أحترق فؤادي لان ألبومي الغنائي لم ينجح كما توقعت ومحل الكاسيت لم يسجل ارقاما قياسية مثلما أردت , ولكني تذكرت مقولة صديقي (في كل خيبة درس وفي كل دمعة قوة وفي كل ذكرى نصيب ومن الحياة نتعلم) . فقلت لنفسي ماذا تعلمت من حياتي سوى إن ( الحياة مدرسة استاذها الزمان ودروسها التجارب) كي اهون على نفسي وأبكي بصوت خافت مثل الشمعة , ولكن بالرغم من ذلك سمعت امي صوت بكائي فقالت لي :
هل تعلم إن طائر الهدد تسبب في إسلام امة ونملة صغيرة غيرت مسار جيش وفيل كبير رفض هدم الكعبة وغراب علم البشر الدفن فسبحان الله . الحيوانات تفكر بعقولها ونحن البشر بماذا منشغلين ؟ يا ابني انا لا أعلم سبب بكائك ولكني سأهديك كتاب ابن القيم الجوزية عن الدنيا حيث يقول فيه ( من عشق الدنيا نظرت قدرها عنده فصيرته من خدمها وعبيدها وأذلته ومن أعرض عنها نظرت الى كبر فخدمته وذلت له ) سأعانقك يا حبيبي و اتمنى لك يوم خالي من الهموم ).
أسدلت الستارة وأطفئت النور ولحظة خروجها من الغرفة ناداها ابنها وقال : امي ارجوك هذه الليلة كوني معي دعيني أشعر ولو لمرة واحدة أنا طفل أرتمي بأحضانك فأشعر بالدفء والحنان دعيني اعود طفلا
واروي لي قصة وداعبي شعري بيديك الحنونة يا امي لعلي أغفو على أنغام صوتك الجميل .
- لقد كبرت يا ابني لن اروي لك قصة كي تنام بل سأقرأ لك شعر مما كتب جدك المرحوم عن الهيام بالدنيا لعلك تتعظ قليلا : لما الهيام بالدنيا
الشمس غابت وسوف تشرق من جديد ... أما فؤادي فيهمس لي في الظلام عن عيون الدنيا التي لا تنام ... أهكذا هي الدنيا أشبه بحطام من جليد ؟ أم هي وميض من ذكريات وأحلام؟ وتصبح بعد حين حلم في المنام ... و اسطورة بائدة تلوح لنا بيدها من بعيد ... فتمضي وتلون بالأرجوان كل الأوهام ... لتجعلها تبدو لنا حقيقية وشيء جدا هام ... فنقع أسرى للآلام ويصبح قلبنا مدمر ووحيد ...
مهما فعلت بنا الدنيا فلسنا نلام ... فهي من يومها تطعن بالسهام ... وتدق نواقيس الزمان بيد من حديد ... ولكن صمت القمر يحدثنا عن أقسى ملام ... وهو كيف ننسى ربنا القدوس السلام ؟ ألا نلوم أنفسنا على ذلك لوما شديد ... فلماذا لا نطلب من ربنا صبرا وسلام ؟ فمن قال إن الدنيا هي من تتولى المهام ؟ كيف ونحن فيها ضيوف وعمرنا ليس مديد... سيأتينا الموت زائر لا محالة فلما بالدنيا الهيام ؟ وهي زائلة فكيف نعيرها كل ذلك الاهتمام ... ونحن راحلون وساكنون في القبور فماذا نريد من دنيا ليست بدار القرار تضللنا بالغمام ...
وفي يوم النشور سنقابل ربنا وينتهي الكلام ... فتطوى صفحة الحياة والله هو المميت والمعيد ... وهو الحي القيوم يؤجل لنا كل الاماني والأحلام ... بجنة الخلد ففيها ما لا عين رأت من كمال وتمام ... فهي اعدت من ذو الجلال والإكرام المبدع المجيد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat