صفحة الكاتب : سعيد عبد طاهر

الليل, هذا البهيم .. حلمُ العاشقين وعذاب المُعذًبين, أحبهُ وأشكو إليه
غربتي وتشردي, ولوعة الذكرى في عالمٍ لا يرحم الضعيف ولا يخاف الا من
القوي العزيز.
نامت الاعين, وهدأت الاصوات, وذهبت الطيور الى اعشاشها, وبقيت عينيّ
مفتوحتان, لأنني عازمٌ على السفر هذه الليلة ..
خرجتُ من بيتي دون ضجةٍ ودون وداع, بعد ان جمعت اشيائي في حقيبتي
الكبيرة, وأخذت ما احتاج إليه وقصدتُ المطار ..
وبعد أن اكملتُ الاجراءات, جلستُ في قاعة الانتظار, وفي هدوء الليل,
وصراخ الصبية الصغار وضحكهم وصخبهم, سمعتُ صوت الموظفة وهي تدعونا الى
التوجه الى البوابة رقم 7, وهكذا انتظرنا في طابور طويل وبدأنا ندخل
الواحد تلو الآخر, امسكتني المضيفة من يدي قائلةٌ سيّدي مكانك في الدرجة
الاولى, وفوجئت بأن الكرسي الذي اجلس عليه قرب النافذة فسرّني ذلك, رغم
اني كنتُ في وادٍ عميق, لم التفت الى من يشاركني الرحلة, لأنني كنت في
قلقٍ ظاهر, تراودني احلامٌ وافكارٌ ما لها من سلطان.
أين أنا؟ وأين اريد ؟ وممن أهرب ؟ ولماذا هذا القلق والفكر الاسود ؟
هل هذه هي نهاية الرحلة ؟ وهل سيكون سفري هذا هو الاخير ؟ .. رجلٌ قد
تخطى عمره السبعين, مصفر الوجه, مكسّر الأسنان, تحيطُ به الأمراض من كل
جانب, وقد رأى من الدنيا ما رأى .. الكثير الكثير, مرت به كالحلم في ليلة
صيف, حياةٌ ليس لها طعمٌ ولا لون, قضيتها في تشرّد وضياع, وفقرٌ تبعني
الى آخر العمر ..
لم احسُ باهتزاز الطائرة وانطلاقها, رغم اني قد وضعت الحزام, ورحت استعيد
بذاكرتي كل الايام والسنين التي مرت في حياتي, ولا زلتُ احلم بأني طفلٌ
صغير, احنُ إلى صدر أمّي وحنانها, رغم انها قد فارقتني وذهبت الى عالمها
..
وبعد أن هدأتُ من خوفي ومن قلقي, نظرتُ حولي ..
فأصبتُ بالذهول, وبقيت واجماً, فالذي يشاركني الرحلة امرأة غاية في
الجمال والروعة .. فرحتُ اقيس بين الربيع والشتاء, بين الظلمة والنور,
بين رجلٌ قد تعدى السبعين وامرأة لا زالت في أول العمر, شقراء ذات شعر
كالذهب, وعينان كالسماء الصافية, وفمٌ كأنهُ حبّات كرزٍ ناضجة, ابتسمت لي
بغنجٍ ودلال قائلة ..
-    هل أنت مقيمٌ في نابولي ؟ ..
لم اجبها, لأنني كنتُ منبهراً بجمالها الأخّاذ ..
اعتقدت بأنّي أصم, فرفعت صوتها قليلاً, مما نبهني من غفلتي, قلتُ إنّي
اسمعك .. ولكن جمالك الأخّاذ ابهرني واخرس لساني ..
رأيتُ النهار قرب الليل, فافتر ثغرها عن اسنان لؤلؤية وهي تقول :
-    شكراً
ونسيت نفسي .. ورحت اناغيها كما يفعل الاطفال, وهي تستجيب لي بشكلٍ عجيب ..
الليل يتغزل بالنهار, والظلمة تتغزل بالنور, والشتاء يتغزل بالربيع, يا
لعجائب الامور !
اهتزت الطائرة هزّات قوية, شعرتُ بالدوار ثم ران بيننا صمتُ طويل ...
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعيد عبد طاهر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/26



كتابة تعليق لموضوع : ليل وسفر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net