صفحة الكاتب : د . محمد الغريفي

الأتجاهات السياسية في حوزة النجف الأشرف
د . محمد الغريفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تاريخ الحوزة العلمية في النجف الأشرف ما يقارب الألف عام منذ أن أسسها شيخ الطائفة الطوسي سنة (448 للهجرة) الى هذا اليوم. وفي هذا العمر الطويل مرت الحوزة العلمية في العديد من الأحداث السياسية صنعت فيها عدة أتجاهات سياسية، بعضها أندثر وأصبح في صفحات التاريخ، وبعضها أصبح الهوية الشاخصة للحوزة للعلمية على مر العصور. وفيما يلي نستعرض ثلاث أهم الأتجاهات السياسية للحوزة العلمية في العصر الحاضر:
 
الأتجاه الأول فصل الحوزة عن السياسة: وهو أقدم الأتجاهات السياسية في الحوزة، ولد مع انتقال الحوزة العلمية لمدينة النجف الأشرف على يد الشيخ الطوسي عندما هرب من الفتنة السياسية التي حرقت منزله ومكتبته في العاصمة بغداد، وجعل من حوزة النجف مؤسسة تعليمية تربوية فقط، تهتم في شأن تدريس الشريعة الإسلامية وفصلها عن الشأن السياسي، حتى أن تراثها الفقهي والكلامي والفلسفي والأخلاقي، يخلو من الفكر السياسي، بل حتى النظرة الفقهية للأحكام هي نظرة فردية تحدد تكليف الأفراد وليس فيه نظرة اجتماعية تبين تكليف المجتمع أو تكليف الحكومة إتجاه الرعية، كما في كتب الأحكام السلطانية لأهل السنة. 
كما يعتبر التدخل في الشؤون السياسية في عرف الحوزة العام أمر مذموم يشنع به على صاحبه، في هذ المجال يقول الإمام الخميني: (أن الأمر أشتبه علينا نحن أيضاً، والى درجة اصبحت معها كلمة \"المعمم السياسي\" شتيمة في أوساطنا، فاذا قيل أن فلان \"معمم سياسي\" فهذا يعني الذم)(). 
ولا ننكر وجود علماء كبار تصدوا للشأن السياسي في بعض العصور مثل محمد حسين كاشف الغطاء والمجدد الشيرازي والشيخ النائيني والشهيدين الصدرين وغيرهم، وقد كتبوا بعض الكتيبات في هذا الشأن، وشاركوا في أحداث سياسية، مثل ملحمتهم الكبيرة في ثورة العشرين، ولكن الإتجاه العام الباقي الى هذا اليوم هو بضرورة عدم تدخل الحوزة في الشؤون السياسة، ويعتبرون السياسة خطر لا يهدد الحوزة فقط بل يهدد سلامة المذهب والإسلام ككل؛ لأن السياسة في نظرهم لا صديق لها. فهم بذلك يحصرون نشاط وحركة طالب الحوزة بين المحراب والمنبر، أي في داخل دور العبادة المساجد والحسينيات، وترك إدارة المجتمع لغير الحوزة العلمية، مع أن الحكومة العراقية اليوم بأمس الحاجة للحوزة العلمية سواء في التشريعات البرلمانية، أو في المحاكم القضائية، أو في الوزارات أو في المدارس الاكاديمية لتعليم وتربية الأجيال القادمة، أو في الجامعات لتوضيح النظريات الإسلامية، أو في السينما والمسرح والأعلام وغير ذلك الكثير الكثير. 
 
الأتجاه الثاني نظارة الحوزة على سياسة: 
يرى بعض مراجع الدين في حوز النجف بأن وظيفتهم من الناحية الفقهية هو الأرشاد والهداية وليس من وظائفهم التدخل في الشؤون السياسية والأمور التنفيذية إلا بمقدار الضرورة.
يتزعم هذا الاتجاه اليوم بعد سقوط النظام البعثي والتفاف الأمة حوله المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد السيستاني (دامت بركاته) الذي بدوره تولى مهمة الهداية والإرشاد للعملية السياسية وتدخله في الأمور الضرورية والمصيرية، ومسكه عصى السياسة من النصف، ولم يتولى القيادة المباشرة في النظام الجديد، بل أكتفى سماحته بالتوجيه والإرشاد في وضع الخطوط الأساسية للعملية السياسية الجديدة في العراق، من أهمها مايلي:
1- إخراج الاحتلال سلمياً، من دون إراقة المزيد دماء الشعب العراقي.
2- إيكال الأمر للشعب العراقي لتقرير مصيره واختيار نظام الحكم.
3- إصراره على كتابة الدستور بأيادي أمينة من أبناء الشعب العراقي.
4- إصراره على الانتخابات المبكرة ولم يسمح بتعطيلها أو تأجيلها.
5- لم يأمر بانتخاب أشخاص معينين بل أكتفى بالتوجيه لانتخاب الأصلح.
6- لم يسمح بتمديد فترة بقاء القوات المحتلة في العراق.
7- لم يسمح باندلاع حرب أهلية بين السنة والشيعة.
8- لم يسمح لوكلائه بتولي مناصب تنفيذية في الحكومة الجديدة.
9- طالب المسؤولين السياسيين بتقديم الخدمات الضرورية للشعب العراق المحروم.
10- أصداره فتوى الجهاد الكفائي في مساندة القوات الحكومية لطرد عصابات داعش الإرهابية من أرض العراق . 
 
الإتجاه الثالثة ولاية الفقيه: 
المصطلح الفقهي \"ولاية الفقيه\" هو تعبير ثاني للمصطلح الكلامي \"نائب الإمام\" بمعنى أن يكون للفقيه نفس الصلاحيات التي للإمام بما يخص الزعامة السياسية. وقد أعاد طرح هذا البحث في حوزة النجف المرجع الديني الثائر المبعد من إيران الإمام الخميني قدس سره في دروسه للبحث الخارج عام 1969م.
وعلى أساس ولاية الفقيه قام المفكر الإسلامي السيد الشهيد محمد باقر الصدر بتشکيل أول حزب سياسي في حوزة النجف عام 1958م، ومقاومته للنظام البعثي في العراق، وألتف حوله طلبته والكثير من النخب المؤمنة.
وقد تفرع عن هذا الأتجاه ثلاثة من الحرکات الإسلامية (حزب الدعوة الإسلامية، المجلس الأعلى الإسلامي، التيار الصدري)، جميعهن قد ولدن من رحم الحوزة العلمية يقودهن تلامذة السيد الشهيد محمد باقر الصدر، رغم تعرض هذه الحركات الثلاثة الى أنقسامات متعددة في عصرنا الحاضر. 
الشيء المشترك بين هذه الحرکات الثلاثة هو أيمانهم بضرورة قيادة الحوزة للامور السياسية، بخلاف الأتجاه الأول والثاني. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد الغريفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/31



كتابة تعليق لموضوع : الأتجاهات السياسية في حوزة النجف الأشرف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net