ( محمد اركون قام بدراسات ألسنية و تاريخية و انثروبولوجية ، و حاول المزج بين عدة مناهج طبقها على التراث العربي الإسلامي . و هي نفس المناهج التي طبقها علماء فرنسا على تراثهم اللاتيني المسيحي الأوربي . و اركون تأثر في البداية بريجيس بلاشير المحترف في فقه اللغة " الفيلولوجيا " و تعلم منه منهجية تحقيق و تدقيق النصوص و مقارعتها ببعضها البعض و دراستها على الطريقة التاريخية الوضعية ، و لم يكتف بذلك لاسيما و ان توجهاته كانت متعددة كنتاج لفضوله الشخصي و مطالعاته الواسعة ، و هو طالب بالجزائر تأثر بلوسيان فيفر ، لاسيما بمنهجيته في علم التاريخ )( ).
ان تعدد المناهج هو الذي يشكل أهم ميزة في المشروع الاركوني( ) ، فمحمد اركون و تحت وطأة تعدد المناهج ، و التي من شأنها أن تخلق فوضى في صميم الإسلاميات التطبيقية ، لا سيما إذا أدركنا ، بأن كل منهج بطبيعته يتكامل مع مبادئه ، و لا يسمح أن يتبادل المقدمات و النتائج مع منهج آخر ، فإن اركون يتقن لعبة تدبير هذه المناهج و خلق فجوات لامتصاص تصادماتها المتوقعة . و تلك هي أهم ميزة في الإسلاميات التطبيقية . و هو ما يبرر كل التناقضات التي تقف عليها في القراءة الاركونية للتراث العربي و الإسلامي( ) .
فلقد تميز اسلوبه بالخلط العجيب بين النظرية و التطبيق ، إذ دائماً ما يُنظّر لشيء ، و يأتي التطبيق لشيء آخر ، و لا ندري سبب ذلك ، اهو الجهل أم التعمد أم ماذا ؟
لقد استقى محمد اركون افكاره من مدارس متعددة و متنوعة إلى حد الخلط المناهجي ، و في طيات البحث بيان واضح لخارطته الفكرية أو ما يسميه البعض بالحرتقة( ) . فإن الجمع بين المدارس المختلفة و المتعارضة في بعض الأحيان لا يمكن ان نصفه بالتجانس ، ذلك ان لكل مدرسة أدواتها ، و أساليبها ، و نتائجها الخاصة بها ، و هي بذلك قد تتصادم فيما بينها ، ما يحول دون الأخذ بها فضلاً عن اعطائها أي نتيجة مفيدة . ثم ان من سمات ( المشروع ) الوضوح ، و ليس من سماته الخلط و التجميع؟!
و هذا ما دعا البعض إلى القول بأن التماسك المعرفي لبرنامج اركون يثير مشكلة( ) .
عندما تقوم منظومة اركون على مدارس و مفكرين يزدرون العقل و المنطق و غيرهما من العلوم كـ دولوز و فوكو و دريدا ، كيف يمكن أن يؤسس لمنظومة يمكن الحكم عليها بالصحة ؟ و هل أنها تفقد المنطق أو تعتقد به ؟ فإن كانت تفقده فما هو معيار قبولها ، و إن كانت تعتقد به فكيف تتناسب مع المتبنيات الأصلية؟( ) .
***************************
الهوامش : ************************
(1) جولة في فكر محمد اركون ، ادريس ولد القابلة ، ص3 .
(2) ينظر : خرائط ايديولوجية ممزقة ، إدريس هاني ، ص 210 .
(3) خرائط ايديولوجية ممزقة ، ص 212 .
(4) رون هاليبر ، مصدر سابق ، ص 156 .
(5) م ، ن ، ص 44 .
(6) القراءة الاركونية للقرآن ، ص 375 .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat