"كمشات شعر" من بيدر بلادي، تكلّمها وليدُها بلسانه اللبنانيّ الصافي، بلغته الضيعويّة الخالصة. تألّقت صفحات الكتاب بمخزونٍ شعريّ يحاكي العامّةَ من حياة الناس. تحضركَ لوحاتٌ من واقع الإنسان في طبيعة معيوشه اليوميّ واختلافات تكوُّناته وانتماءاته. فهو ابنُ القرية في الغالب، وهو شابٌّ في مطلع تفتّحاته. كما هو ولهانٌ في عشقٍ يستعيد ذكرياته في الصبا...
وليد نجم في كمشاته الشعريّة يتكلّم بصيغة الأنا، لكأنّه دومًا بطلُ أبياته الغالب فيها طابع السرد. وما الضيم إذا عبّر الشاعر عمّا يختلجه في المواضيع المختلفة التي يعالجها على امتداد السياق؟! ويحلو لكَ أن تقرأه في النظم الموزون االمقفّى، على مرّ النصوص كافّةً! وهو في اعتماده اللغةَ المحكيّة المتعارف عليها هنا بالشعر اللبنانيّ، تجده يخبركَ حاله في مراحلها، كأنّما أنتما ترتشفان القهوة على شرفة بيته الشبطينيّ، فتخاله استوحى معظم أشعاره على مطلاّت قريته البترونيّة العريقة، مستقيًا ماءها السلسبيل، ومتنشّقًا هواءها العليل.
"كمشات شعر"، مختاراتٌ من قصائدَ نظمها الشاعر في محطّاتٍ من سنين راحت في عمره عقودًا خلت. ما أروعه يبدأها بتأمّلات، لم يتأمّل فيها إلاّ بحالة الشاعر، وحالاته شاعرًا. حلا لي أن أتخيّلها بعنوان "في الشاعر والقصيدة". تصوّرتُه في قصيدته "الشاعر" متيّمًا بحالته هذه لِما صاغها بتواترٍ تامّ عرّف من خلاله بالشاعر، ساكبًا صفات الجمال كلّها فيه. صفات جاءت بها الطبيعة اللبنانيّة في إبداعات خالقها وتقاليد أهليها. يقول: "الشاعر سما إلهام... الشاعر بحر إبداع... الشاعر أساس الخمر... الشاعر عبير عطور... الشاعر نسر فوق الشمس..."
وليبيّن صاحبُ الكتاب رهيفَ إحساس الشاعر، لم يستطع أن يرى فيه قساوة طبع. لمّا تكلّم على نفسه صيّادًا، وضع على لسان الطريدة لومَها إيّاه، يطارد مخلوقات الله يقتلها. قال بلسان الطير عتبه:
"بلهجة عتب قلّي: أنا الكلّي شعور صوتي شِعر جايي لحتى تخنقو
بآلة حديد الشرّ منها تطلقو عرفتك إنت بين البشر شاعر رقيق
وعّي شعورك من سُباتو فيّقو بعرف أنا الشاعر إلنا صديق
مش شاعر اللي ان سمع طير بيشنقو"
ينتقل الشاعر في كتابه إلى لونٍ آخر، طغى على لسان الشعراء. حتى لكأنّ شعرًا من دون غزل، بات غير شعر. المرأة في شعر وليد نجم، نجمةٌ هي، لا يطالُها إلا الملهمون. انطلق من واقع حاله معها. مراهقٌ ولهان، يعبّر عن انجذابه إلى الحبيبة من مادّة الضيعة والطبيعة، التي استعار تشابيهه لها من عناصرها الحيّة. وإليها يعود في تقدّمه، ليتغنّى بها شاعرًا "واقف بينَ بينْ، عمرو وروحو بين ديكي".
ولا يكتفي صاحبُنا بالغزل للمرأة وحسْب. فالحبّ عنده للوطن والضيعة. فكأنّه يردّد مع أديب صعيبي قولته:
عفوًا عيون الفاتنات فإنّني أقسمتُ لا أهفو لغير بلادي
أنشد وليد نجم حبيبه الوطن شعره متعلّقًا بالأرض ومتمسِّكًا بانتمائه لجذوره الضيعويّة. أنشده عاشقًا الوطنَ والضيعة. وصف لبنانَ "قطعة سما" في علاقة مباشرة بالله:
"لبنان يا سحر الوجود السرمدي...
عجقة ضياع ب كتف الله معربطين..."
فلا يمكنكَ تصوّرُ الشاعر إلاّ لبنانيًّا، وليس لبنانيًّا إلاّ من شبطين، حيث "الدني كمشة شعر همسة نسيم". فيها "الطفوله معشّشة بزهر الحقول". وفيها يجد
"بينو وبين حجارها سرّ الحنان كلّ ما غفي عالبحص وعيت موهبي".
في ضيعته شبطين، تولَّد صاحبُنا مبدعًا. من حجارها تفجّرت كينونته الشاعريّة واتّخذ هويّته المزدوجة، مواطنًا لبنانيًّا وإنسانًا مواهبيًّا تسمّى شاعرًا، وحسبه!
صديقي وليد،
كمشاتك الشعريّة، قصائدُ نسجتها من وهج نجمكَ اللامع في سماءات الأدب التي سكنتَ رحابها، فتجلّت إضاءاتٍ تفلش إشعاعاتها على كلّ مستنيرٍ من كنوز الفكر اللبنانيّ وتراثاته. هوذا كتابٌ في الشعر، يعبّر عن شخصكَ، يحكي قصّة إنسانكَ في تفاعلاته شاعرًا مع ذاته والحبيب، ومع أرضه الضيعة والوطن. وها أنتَ تعد بمواليدَ ترى النورَ تباعًا، لا لتحدّد مساركَ الأدبيّ، وأنتَ سائرٌ فيه مسافات، لكن لتُغني من رقيّكَ المخزون الشعريّ، حيث تعدّياتٌ لا تُحصى، وادّعاءات، حدّثْ ولا حرج!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat