الفساد الاداري ... اخطبوط بايادي خفية
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يمكن لأي نظام أمني وعسكري في أية دولة في العالم ان يحارب أي عدوان يتعرض له ومهما كانت قوة العدوان واستعداد ذلك النظام الأمني
حتى وان وصل الأمر في أدنى حدّ له الى المقاومة البسيطة فقط إن كانت إمكانياته العسكرية أقل بكثير من الهجوم المقابل له. وهذا التصدي العسكري الذي يتراوح بين النصر أو الإخفاق أو مجرد المقاومة يمكن أن يكون سهلاً هيناً وحساباته معروفة لان العدو واضح وجلي دون خفاء أو تستر فتكون المعركة بسيطة إذا ما قورنت بالمعركة الأخرى الأصعب التي يحارب فيها أحد الأطراف طرفاً آخر خفياً دون تحديد ملامحه أو قسمات وجهه فيبدو وكأنه يحارب شبحاً لا وجود له. وهذه المعركة التي تخوضها الدولة حالياً مع العدو اللدود والكبير المسمى بالفساد الإداري والمالي هي من أعتى المعارك لاسيما ان المعركة سابقاً وحتى الأشهر القليلة الماضية كانت مع بؤر الإرهاب وزمر التكفير التي كانت ورغم قساوتها وشدة خسائرها معروفة الجهة والمقصد والأهداف، غير أن الفساد المستشري عندنا اليوم أصعب بكثير من الإرهاب لأسباب عديدة منها عدم معرفة الوجه الحقيقي له أو الأشخاص المفسدين فعلاً كون الفساد غالباً ما يأتي من قبل أشخاص متنفذين ومتمركزين سلطوياً فيعمدون إلى سوء استغلال السلطة لمنافع شخصية ضيقة كعقود وهمية في البيع والشراء والصفقات الوهمية والرشا والمحسوبية الأعوام السابقة قد شهدت تقديم عدد من الوزراء والمسؤولين للمحاكمة ورفع الحصانة عن عدد من النواب واعتقال آخرين في الأجهزة الرسمية والتنفيذية وبدرجات عليا. وهو أيضا ما طرحته هيئة النزاهة من خلال مشروع محاسبة المسؤولين عن طريق تقديم لوائح ومؤشرات بحجم (ما يكسبونه من المال) ومطالبة البرلمانيين السابقين بإعلان حجم دخلهم وتوضيح كل مصادر الدخل بالتفصيل، فضلاً عن السعي الى تقليص الفوارق الكبيرة بين رواتب الموظفين في الدرجات الدنيا والعليا وسد جميع منافذ الفساد والنقاط التي يتخلخل منها ، ومع تباين أسباب وجود الفساد الإداري فان النتائج التي يؤدي إليها وخيمة وخطيرة تؤثر على المواطن وعلى النظام وعلى المجتمع بصورة عامة فيؤدي الى عدم احترام حقوق الإنسان ويؤدي الى انعدام المساواة ويقضي على الأسلوب الكفوء والمهني في الإدارة مع فقدان المصداقية وحجب الحقيقة عن الناس وبواسطة الإعلام الفاسد ما يؤدي أخيرا الى انعـــــدام ثقة المواطن بالدولة والقانون ومن ثم الى تفكك المجتمع. هذه النتائج تتحقق حين تتاح لأنظمة الفساد الإداري والمالي العمل دون رادع رغم وجود المؤسسات الكثيرة لمعالجته والقضاء عليه مثل مفوضية النزاهة أو ديوان الرقابة المالية وانتشار موظفي المفتشية العامة في دوائر ووزارات الدولة إلا إن الفساد بلغ حدّا جعل منه ان يحظى بلقب الخطر الأكبر الذي يهدد البلد والتقدم في العملية السياسية والديمقراطية وتحقيق الحرية والكرامة الإنسانية ، فلم تنفع كثرة انعقاد المؤتمرات المتنوعة لمكافحة الفساد الإداري والمالي التي تقيمها الحكومة والمنظمات المدنية ووسائل الإعلام عدا بعض الحالات الفردية والقليلة العدد حيث لم تظهر بصورة واضحة وجلية حتى اليوم الإجراءات العملية التي تم اتخاذها لتطويق هذا الوباء الخطير والتهديد الكبير، مع انه يتم خلال هذه المؤتمرات بحث محاور مكافحة الفساد وتطوير بناء القدرات الوطنية، وفرض القانون، ودور المؤسسات غير الحكومية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني والتواصل الجماهيري . إضافة الى التنسيق والتعاون في مواجهة الفساد إلا ان النتائج ما زالت ليست بالمستوى المطلوب. الصفحة الأولى من حرب الدولة العراقية الحديثة على عصابات الإرهاب القاعدي والجريمة المنظمة قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من نهايتها بعد النجاحات الأمنية المتحققة في عموم البلاد ما يستدعي الآن تحشيد جميع الجهود الحكومية والجماهيرية من أجل البدء بالصفحة الأخرى من هذه الحرب التي ستكون بالضد من آفة وغول الفساد الإداري والمالي ومرتزقته وعصاباته ومساندة الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة والاتفاق على أساليب جديدة لتطوير عملية مكافحة الفساد بشكل لا يؤثر في حملة الحكومة للارتقاء بالاقتصاد العراقي ليكون باستطاعتها القيام بعمـــليات البناء والعمران والقضاء على الفساد في جميع المؤسسات الحكومية ودوائرها كونه آفة خطيرة تهدد المجتمع بقدر يتجاوز الآثار الكارثية التي يسببها الإرهاب الدموي ضد الوطن. فهــو يخلق قاعدة وسلوكاً عاماً في بنية الدولة تصعب معـــــالجتهما بعد استفحالها ووصولها حد نخاع العظم وأسس البناء ما يعني ان أية عملية بناء لا يمكـــن ان تتــــم بوجود آفة الفساد كمــــا لا يمكن إعطاء البناء صفة النجاح والازدهــار في أي مجتمع وهو يعاني من تغلغل أيـــادي الفساد الإداري والمالي فــــي كل مفاصــــل الدولة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat